الإنشاد الحسيني صقل موهبته.. محسن فرحان يكشف لـ”الشبكة” خفايا ألحانه
حوار: رجاء الشجيري – تصوير: كرم الأعسم /
محسن فرحان.. اسم كبير في عالم التلحين، كان وما زال طموحه وشغفه وإحساسه العالي بالحياة والجمال والفن رحلة فريدة مستمرة تحلق بنا منذ السبعينيات حتى اليوم بأعذب الأغاني وأروعها مثل: غريبة الروح، كَوم انثر الهيل، بيّن عليَّ الكُبر، يكولون غني بفرح، ما بيه اعوفن هلي، بالله يا طير الحمام، وغيرها من درر الأغاني العراقية.
هو خريج معهد الفنون الجميلة، وفي عام ١٩٧٦ دخل معهد الموسيقى العربية قسم الدراسات الحرة في القاهرة لتتوطد علاقته بكبار الملحنين العرب أمثال: بليغ حمدي، ومحمد الموجي، وهاني مهنا. كما أسس مع فنانين عراقيين جمعية الملحنين والمؤلفين وكان عضواً في اللجنة الوطنية للموسيقى ومستشاراً في وزارة الثقافة.
فنّاننا الكبير حلّ ضيفاً على “مجلة الشبكة” في الحوار الآتي:
زهو السبعينيات
* كيف تصف شكل الأغنية وملامحها منذ السبعينيات حتى الآن؟
– النتاجات الفنية والأدبية والثقافية بالعموم كانت في أوجها ورقيها في السبعينيات، أما الثمانينيات فقد تعكزت على السبعينيات مع مجيء شباب جدد بأفكار وألوان غنائية جديدة أيضاً، التسعينيات هي فترة الركود والكسل والانحدار بالأغنية.. الآن أيضاً نشهد هذا الهبوط في مستوى الأغنية من حيث الكلمات “أكسر انفك، أذلّك”، وغيرها من الألفاظ غير المهذبة الكثيرة، كذلك من حيث الأصوات والمشهد الفني ككل.. لكني أحب صوت محمد عبد الجبار، وكذلك من الشباب الجدد أسمع لمحمد جاسم وأردد أغانيه في بعض الأحيان مع نفسي..
* متى تكون الأغنية صبية بمنتهى الجمال والشباب ومتى تكون هرمة عجوزاً؟
* الأغنية الجميلة العذبة لا تشيخ أبداً، بل تبقى شابة طالما كان هناك ذوق وجمال وخير وعاطفة جياشة تظفر لنا أغاني نرددها ما حيينا.
رحلة العود
* علاقتك بالعود، وتحولك من منشد إلى عازف إلى ملحن.. هلا حدثتنا عن ذلك.
-الطموح والإصرار كانا معي دوماً، وبهما حققت ما أريد، كنت في الصف الأول المتوسط عندما دخلت فرقة الإنشاد الدينية في كربلاء مع ما يقارب الـ ٣٤ شاباً، كل ما أردته حينها أن أكون عازف أكورديون مميزاً في العراق، وصادف يوماً أن غاب عازف الإيقاع فتبرعت أن أكون بديله وعزفت على الطبلة النحاسية، ففوجئ الجميع بعزفي ووافقوا أن أكون عازفاً حينها، لكني بعد ذلك وجدت أن ذلك ليس طموحي المنشود بل إنه العود، فقد حبّب إليّ العود فريد الأطرش وتأثرت به كثيراً، فالتمستُ الأستاذ لطيف رؤوف الذي علمني الموسيقى وتوسلت إليه أن آخذ العود معي إلى لبيت لأتدرب عليه جيداً، فقال لي حرفياً: “بابا شيعلمك”، لكنه اعطاني إياه، فبقيت في العطلة الصيفية لتلك السنة في تدريب متواصل عليه دون أن أخرج من البيت نهائياً ساعات طوالاً حتى بدأت أوتار العود النحاسية تشتعل من الحرارة، وعندما بدأ الدوام صُعق الجميع حينما أخبرتهم أنني الآن جاهز، وحين سمعوا عزفي المتقن على العود.
* كيف صقل الجو الكربلائي موهبتك اللحنية؟
– التأثير كان قوياً جداً، لأن الإنشاد الديني يعتمد على الأنغام وعلى الصوت الجميل، فكنت أستمع وأتأثر بالمنشدين للإمام الحسين عليه السلام، هذه الأجواء الروحانية والأدائية أثرت عليّ في بدايتي كعازف وكمنشد ديني، وبعد أن أصبحت ملحناً اشتد التأثير وبدا جلياً، ولاسيما في أغنية “غريبة الروح” فالأجواء الدينية كانت بارزة فيها.
الغزّي والزعل..
* أصحيح أنك زعلت ليومين فقط على أم ميديا ذاهباً إلى الصالحية؟
– في تلك الفترة كان الشاعر جبار الغزي، رحمه الله، صديقنا المشترك أنا والمرحومة أم ميديا، فعلم بالموضوع وهو كان بجانب أم ميديا فكتب لي أغنية “غريبة الروح لا طيفك يمر بيها ولا ديرة التلفيها…”
أزمة فرح!
* ما قصة أغنية” يكولون غني بفرح؟” وهل صحيح أن الناس وقتها خرجوا بمسجلات يحملونها وهي تُردد في كل الأماكن؟
– كانت الأغنية بطلب من المدير العام، الذي اجتمع بنا لنكتب أغنية عن الفرح، وكان جالساً بقربي كوكب حمزة وجبار الغزي، وخفنا من رد الغزي لأنه لا يسكت ويرد دوماً، وبعد انتهاء الاجتماع بدأ جبار بالكتابة في مسودات وكلما سألته عنها يجيب “دعني أكمل،” وكانت عبارة عن مقاطع، فقلت له “اقرأها لي بالتسلسل،” فأيقنت أنها ستكون أغنية مدوية وصاعقة، أخذت الأوراق منه ورجعت ليلاً إلى كربلاء، وكان جميع الركاب في الحافلة تعبين والظلام مخيماً، لكني كنتُ أضيء بالقداحة لكي أرى الورقة والمقطع وألحنه، وأعود وأكتب وأضيء وهكذا إلى أن أكملتها تماماً في الطريق، وعند وصولي إلى البيت أخذت العود وثبتها عليه. وأصبحت الأغنية من حصة حسين نعمة، ولكن لظروفه الخاصة لم يستطع تسجيلها فسجلناها لقحطان العطار.
وفي اليوم الثاني للعيد ذهبنا، أنا وأم ميديا، إلى الزوراء فسمعنا الأغنية تتردد في كل مكان حتى أن البعض كانوا يحملون المسجل في (علاكة)، وكنت فرحاً بسماعها هكذا ومتسائلاً في نفسي: ترى هل يعرفون أنني ملحنها؟
أغانٍ ومحطات..
* أغنية “بالهس يا طير الحمام” ما سرها؟ أهي لرضا الخياط أم لسعدون جابر؟
-هي لرضا الخياط، نحن كنا نسجل الأغاني لشركة (النظائر) في الكويت والشركة عادة تأخذ تنازلاً من الشاعر والملحن والمغني وتصبح الأغنية ملكها، فأصبحت نية الشركة وقتها أن يغنيها سعدون جابر.
* كيف علاقتك بقحطان العطار؟
-علاقة طيبة جداً وعشرة عمر، فقد صنعنا أجمل الأغاني معاً، وهو الآن في غربة والغربة قاتلة، يراسلني دوماً ويرسل لابنتي ميديا رسائل محبة وشوق وتفقد.
* لمن تقول “شكول عليك”؟
-لكثيرين ولما يحدث لنا في البلد وما نعانيه..
* لا بيّ اعوفن هلي ولابيّ اعوف هواي.. ما الذي لا تستطيع تركه أو أن تكون معه؟
– الوطن.. إذ لم استطع مغادرته أبداً، وفي الوقت ذاته ليس هذا حال الوطن الذي أردناه وتمنيناه.. ولكن الحمد لله على كل حال.
نجاة الصغيرة والقره غولي
* الملحن، المؤلف، المؤدي.. هذا المثلث الهرمي للأغنية كيف ترى أهمية التوليفة بين أضلاعه؟
-العلاقة والتناغم فيما بين هذا الثلاثي مهمة جداً، إذ يغذي كل طرف الطرف الآخر بالانسجام معه، لذلك في السبعينيات مثلاً بلغ هذا الثلاثي قمته، اذ يجلس الشاعر والملحن والمغني معاً، فنحذف ونضيف ونتفق ونختلف ونشذب، فتأتي النتيجة في منتهى الجمال والكمال الفني.
* منْ منَ الملحنين الأقرب إلى روحك؟
– طالب القره غولي رحمه الله.
* المطربات العربيات من تمنيت التلحين لها.
– نجاة الصغيرة.
* صوت عراقي نسائي قديماً أو حديثاً يشجيك؟
– مائدة نزهت.
* لم ليست لدينا ملحنات؟
– الأسباب الاجتماعية هي التي منعت ظهورهن، ولم تكن هناك معاهد دراسة للموسيقى تعلمهن العزف على الآلات، لكن بعد ذلك أصبحت المرأة تدخل معهد الموسيقى لتتخرج معلمة فقط، شخصياً كنت أعرف ملحنة قريبة منا تعزف العود بأجمل ما يمكن وكانت تلحّن أيضاً، لكن الأهل والمجتمع رفضا دخولها هذا المجال..
* هل لدينا نقد موسيقي؟
– بصراحة لا، أنا ضد جملة (نقد موسيقي)، اذ ليس لدينا نقد بمعناه الموضوعي الفني، بل هناك كاتب أو باحث موسيقي فقط، أما الناقد الذي يفند الإيقاع والجملة الموسيقية ويقول إن هذا الإيقاع هنا أفضل من كونه هنا ويحلل الجمل الموسيقية فغير موجود لدينا، ولو أن كثيرين سيزعلون مني، لكني أتكلم بموضوعية، نحن لدينا باحثون جيدون من الطراز الأول أمثال سامر المشعل وعادل الهاشمي رحمه الله.
* في الختام محسن فرحان، ماذا يسأل نفسه وبماذا يجيبها؟
– سؤالي: هل أخذ الفنان العراقي حقه؟ والجواب: لا بالتأكيد، لم يأخذ حقه، والأسباب كثيرة.