البحث عن الخلاص بعد صدمة الحرب

1٬007

#خليك_بالبيت

ورود الموسوي / 

ترى الحركة الفنية الحديثة في بريطانيا أنّ العالم منفصلٌ عن بعضه وغير متصل، إذ نحن نعيشُ في عصر الوسائط البديلة والمعلومات المضللة والأخبار الزائفة وكل هذا يجعلنا في حالة صدمة، إذ إنّنا منقسمون ومشتتون وغير منتمين للواقع والشيء الوحيد الذي يمكنه الإبقاء علينا على قيد الحياة هو (الابتكار).

وهذا ما تسعى لتطبيقه مجموعة من الفنانين الذين يقيمون معارض عدة في أنحاء كثيرة من بريطانيا يطلقون على أنفسهم اسم “المستقبل الآن” وتتعلقُ أعمالهم في الغالب في رحلة البحث عن الذات المفقودة واكتشاف المعنى المفقود.

تقفُ الفنانة والكاتبة والمصورة لوتي ديفز (مواليد 1971) الحائزة على جوائز عدة في مقدمة هذه المجاميع من الفنانين، فهي تقدم عملاً جديداً في هذه الأيام، إذ تعيد اكتشاف كل شيء عبر شخصية روائية تدعى “وليام هنري كوين” إذ تقول الرواية إنه شهد الحرب العالمية الثانية وبعد انتهائها سار مشياً على الأقدام عبر الريف الإنكليزي المعشب والمورق وغاص في أعماق الغابات الخضر، ومشى في الجداول والممرات المائية المهجورة وبدأت رحلته من جنوب غرب إنجلترا حتى وصل إلى أقصى شمال اسكتلندا باحثاً عن معنى الخلاص بعد فقدان الأمل.
وترى ديفز أن رحلة كوين تتطابقُ كثيراً مع التجارب الواقعية للشبان والشابات في هذه المرحلة من الزمن وهم يتعرضون لصدمات عدة في أوقات قصيرة. مفهوم الصدمة قد يتغيّر مع تغير الوقت ورغم وجود حروب كثيرة حتى في وقتنا الحالي لكن الحرب الحقيقية كما تصورها ديفز هي صدمة الإنسان بانفصاله عن الواقع وعن ذاته وعن الوجود.

استلهمت لوتي ديفز من شخصية كوين مفهوم الرحلة في البحث عن الخلاص واكتشاف المعنى بتقديم نماذج مختلفة وأشخاص مجهولي الهوية لتقديم فكرتها. فسعت إلى عرض مشروعها عبر وسائط متعددة كبيرة الاحجام وقد وفّر لها معرض ومتحف “هيربرت للفنون” في مدينة “كوفنتري” الانجليزية قاعة ضخمة لضم أعمالها، فمزجت الصورة الفوتوغرافية بالنص المكتوب بأعمال التركيب العملاقة كي تتحرك تسع صور منها، بينما تم تثبيت 18 صورة بالحجم الكبير دمجت بداخلها الكتابة النصية للتاريخ الشخصي (لكوين) والاحداث التي مرّت عليه. فيرى الزائرون رحلة كوين في الصورة الفوتوغرافية لكنّهم سيكتشفون السرد المكتوب على قطع تتحرك وصور أخرى مركبة مما يخلق تجربة متعددة الابعاد.

فعلى سبيل المثال نرى شخصاً غير معروف يقف ساكناً بلا حراك وسط نهر صغير وهو يغلق كل حواسه عن العالم الخارجي بإشارة إلى عزلة الإنسان عن عالمه الخارجي مما يجعل المشاهد يتأمل معنى العزلة وتأثيراتها، وهل نحن منعزلون أم معزولون؟ وهذا ما تجيب عنه الموضوعات الأساسية في هذا المعرض وهي موضوعات نفسية بالدرجة الأولى كالحزن والخسارة والوحدة والشعور باليأس والإحباط وفقدان الأمل والصدمة والحرب.. مما جعل الفنانة تطلق سؤالاً عبر معرضها مفاده: كيف يمكننا العثور على معنى الأشياء بعد الصدمة؟ وتجيب الفنانة عن سؤالها بأن البحث البشري عن المعنى وإمكانية الخلاص يمكن أن يكون عبر الزمن وعبر العودة إلى أحضان الطبيعة.

وبشأن معرض ديفز تقول مديرة المتحف الوطني البريطاني للصور الشخصية ساندي نيرن: إن أعمال لوتي ديفز تلعب على فهمنا للتقاليد البصرية وهذا يعني أنها تعيد لنا صياغة مفرداتنا المرئية، فهي ذات خيالٍ بديع وبارعة.

أما فرانسس رانفورد المدير الثقافي والإبداعي في كوفنتري فيصف رحلة كوين بأنّها تستكشف مجموعة متنوعة من الموضوعات التي تتعلق بالشباب والمرحلة الزمنية الحديثة، وذلك بالقدرة على التفاعل مع ما يملكه وأيضاً بما تم تقديمه في عرض القصة مما يعطي نظرة أقرب لما يفكر فيه كوين وما يفكر فيه الشباب اليوم”، مضيفاً إلى ذلك “بأن كوفنتري هي مدينة السلام والمصالحة الرسمية في المملكة المتحدة، لذا فإنّ إقامة هذا المعرض الذي يستكشف بداخله موضوع السلام والحرب والخسارة والبحث عن تفادي الخسارة والخلاص منها في مدينة شهدت تجربة الحرب وعاصرتها بشكل مباشر، هي طريقة حاسمة لتسليط الضوء على تاريخنا أولاً وإعادة الاتصال بتجارب السابقين ثانياً وللتعلّم منهم ثالثاً، فهذا عرض شجاع وجريء يبحث ويستكشف القضايا المتعلقة بالصحة العقلية والوحدة التي هي اليوم ذات صلة كما كانت في أعقاب الحرب مباشرة”.

النسخة الألكترونية من العدد 357

“أون لآين -2-”