“الخادمتان” لجواد الأسدي تعرض في المغرب

963

 عبد الرزاق علي/

قدم في المسرح الوطني بالرباط الشهر الماضي العرض الأول لمسرحية “الخادمتان” للمخرج العراقي جواد الأسدي، وحضر العرض جمهور غفير من المشتغلين في فضاءات المسرح (مخرجون، وممثلون، ونقاد، أكاديميون في مجال الفن، وإعلاميون) وكذلك جمهور عريض من المثقفين والمهتمين بالعمل الثقافي، ولاقى أصداءً كبيرةً.

لعبة من التلاشي

تمتزج صرخات الشقيقتين صولانج وكلير مع هدير القطار المسرع الذي يمر يومياً ليخترق الرتابة والطاعة الزائفة التي فرضتها قواعد العمل في بيت “السيدة” المتعجرفة التي تغيب عن العرض لتحضر في الطقس الأدائي لممثلتين شابتين في لعبة من التلاشي والاضمحلال، ما أن تنتهي حتى تبدأ بشكل دوراني مكثف، حيث تنبجس كل أنواع الكراهية والأحقاد الدفينة، في لعبة التعرية والسخط والنبش عن المسكوت عنه والمؤجل المزمن الذي حول أنوثة وحياة الخادمتين إلى درجة عالية من الهتك اليومي.

فالخادمتان تسخران يومياً من خزانة السيدة التي تحوي ملابسها وإكسسواراتها وعفتها، وتبدأن لعبة تبادل النبش والحفر في جوفيهما (ماضيهما) ليعبرا بوهمهما / حقيقتهما إلى توق تجسده الحركة المتسارعة إلى الإطاحة بموروث طويل من الانسحاق والاستبداد والعجرفة لدى سيدتهما.

تبادل أدوار

لعبة تبادل الأدوار بين الأختين التي يقوم عليها العرض وحواراتهما التي تفوح منها الكراهية والحقد على “السيدة الشيطانة الشريرة” وبالتالي جل وجودهما ومصيرهما مرتهن إلى الاستلاب القسري في دوري الخادمتين.

هي لعبة تشريح ثاقبة للسلطة والقوة التي تتحكم بمصير البشر واغترابه المستديم (السيد والخادم، المالك وغير المالك، السائد والمسود، الرابح والخاسر, الحر والعبد) تلاعب بفضائها جواد الأسدي ومزج إيقاعاتها المتنوعة والمتنافرة، نصاً وممثلاً وجمهوراً ولغةً (حيث مازج النص بين العربية الفصيحة والدارجة المغربية والفرنسية لغة المسرحية الأولى)! ووحدها في حفره الشغوف في أسئلة كبرى حول الوجود والمصير والمآلات. وقدم نص جان جنيه الآن وليس قبل عقود غابرة في متن تاريخ المسرح وتأويلاته، العمل الذي أثثه بسينوغرافيا بعمق الخشبة تحيل إلى مجاهيل الإنسان وغموضه وفزعه من الاستلاب، وصرخته المجيدة للخلاص، التوثب والتحفيز الخلاق للألوان والتأثيث الأنيق للإضاءة، الابهار صنعه اشتغال حثيث مع ممثلتين اخرجتا أفضل ما لديهما من طاقة، احال النص نحو راهنية حرارة الأسئلة وجدواها.

تجريب دائم

الأسدي الذي أطل على متابعيه في فضاء جديد من التجريب في مكان وزمان مغايرين هذه المرة في تجربة هي جزء من روح المغايرة المغامرة التي تملأ تفكيره وتؤسس لعمله وكفاحه الدؤوب لمسرح يقود لفهم أفضل وأرحب للعالم وللوجود ولإنسانه، وتجربته المسرحية هذه واشتغاله المضني هي للفرار من السكون والموت إلى ديناميكية الحياة وانبثاقاتها الجديدة هو بحث مجسد في لغة وفعل مسرحي عن المستديم والمخبوء والغامض في روح الكائن، وهو اختبار اختار أن يضع نفسه أمام تحدي العمل مع فريق من المسرحيين والفنانين المغاربة، بعد أن أخرج ذات العمل وبتقنيات ورؤى مختلفة في كل من لبنان وسورية في السنوات الماضية، وهي تجربة مسرحية قدم فيها نص جان جنيه الذي يقول عنه (أنه أحد أهم وأكبر الكتاب الفرنسيين المناصرين للحرية، حيث وقف ضد التمييز العنصري وناصر فكرة الإنسان الحر في الدفاع عن أرضه وموروثه الإنساني لذلك فهو صاحب نصوص أصيلة وعميقة تؤسس لمجتمعات مدنية حرة).

التحكم بالإيقاع

قال الكاتب عدنان ياسين عن العمل (جواد الأسدي الذي اشتغل على إعداد النص رجل متحكم في لغة المسرح، اشتغل على جان جنيه وقدم لنا الليلة عملاً تحكم بقوة بالإيقاع العنيف في النص الأصلي والذي ينحو نحو العنف وهو يعبر عن النظرة الشمولية في توظيف كل العناصر والدفع بهذه العناصر لأقصى ما تمتلكها من حضور.

تجربة جديدة

فيما قال المخرج المسرحي أحمد حمودة (أن هذا العمل يحمل طاقة جديدة للمسرح المغربي وبهذه الحركة فوق الخشبة وأداء الممثلتين وفي الكثير من عناصر العمل فهي تجربة جديدة في المسرح المغربي أعطت قوة وديناميكية وحضوراً للعرض). الممثل حاتم عبد الغفور قال عن العمل أن (لمسة الإدهاش في الإخراج كانت جلية وحاضرة في العرض وبالرغم من أن مسرحية “الخادمتان” قد قدمت عديد المرات هنا في المغرب أو في دول مختلفة إلا أن جواد الأسدي قد برع في تقديم رؤية جد معاصرة ومغايرة حفزت الممثلتين جليلة التلمسي ورجاء خرماز على تقديم أفضل ما لديهما من حركة جسد وحضور على الخشبة).

إبهار

وقالت فاطمة مقداد الأستاذة في المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي (هو عرض وتجربة جديدة على المسرح المغربي في تجلياتها ومضامينها وأحداثها فهذا العمل يستجيب بشكل واضح لراهنية الأسئلة المطروحة على الواقع العربي، أنا لم أشاهد عرض جان جنيه المعروف والذي لعب وشخص أكثر من مرة في المغرب، بل شاهدت هذه المرة نصاً يستجيب لراهنية الأسئلة المطروحة على ساحة المجتمع المغربي والعربي وما شاهدته هو ليس السيدة والخادمة بل هو الحاكم والمحكوم، فشكراً لجواد الأسدي وللفرقة التي أدت العمل الرائع). فيما أشار الفنان محمد ليحدر إلى أن (كل ما في العرض كان يصل لحد الإبهار وهي المرة الأولى التي أشاهد فيها عملاً للمخرج جواد الأسدي).

ويقول عبد الجبار خمران المدير الفني لفرقة “دوز تمسرح” المغربية التي تحتضن هذه التجربة الفنية أن عمل فريق من الفنانين المحترفين المغاربة مع اسم مسرحي عربي وازن بحجم وأهمية المخرج العراقي القدير جواد الأسدي إضافة مهمة ومتميزة للمشهد المسرحي المغربي، إنها تجربة مسرحية مختلفة وسيكون لها الأثر المهم داخل الحركة المسرحية المغربية.