الجماعات الفنية..بين حضورها المؤثر وانتكاسة غيابها

1٬081

 خضير الزيدي /

أكثر من مجموعة فنية تشكلت أواسط القرن الفائت وتميزت كل واحدة منها بخطابها النظري والجمالي، وأثرت المشهد الفني بالعديد من النتاجات الفنية، وأقامت معارض عديدة كان التنافس احدى ميزاتها، ما أشعل الجدل الفني فيما بينها ليشكل ظاهرة تنشط الجسد الإبداعي العراقي، قبل أن تنتكس وتذبل رويدا رويدا حتى تكاد تتلاشى بعد أن فقدت أبرز شروط نموها وظروف نضوجها.

جماعات

في مرحلة الخمسينات والستينات من القرن المنصرم تشكلت أكثر من مجموعة فنية مثل جماعة الرواد عام 1950، وجماعة بغداد للفن الحديث في العام 1951، وجماعة الانطباعيين، وأيضا جماعة المجددين في سنة 1964 – 1965 لكل واحدة منها خطابها النظري والجمالي وحققت منجزا إبداعيا كبيرا، استطاع المتابعون لها أن يؤكدوا أنها أسعفت نتاج المرحلة بالعديد من المعارض المشتركة والتي اجتمعت على رؤية وتنظير مرتكز على مفاهيم التجديد في الخطاب الفني، فضلا عن الاعتزاز بالموروث العراقي، اليوم في خضم مشهد غريب وتعدد من أسماء فنية كثيرة وفوضى في عالم الرسم هل يمكن أن يعود للواجهة بعض من الجماعات الفنية، أم انتهت مرحلة تلك الجماعات؟ وهل بالإمكان أن يتجدد اتجاه فني نتيجة تلاقي أفكار بعض الفنانين ليكونوا جماعة لها مميزات في وقتنا الراهن؟ توقفنا عند أحد أفراد جماعة الأربعة الناقد عاصم عبد الأمير لنتساءل عن رؤيته وفهمه للأمر فقال: الجماعات ظاهرة ثقافية تشترط توافر ظروف تهيئ لظهورها في ميدان الجدل الثقافي وفي حال تهتك الظروف ومسوغاتها لا أرى مبررا لتشكل الجماعات لأنها ستولد كي تذبل وتتلاشى بلا أثر.. الآن وفي ظل التيه والتنازع الدموي على النفوذ.. يبدو مناسبا تشكل إرهاصات لترى هذه الجماعة أو تلك النور لكن ليس بأساليب تقليدية كما عرفنا من قبل.

مفارقة وإدهاش

وربما يبدو نافعا استثمار مخلفات الخراب ومنحها بعدا مفاهيميا وجماليا فشيء من هذا يبدو نافعا… والجهد المشترك عادة يحدث صدمة واسعة في ميدان التلقي الذي ينتظر مشاريع ذات قيمة وقابلة على أحداث عصف يوجه حركة الفن العراقي نحو الاحتدام وصناعة فن يحول أفول الأمل إلى حقل من الجمال قبل أن يهزم مع تعالي قرع طبول التوحش والطائفية.. ثمة تجارب تظهر هنا أو هناك… وما يعوزها اقتيادها إلى صناعة الفن والخامات المتيسرة التي تصنع المفارقة والإدهاش.. والبدء من خطوط شروع لا تلوك ما هو قيد التداول.. الساحة الفنية لم تزل في الانتظار، ربما يحدث هذا أو لا يحدث.. بعد أن عرفنا ما الذي تصبو إليه رؤية الدكتور عاصم عبد الأمير، توجهنا للفنان فاخر محمد وأكد لنا أن الساحة العراقية من الممكن أن تشهد انبثاقا لخطاب فني جماعي بصيغ ومشتركات جديدة.. وسوف تتجدد الجماعات الفنية لتكوين نوع من الرؤية المشتركة للفن ودوره في الزمن الراهن، صحيح الآن أغلب الجماعات تفككت وأصبح النتاج الجمالي فرديا. إلا أنني أرى من الضروري أن تكون هناك رؤى وتصورات عن الواقع الثقافي والإنساني وكيفية تقديمه وبأي الأساليب. وممكن جدا أن يحتفظ الفنان برؤيا الفردية حتى لو اشترك في جماعه فنية.. المقصود هو تبادل الآراء والتصورات مثلا موقف الفنان من التاريخ الثقافي، التراث، الدين، الحروب، وجود الإنسان الهش.. في منطقة مضطربة.. هذه كلها ممكن أن تكون أرضيات لتبادل الآراء.

الانطباعيون

الفنان سالم الدباغ هو خير من يصف لنا مرحلته لأنه يعي تماما ما تذهب إليه أفكار أصدقائه من الجيل الستيني، فقال لنا هناك جماعات فنية تأسست في الخمسينات واستمرت حتى منتصف الستينات، مثل جماعة الرواد بزعامة فائق حسن، وجماعة بغداد للفن الحديث، جماعة الانطباعيين بزعامة حافظ الدروبي، وقد اتجهت جماعة الرواد، إلى الرسم من الطبيعة والحياة البدوية والقروية والأسواق المحلية، وبعض الحرف ومشاهد من البيئة العراقية بشكل عام وباسلوب أكاديمي تقليدي مع بعض المحاولات الجريئة بالضربات اللونية لإعطاء اللوحة جمالية غير اعتيادية، من قبل فائق حسن إلا أنها كانت محدودة ومؤثرة بشكل مؤقت فقط لأن جماعة الرواد وفي فترة الستينات لم تكن تحمل أجندة أو إيديولوجية فكرية معينة ولم يكن عندها أهداف مستقبلية تسعى إلى تحقيقها، كانت أهداف أكثر أعضائها، منصبة على جمالية اللوحة ولا تتعداها جماعة بغداد للفن الحديث كانت تسعى بشكل واضح بمعظم أعضائها، بزعامة جواد سليم وعضوية شاكر حسن، بالبحث عن شخصية اللوحة ومن خلال المناخ البغدادي والعراقي بشكل عام لهذا ترى البحث مستمرا لتحقيق الأهداف والسعي إلى تحقيقها، ما جعلها أكثر تطورا وتقبلا للعصر والخروج من المحلية إلى العالمية وأن كان بشكل محدود مع الحفاظ على بعض الرموز والأشكال التراثية المحلية واستعارتها في اللوحة، لم يكن لجماعة الانطباعيين أي تأثير على تطور الحركة الفنية في تلك الحقبة ولكن أحد أعضائها وبعد أن ابتعد عنها، كان له شأن كبير وتأثير مهم على الحركة الفنية مستقبلا وهو الفنان ضياء العزاوي انبعثت جماعة المجددين في سنة 1964 – 1965 وكان أول معارضها في سنة 1965 كانت الثورة الحقيقية والمغامرة في اقتحام بوابة العصر والولوج بأحداثه والتواصل مع منجزاته، لم نكتف بما أشار إليه الفنان سالم الدباغ أردنا أن يسهم بعض الفنانين ممن يعيشون في الغربة فأخذنا الحديث مع هاشم حنون الفنان الثمانيني الذي يتخذ من كندا مقرا لاشتغالاته الفنية فأكد بأن الجماعات الفنية بالعراق انتهى وقتها والسبب هو الوضع الاجتماعي والسياسي وما يمر به العراق من أزمات بسبب الحروب المتوالية وعدم الاهتمام الجاد والحقيقي بالثقافة والفن، أنت تعرف بأن بغداد وبعض المحافظات شهدت الكثير من التجمعات الفنية وكانت فعالة وضرورة تاريخية من فترة الخمسينات يجمعهم حب الفن والموسيقى ورسم الطبيعة والحياة اليومية حتى فترة الستينات عدت فترة مختلفة وذلك من خلال جماعة المجددين والرؤيا الجديدة وغيرها من التجمعات الفنية التي لعبت دورا وحضورا من خلال إقامة المعارض المشتركة السنوية التي تقام بالعاصمة بغداد, كذلك اهتموا بالحداثة والتجديد بفنهم وأصبحت أعمالهم تخاطب المتلقي بلغة عالمية وليس محلية وتراثية كما فعل قبلهم الرواد وجماعة بغداد، أما اليوم فقد أصبح الوضع مختلفا كل فنان يقدم نفسه بشكل فردي ولا يعتمد على النشاط الجماعي، فالفنان الحقيقي وصاحب التجربة والبحث والأسلوب والتفرد ينهض بعمله ليستطيع أن يحصل على الشهرة والنجاح بتقنيته ومهارته الفنية ونتيجة التطور والانفتاح على العالم من خلال العلم والتكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي أصبح الفن أكثر انفتاحا على العالم.

وسائل الاتصال

ويشير كاظم نوير إلى التطور العلمي والانفتاح على مواقع الميديا وتأثيراتها فيرى نوير أن الأسباب التي تقف وراء غياب الجماعات الفنية كثيرة، من جملتها اعتقد عدم جود حراك أو جدل فكري حقيقي يرافق العمل الفني أو التجارب الفنية، فضلاً عن هذا، أن أغلب ما يقدم الآن في الحركة الفنية العراقية هو نوع من السرقة أو التحوير أو التناص أو التكييف كما سماه د.عاصم عبد الأمير. ما الذي يجمع مجموعة من الفنانين لعمل جماعة فنية؟ المفروض أن هناك ما يدفعهم لذلك، والذي يدفع أغلب الفنانين الآن هو أن تباع أعماله، ولذلك، هناك ما يشبه الجماعات الفنية لكن على أساس مالي أو تجاري أو ربما نوع من الأنانية، وليس على أساس فكري أو فني وإبداعي. إن واحداً من الأسباب في عدم قيام جماعات فنية جديدة هو الانفتاح على التجارب الفنية العالمية بسبب تطور وسائل الإعلام والاتصال وما تحويه تلك الفنون والتجارب من أبعاد فكرية وجمالية، وهذه بأصالتها وعالميتها في صعد مختلفة غطت على كثير من التجارب المحلية ومحاولات التأصيل والإبداع والهوية وما إلى ذلك والتي قد تدفع إلى ولادة جماعات فنية.