“البقرة”حين تتحول الى ملصق لمهرجان سينمائي!

978

أحمد حيدري/

حين أعلن عن الملصق الذي سيمثل مهرجان فجر السينمائي، تصاعدت أصوات ناقدة من الداخل الإيراني السينمائي، موجهين النقد للبقرة التي احتلت مكانها في ملصق المهرجان. كما حدث سابقا معه، إذ هاجمه اليسار لأنه لم يتوافق مع أفكارهم، وهاجمه اليمين لأنه بعيد عن أهدافهم.
لكن مهلا من هذا الذي يقف ضاما رأس البقرة إليه، كأنها أعزّ ما يملك؟
ناس احرقتهم الشمس
بحث مخرج الفيلم عن مكان بكر، فسافر الى عدة قرى باحثا ومتعرفا على جغرافيات مهمشة وأناس أحرقتهم الشمس، وبعد أن وجد قرية في مدينة قزوين قرر البحث عن وجوه جديدة لفيلمه، وكان المسرح في ذلك الوقت في أفضل حالته، فاختار ممثلي الفيلم من المسارح. أدوار تحتاج الى أصوات تتغير حسب بيئة الفيلم، فالصوت سيعلب دوره في ارساء أبعاد الحدث، حيث بساطة اللغة في القرية التي تتبدل بسرعة مع المواقف التي يعيشونها. كان طاقم الفيلم يتحضر لأدواره وهو يكتسب سمرة على ساحل البحر لتشابه سمرة بشرة سكان القرية.
وقبل أن ندخل في تفاصيل أخرى علينا العودة الى بداية الثورة الإسلامية حيث تغيرت المعادلات السينمائية مع هذا الفيلم. بيد أن الملصق يحمل تاريخا سياسيا وأدبيا وسينمائيا.
توجس
في يوم الخميس 16 مايو 1980، وحين كثر الكلام عن الأفلام والسينما الإيرانية وتوجس الكثير من السينمائيين الإيرانيين، بأن زمن السينما قد انتهى وبدأ فصل جديد سيخلو منهم. إذ أحرقت دور السينما، ووصل انتاج الأفلام الى صفر.
وجه الإمام الخميني كلمة قال فيها: “ أعتقد في الأغلب أن الأفلام التي ينتجها الإيرانيون أفضل من الأخرى مثلا فيلم البقرة، فيلم تعليمي.” (صحيفة الإمام، ج 12، صفحة 291)
وقد ضمّ لقاء المخرج والإمام في المدينة الفرنسية نوفل لوشاتو حين كان مبعدا.
فعاد جيل سينمائي الى الساحة أطلق عليه الموجة الجديدة بعد أن كانت السينما صناعة ملعونة. وقبل ذلك كان محمد رضا قد شاهد الفيلم ويقال أنه تلقى الرسالة التي حملها، وهناك من يعاني ولن يتحمل أكثر.
وأدبيا، السيناريو مستوحى من قصة للروائي والمسرحي والقاص غلام حسين ساعدي، من مجموعته “معزي بَيَل” التي تضم ثماني قصص. كتب عشرين مسرحية وثماني مجموعات قصصية وخمس روايات وسبعة سيناريوهات سينمائية، وترجم ثلاثة كتب إلى اللغة الفارسية منها كتاب يتعلق بأمراض القلب إذ درس ساعدي الطب. وتوفي ودفن في باريس.
سهر ساعدي في مكتبه لـ 11 ليلة مع مخرج الفيلم لاعادة صياغة السيناريو ليتطابق مع الحالة التي يصبوان إليها. وخرجا بسيناريو جمع مقاطع من مجموعة « معزي بيل» القصصية كلها.
ترحيب وجوائز
فيلم البقرة كان من بين عدد من الأفلام الإيرانية التي رحبت بها السينما الغربية والأوروبية، حيث حصل على جائزة البندقية 1971 والنسخة هربها من إيران المخرج الفرنسي ريو والتر وأوصلها الى مهرجان البندقية. برغم عدم وجود ترجمة له حين مشاركته وكان مخرج البقرة يترجم الحوارات مباشرة للجمهور، وشارك الفيلم على التوالي في مهرجانات كان وبرلين وموسكو ولندن ولوس أنجلوس.
درايوش مهرجويي عرف كمخرج سينمائي، وقد أخرج أكثر من 20 فيلما سينمائيا، لكنه مترجم لخمسة كتب وترأس مجلة باريس ريو وكتب عن رواية «البومة العمياء» لصادق هدايت باللغة الانجليزية كما ترجم لأحمد شاملو وجلال آل أحمد، وكتب روايتين أهمهما «من أجل فيلم طويل ملعون». ورأى الهجوم الأمريكي على العراق أنه عودة للبربرية.
كاد فيلمه «البقرة» أن يتوقف مع بداية المشاهد الأولى، فقد طلب منه ممثلو المسرح أن يشاهدوا المقاطع الأولى التي صوروها، فنزل عند طلبهم، وحين عرضها كانت المشاهد لا تفهم وتسير بسرعة ولا صوت فيها، حدث خلل فني، فرفض الممثلون إكمال التصوير، بل رفضوا التمثيل السينمائي الذي نزع منهم أسلحتهم واتهموا المخرج بأنه لا يفقه شيئا.
ثم قدم مهرجويي فيلمه «هامون» الفيلم المعروف بإيران بأنه « لولوتيا» إيران.
ليست مجرد بقرة يحتضنها الإنسان ويعتمد عليها أهالي قرية أبناؤها عاطلون عن العمل وزعيمها يستغل حتى الموت لصالحه، إذ تحولت الى ذلك الحيوان الأسطوري المنقذ للبشر. وفي سفر البطل «مش حسن» الى المدينة تنفق البقرة، وحين يعود الى قريته يشعر بأمر غريب، يخفي أهالي القرية عنه موت بقرته العزيزة، فلا يصدق أنها ماتت، ويفقد عقله. ينام ليلا في الحظيرة، حتى يصل الأمر به أن يشعر بتحوله الى البقرة نفسها. بل تمّ قتلها، لا يجدون حلا إلا عبر إعادته الى المدينة مقيديا بالحبال، كأنهم صدقوا تحوله الى بقرة، فيهرب منهم في لحظة غفلة ويسقط في الوادي. فيسقط في الطريق ليلتحق ببقرته. لغة الفيلم البسيطة تأخذ المشاهد الى آفاق فلسفية لمعرفة الوجود.