اغنيات جون لينون تحولت الى أناشيد وطنية

1٬193

عواد ناصر/

قريباً ستحل ذكرى ميلاده السادسة والثلاثين (9 تشرين الأول/أكتوبر 1940) ذلك الفتى الحالم المسمى “جون وينستون لينون” ابن ليفربول، مدينة الجنون البريطاني التي خرج منها الكثير من الفنانين والكتاب ولاعبي كرة القدم، ليشكل أول فرقة موسيقية وهو في سن المراهقة، وبعد تشتت أعضائها سرعان ما شارك، مع زميله بول مكارثني (حصل على لقب “سير” فيما بعد) في تأسيس فرقة “البيتلز” الشهيرة التي لم تستمر أكثر من عشرة أعوام (1960-1970) لكنها عشرة أعوام هزت العالم،
من أقصاه إلى أقصاه، ولم يكن لينون إلا أبرز أركانها والداينمو المحرك لنشاطها وتألقها، في فترة تاريخية هي من أخصب فترات القرن العشرين حراكاً فكرياً وسياسياً وفنياً، فترة الستينات، حيث انبثقت الحركة الشبابية والطلابية الفرنسية التي غيرت الذوق الشائع لعصرها، بدءاً بالفكر والفن ومناهضة الحرب والدعوة إلى السلام والعدالة الاجتماعية، ولم تنته حتى اليوم حيث سراويل الجينز الممزقة لم تزل آخر موضات الأزياء الشبابية من الجنسين.

روح ثورية وطبيعة لاذعة

بعد زواجه من يوكو أونو (تكبره بحوالي سبع سنوات) عام 1969 غير لينون اسمه ليصبح جون أونو لينون، وتم ذلك بعد أن أصبح نجماً وله عشرات الألبومات الغنائية عبر العالم مثل “تخيل” و”امنح السلام فرصة” و”بطل الطبقة العاملة” وغيرها. يوكو أونو اليابانية كانت، أيضاً، فنانة فهي كاتبة أغان ومخرجة سينمائية ومغنية وناشطة من أجل السلام.

أظهر لينون، على وفق نقاده، روحاً ثورية وطبيعة لاذعة في أغانيه وموسيقاه ومقابلاته في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، وعندما انتقل إلى مانهاتن، عام 1970، شدد من نقده للحرب الأمريكية في فيتنام، ما تسبب في محاولات حثيثة أبداها الرئيس الأمريكي، آنذاك، ريتشارد نيكسون، شخصياً لطرد لينون من أراضي الولايات المتحدة.

بعد رحيله، أُدرج لينون، عام 1987، على لائحة الأكثر شهرة بين الفنانين، لائحة بريطانية متخصصة، ولمرتين على لائحة أشهر مغني “الروك اند رول” عام 1988، كعضو في فرقة “البيتلز”، وكأشهر مغن فردي عام 1994، بعد أن ردد الملايين، في الغرب والعالم، أغاني جون لينون كأناشيد وطنية، بما فيها أغانيه الرومانسية.

الطفل المشاغب

أما لينون فيقول عن نفسه: “ثمة جزء مني يرغب أن يكون مقبولاً من جميع فئات المجتمع، وأن لا يكون فناناً صاخباً ومجنوناً، كشاعر وموسيقي، ولكنني لا أستطيع أن أكون شخصاً آخر.. أكون ما لست أنا. اعترف والدي بأنني، غريزياً، طفل مشاغب، وحاولت أن أؤثر على بقية الأطفال، وهو ما قمت به فعلاً، إذ بذلت قصارى جهدي كي أتدخل لتعطيل الإيقاع التقليدي لمن حولي، في كل بيوت أصدقائي…أما في بيتي فأنا ربيب خمس نساء ذكيات وجميلات وقويات، هن شقيقاتي، وحدث أن أمي هي التي لم يكن بمقدورها التعامل مع الحياة. كانت الأكثر شباباً، ولها زوج كثير الهروب إلى البحر (كان والده بحاراً لأسباب تجارية) وكانت الحرب قائمة (الحرب العالمية الثانية)”.

كان جون “ابن الناس” حسب تعبير مصوره الشخصي، الذي أصبح أقرب أصدقائه بوب غريون، والذي عمل مصوراً فوتوغرافياً متخصصاً، بتصوير موسيقى “الروك”، وعمل مع ألفيس بريسلي ومادونا وبوب ديلان وبوب مارلي وغيرهم.

بوب غريون، هو المصور الخاص للينون، وصديقه الحميم لاحقاً، وضع كتاباً عن تجربة لينون الشخصية والفنية يتحدث عن لقائه الأول بالفنان قائلاً: حدث أن رأيته، أول مرة، في مسرح بيكون، ومعه زوجته أونو، ليقدما عدداً من أغانيهما أمام الجمهور الذي غصت به القاعة، وبعد نهاية الحفل تحلق معجبون حول جون لالتقاط بعض الصور، فما كان منه إلا أن يعلق مازحاً: “يلتقط الناس معنا آلاف الصور ولكنني لم أر أيا منها”. فرددت أنا: أنا أسكن عند زاوية الشارع نفسه الذي تقيم فيه، وعندي لك بعض الصور التي التقطتها اليوم، وسأريك أياها، قال: حسناً، هل لك أن تدفعها من تحت الباب؟. كان ذلك أول لقاء لي به.

اغتيل على خلفية السياسة

رحل لينون إثر اغتياله بطلق ناري عند باب منزله، في الثامن من كانون الأول 1980، على خلفية مواقفه السياسية، خصوصاً كناشط من أجل السلام ومناهضة الحرب، تحديداً حرب فيتنام، وهي مواقف أحرجت الإدارة الأمريكية، والرئيس ريتشارد نيكسون نفسه كما أسلف القول، وعقب إلقاء القبض على القاتل تبين أنه “مختل عقلياً”!. عن اليوم الأخير في حياة لينون يكتب غوير التالي: “تلقيت مئات الاتصالات من أصدقاء ومعارف، عبر أنحاء العالم، من دون أن تكون لدي أية فكرة عما حدث نهار ذلك اليوم. سألني صديق: هل شاهدت التلفزيون؟ أجبته: لا، ماذا هناك؟ قال: أحدهم أطلق النار على جون.
أول ما خطر في بالي أن جون لا يحمل معه أي نقود، عادة، وقد سأله أحدهم بعضاً منها، فلم يجد ما يعطيه ما جعل الـ “أحدهم” يطلق عليه النار، وهذا يحدث كثيراً عندما يتحول التسول إلى عملية سلب. ثم فكرت: أن يتعرض أحد ما إلى إطلاق نار فليس بالضرورة أنه يموت. لكن جون قد مات.

تكومت على الأرض لأن الموت أمر لا يمكن أن تفعل إزاءه أي شيء.. لا يمكنك تغييره أو تأجيله أو الحيلولة دونه.

توالت، بعدها، مكالمات من نوع آخر: كبريات وسائل الصحف في الولايات المتحدة والعالم تسألني تزويدهم بصور.