الجراحات التجميلية والسوشيال ميديا تبديل “الرأس” شـــرط الدخـــول في المنافسة!
عادل مكي – آمنه الموزاني /
يسمونهم بمرضى “تبديل الرأس” بالكامل أو تركيب معانٍ جديدة للوجه من المصنع. فلا تزال فوبيا السليكون ومنحنياته الجسديَّة، وشدّ عضلات الوجه بالبوتكس لإعادةِ شبابها المتجعد وإخفاء الترهلات المُقلقة بالفلَر والشحوم، هي الهوس التجميلي المُلح الذي هشم نظرية وحاجة المظهر الاستثنائي، وجعل الأجساد والوجوه تتشارك بقالبٍ مصطنعٍ واحد، أو بالأحرى بمشرطٍ متشابه.
بل إننا لا نبالغ إذا قلنا إنهُ تحول إلى ظاهرة أنثويَّة باتساعها، تفشت في المجتمعات المختلفة وأدت إلى إقبال كبير ومُلح على إدمان المراكز الجمالية لإجراء العلاجات والجراحات التجميلية، إذ بلغ عديدها خلال عام 2019 مليون عملية تجميل. وهنا يمكن الاعتراف بأن اللجوء إلى هذا النوع من العمليات الجراحية هو آفة العصر، وظاهرة من الهوس والجنون، فبعد أن كانت مقتصرة على من يتعرض إلى التشويه أو العوق بسبب حادث، أو عيب خلقي، أصبحت اليوم طقساً اعتيادياً، بل مكملاً للشخصية لدى الكثير من الناس، وغالبيتهم من نجوم الفن العالمي والعربي والعراقي، من يحتاجها ومن لا يحتاجها.
وقد زاد الإقبال على تلك الجراحة المكلفة مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي وصراع السوشيال ميديا، ما يشجع الفنان، أو المدوِّن، على الاهتمام بمظهره، ولاسيما جزئية الكمال الشكلي الذي يجذب متابعيه أكثر من الاهتمام بالأداء الفني. وبحسب خبراء التجميل، فإن هناك نوعين من الجراحات التجميلية؛ الأول لتصحيح عدم التناسق، والآخر للحفاظ على الجمال مع التقدم في السن، الذي يفضل البدء به باكراً كي يكون العمل فيه سهلاً قبل فوات الأوان وسطوة الشيخوخة بعد التقدم في السن، إذ يستعان بالمادة الجلاتينية (الفلر) لتعبئة الأماكن التي خفت فيها كمية الدهون وترهلت، علماً أن الطريقة المثلى المتبعة هي استخدام الخلايا الجذعية لتنشيط المنطقة المراد العمل عليها ذاتياً. ويعتقد خبراء التجميل أن التجميل المفرط، أو المخفف، يعطي ثقة عالية بالنفس للذين يجرون عمليات ترميم أو تعديل الأنف، او ممن يزيلون الترهل والشيخوخة، بحيث يصبحون متفائلين ومقبلين على الحياة ومتفاعلين مع الآخرين بشكل كبير، كذلك شملت عمليات التجميل أشكالاً باطنية غير منظورة متعددة، مثل تكميم المعدة أو قصها لإنقاص الأوزان الكبيرة، وقد جرت أول عملية من هذا النوع عام 1954 بيد الدكتور (كريمن لين) في أوروبا وأميركا.
وكما تتحكم الثقافات المجتمعية بطريقة وأسلوب الحياة المُتبع بين الناس، فإن الجراحات التجميلية أيضاً خاضعة لهذا المعيار، إذ يقول أطباء التجميل إن لكل منطقة ثقافتها وخصائصها، ففي أوروبا يفضلون الجمال الطبيعي، أو ربما رتوشاً جمالية خفيفة أو معينة، أما في الشرق الأوسط فيفضلون المبالغة ولفت الأنظار، أي أنهم أذا أرادوا تجميل الأنف يحبون أن يكون صغيراً جداً، حتى لو كان لا يليق بالوجه، المهم أن تظهر صاحبته بأنفٍ أقنى، وفئة أخرى تفضل أن تتجمل بشكل طبيعي لتظهر وكأنها لم تخضع للتجميل أساساً، ففي ماليزيا وإندونيسيا يفضلون الأنف القوي، من خلال تكبير عظمة الأنف، كذلك في الشرق يحبون شكل العيون المشطوبة، إذ أن الكمال في الوجه هو معيار الجمال الأساسي للمفاضلة.
جدير بالذكر أن أول من أجرى تلك العمليات في الوطن العربي هو الفنان يوسف وهبي من خلال تصغير أنفه وجعله متناسقاً، كذلك الحال مع الفنان عمر الشريف الذي أزال شامة سوداء عند تصوير فلم (لورانس العرب). أما ميرفت أمين فقد قامت بتكبير وتصغير أجزاء مختلفة من جسمها، في حين أن محمد فؤاد وهاني شاكر وعمرو ذياب ووائل كفوري وتامر حسني وعاصي الحلاني وأحمد عز وراغب علامة ومحمد عبدة، خضعوا إلى عمليات شد الوجه أو الأنف من خلال البوتكس والفلر، كي يظهروا بشكلٍ أصغر وبملامح طفولية أو شبابية، وكذلك الحال مع نبيلة عبيد ونادية الجندي وليلى علوي وغادة عبد الرازق، فقد أجرين مئات العمليات التجميلية. ولم تغب عن المشهد الفنانة الكبيرة فيروز التي قامت بتصغير أنفها الحاد، في حين احتلت الفنانة صباح الرقم القياسي في عمليات الشد للجلد لدرجة أن أصابها التهرؤ وبدت كقطعة ورق بالية، وتبقى أصالة وأحلام آخر العناقيد الفنية، إذ أجريتا عمليات تجميل كبرى وشاملة، إضافة إلى عمليات الفلر والبوتكس، بحيث ظهرتا حديثاً وكأنهما في عمر العشرين. أما في العراق فإن ثقافة التجميل لها بعد جمالي موغل في القدم، فقد أجرى الدكتور (علاء بشير)، وهو أشهر جراحي التجميل، مطلع الثمانينيات والتسعينيات عشرات العمليات التجميلية لأكثر من فنان، أو فنانة، من خلال تصغير وتجميل الأنف والأذن، وعمليات اخرى معقدة.
وتشير آخر الأخبار الفنية إلى أن الفنان ماجد المهندس تعرض لحادث سيرٍ سبب له تشويهاً في ملامحه، الأمر الذي أخضعه لأكثر من عملية تجميل قبل سنوات خلت، كما يقفز اسم الفنان كاظم الساهر الذي استغل فترة كورونا ليجري عمليات متعددة في الوجه والفكين من خلال الفلر والبوتكس، ليظهر بملامح قليلة الحركة والشعور. ويبقى أمر الفنان حسين الجسمي محط تكهنات، فمنهم من يقول إنه أجرى عملية قص، أو تكميم المعدة، أو أنه خضع لنظام غذائي صارم أدى إلى خسارته نصف وزنه. في حين ظهر الفنان قاسم السلطان خفيف الوزن بعد أن كان وزنه كبيراً من خلال إجراء عملية قص المعدة فظهر بملامح أخرى جديدة.
وبعد سلسلة التغييرات الشكلية والجسدية التي توغلت في ذاكرة المجتمعات الشرقية، جاء دور عمليات زرع الشعر التي انتشرت بشكل كبير داخل العراق وخارجه وبأسعار مناسبة من خلال زرع شعيرات تعبر الألف شعيرة، تؤخذ من منطقة الرأس الخلفية لتزرع في بقية مناطق الرأس، لأنها منطقة لا تتأثر بالعامل الوراثي، بعد خضوع زارع الشعر لعملية طويلة قد تستغرق ثماني ساعات متواصلة. وعليه يمكن أن نستخلص بعد هذا كله، أن موضوع الجراحات التجميلية أصبح موضة الزمن الحديث، برغم تكاليفه المادية الكبيرة، وشاغل تفكير غالبية الرجال والنساء، حتى من خارج الوسط الفني، في عيادات ومراكز التجميل التي انتشرت في بغداد والمحافظات. هذا المردود الذي أثرى أصحابه نتيجة التزاحم والإقبال الكبيرين على تلك المركز التجميلية، المرخصة وغير المرخصة، لأنهُ –بصراحة- هوس التجديد بلا نهاية، الذي أصبح –للكثيرين- ملاذاً ومهرباً من قسوة تقدم العمر الذي لا مناص منه.