التسويق الإلكتروني للأعمال التشكيلية هل أنقذ الفنان أم حَجَب صوتَ أعماله؟

449

استطلاع – زياد جسام /

أصبحت للتسوق عن بُعد، في الأعوام الأخيرة، أهمية كبيرة شغلت المهتمين في عالم الاقتصاد، إذ شهد العالم مبيعات عبر الإنترنت لكل الأشياء بلا استثناء، إلا أننا هنا معنيون بسوق الفن الذي انتعش عبر التكنولوجيا الرقمية الحديثة.

هناك من يقول أن نجاح المزادات الافتراضية يدل على تطور اجتماعي، إذ تجتذب زبائن من فئات مختلفة في العمر أو الثقافة، كما أن فكرة التسوق عبر الإنترنت هشمت المناطق الزمنية، فعلى سبيل المثال أصبح بإمكان مقتني الأعمال الفنية شراؤها من أي بلد غير بلده وبطريقة سهلة جداً توفر عليه السفر وتكاليفه، السؤال الذي دفع “مجلة الشبكة” لإجراء هذا الاستطلاع عن مدى رضا الفنان عن هذا التطور الذي فرض نفسه على الجميع..

حلول مؤقتة
حدثنا عبر الإنترنيت الفنان التشكيلي العراقي، المقيم في دولة قطر، (أحمد البحراني) قائلاً: أجد من الضرورة بمكان أن يتأقلم الإنسان ويتكيف مع المستجدات العالمية التي فُرضت علينا جميعاً بسبب جائحة كوفيد ١٩ وتداعياتها الاقتصادية التي ألقت بظلالها على العالم عامة، فلم تعد هناك رغبة لدى كثير من هواة الفن والمقتنين في الذهاب إلى صالات العرض وحضور المعارض الفنية، وكذلك زيارة مشاغل الفنانين بشكل شخصي. لذلك وجد الفنان نفسه أمام تحدٍ جديد يُضاف إلى تحديات ما قبل الجائحة التي كان يعاني الفنان منها أصلاً بسبب الوضع الاقتصادي العالمي المتردي الذي يرتبط بشكل مباشر بعملية تسويق الفن، فكيف بجائحة كورونا التي أسهمت بشكل كبير في زيادة معاناتنا، لذلك وجدنا أنفسنا مجبرين على إيجاد حلول مؤقتة لعملية تسويق نتاجنا الفني وإيصاله بطرق جديدة للمتلقي ولأصحاب المجموعات الفنية والمتاحف.
أضاف البحراني متحدثاً عن تجربته الشخصية مع هذا الموضوع: بالنسبة لي أجد هذا الحل جيداً ومعقولاً يتكيف مع المعطيات التي نعيشها رغم افتقاده للعاطفة والإحساس الجميل الذي يعيشه الفنان مع المتلقي في افتتاح المعرض أو زيارة المحترفات الخاصة ولكن على الإنسان أن يستمر في الحياة رغم كل الصعوبات ويتكيف مع الحالة التي يمر بها الكون ويصمد ليعيش ويستمر ونأمل أن تنتهي الأزمة وتعود الحياة إلى ما كانت عليه.

فن تجاري
أما الفنان التشكيلي العراقي (عبد الأمير الخطيب) فحدثنا من محل إقامته في فنلندا عن تجربته مع أسواق الإنترنيت فقال: الظاهرة تتوافق تماماً مع الوضع الراهن بعد انتشار الجائحة التي منعت الناس من الخروج من بيوتهم، لَيس في الفن حسب، بل في أمور الحياة جميعها ما كان منها ضرورياً أو كمالياً.
يضيف الخطيب: أسواق الإنترنيت فيما يخص الأعمال الفنية انتشرت قبل جائحة كورونا، لكنها كانت أقل بكثير لأن المقتني يرغب في مشاهدة العمل الفني والتعرف على الخامات والمواد التي صنع منها العمل الفني.
يردف الخطيب بالقول: ليست كل أنواع الفن التشكيلي تباع عبر المواقع الإلكترونية، أعتقد أن ما يباع بكثرة هو ما يسمى بالفن التجاري، فأغلب من يشترون الأعمال بهذه الطريقة فلسفتهم أن اللوحة هي ملء فراغ الجدار، والتمثال الذي يشبه الرغبة في النظر أو الزهرية السيراميك التي يفتخر بها من يشتريها، كل هذه الفنون وبقية الفنون اليدوية هي التي تباع وتشترى في أسواق الإنترنت.
وأضاف: هناك من يسوق الفن “الحقيقي” عبر النت، لكن هذا يعتمد على العلاقة بين البائع والمشتري وعلى الثقة فيما بينهما كذلك، فقد علمتُ مؤخراً أن فناناً معروفاً جداً باع أعمالاً له عبر الإنترنت، لكن هذا الفنان المعروف موثوق به وهو صاحب تاريخ نزيه وطويل في هذا المجال.
وخشية من تقليد الأعمال الجادة و”الحقيقية” فإن المشتري الجاد الذي يبحث عن فن من هذا النوع يجب أن يتأكد من العمل بنفسه، لأن المقتني يريد أعمالاً أصلية، ليس كما يحدث في أسواق الفن الكثيرة في العالم.
المقتني إنسان جاد باقتناء العمل، لهذا فإن عليه أن يتفحص العمل ويتأكد منه ومن كل التفاصيل والدقائق الصغيرة، لأنه إما يروم الاستثمار أو المتعة الشخصية في الاقتناء.
حوار المتلقي
وكان للفنانة التشكيلية (يسرى العبادي) رأي آخر في ما يخص سوق الأعمال الفنية عبر المواقع الإلكترونية، إذ قالت: إن هذه الطريقة في بيع الأعمال الفنية فُرضت علينا لأسباب عديدة من أهمها جائحة كورونا، وبصراحة لا أحب التعامل بهذا الأسلوب في البيع، إذ ينتابني شعور أن لوحتي فقدت كثيراً من هيبتها، وهذا يسبب لي إزعاجاً نفسياً، فلا أعرف كيف للمتلقي أو الشخص المقتني أن يحس اللوحة أو يدرك أهميتها بين اللوحات وهي ليست في قاعة عرض فنية !؟
تردف العبادي قائلة: أنا فنانة أحب أن يشاهد الناس لوحاتي بطريقة العرض المباشر في قاعات الفن لأن هناك حواراً بين المتلقي واللوحة، كما أن الوقت والحالة وعنوان العرض كلها عناصر تسهم في إغناء العرض وتنشط البيع المباشر، وعندها تصبح للبيع قيمة، ليست مادية فقط بل معنوية أيضاً.