الدراما العراقية العربية المشتركة تجارب لم تحقق النجاح

641

رضا المحمداوي /

عرف الفن السينمائي لدينا صيغة العمل الفني المشترك منذ بواكير إنتاجاته الأولى، فشهدنا إنتاج أفلام عراقية – تركية مشتركة، وكذلك أفلام سينمائية عراقية – مصرية ولبنانية.
ومن السينما انتقل هذا النمط من الإنتاج الى الدراما، فَشهد عقد الثمانينيات من القرن الماضي إنتاج بعض الأعمال الدرامية العراقية المشتركة، ولاسيما مع الكويت ومصر، لكن سرعان ما انحسرت مثل تلك الأعمال في السنوات اللاحقة تحت ضغط ظروف وأسباب مختلفة.
في السنوات القليلة الماضية عاد هذا النمط من الإنتاج إلى شاشة التلفزيون، فقد سبق لقناة (العراقية) أن عرضتْ مسلسل (زواج سفر)، وهو من إنتاج شركة (أفق بغداد للإنتاج الإعلامي)، من تأليف السوري فادي الحسين، وإخراج شفيق محسن، الذي أخرج الجزء الأكبر من المسلسل الذي تدور أحداثه في سوريا، ومثل فيه كل من سامي قفطان وسمر محمد وتيسير الياسري، ومعهم من سوريا أندريه سكاف وعبير شمس الدين وغيرهم كثير…
أما محور الأحداث التي دارتْ في بغداد ومثّل فيها كل من حيدر منعثر وزهرة بدن فقد أخرجها صباح رحيمة.
قصور تسويقي
كان يمكن لهذا المسلسل أن يأخذ مساحةً أكبر من تلك التي أخذها من حيث المشاهدة والحضور الفني، فيما لو تم الإعلان عنه في وقت مبكر، مع زيادة وكثافة في كمية الإعلان ونوعيته، وكذلك لو حظي بوقت عرض أفضل من الوقت المتأخر الذي عرض فيه.
أما المسلسل الثاني، الذي سأتوقف عنده نقدياً، فهو مسلسل (صفين لولي) الذي عرضته قناة (هنا بغداد)، وهو من إنتاج ( شركة الناظر للإنتاج الإعلامي)، وقد تعاون ثلاثة من المؤلفين على كتابة حلقاته، وهم (أحمد راشد, وهاني النابولسي، وعلي المشادي)، والإخراج كان للمخرج صفاء عيدي، أما التمثيل فقد اشتركت فيه نخبة من الممثلين العراقيين، وهم كل من كاظم القريشي وذو الفقار خضر وسولاف، مع مجموعة من الممثلين المصريين المعروفين، منهم الراحل عزت أبو عوف وراندا البحيري وعلا رامي، وغيرهم..
يندرج مسلسل ( صفين لولي) ضمن نمط الـ (سيت كوم) الدرامي، الذي يمتاز بالتصوير في مواقع التصوير الداخلية حصراً، لتدور الأحداث والشخصيات معها داخل هذه الأماكن المحدودة المغلقة، وهو عمل فكاهي خفيف تدور أحداثه في مركز تجميل مصري يقع في عمارة سكنية، تعمل فيه مجموعة من العاملين المصريين والعراقيين.
السمة الطاغية على هذا المسلسل أنه جاء ضعيفاً على المستويين: الإخراجي والإنتاجي، بصفة عامة، والتأليف على وجه الخصوص الذي جاء ركيكاً، رغم أن ثلاثة من المؤلفين قد اشتركوا في تأليفه، فقد انعدمت أية فكرة رئيسة أو عامة عن المسلسل.
وعلى الرغم من أن المسلسل اعتمد اسلوب الحلقات المنفصلة – المتصلة، إذ تقوم كل حلقة على حكاية أو موقف، إلا أن المسلسل، ورغم هذه المرونة والميزة والتي كان من الممكن استثمارهما لبناء كل حلقة كنموذج فني ناجح ومُحكم، وجدناه ضعيفاً في بناء حلقاته المستقلة لوحدها، والمرتبطة بغيرها من الحلقات؛ الأمر الذي ترك أثره واضحاً على المسلسل بهيكله العام.
الممثل الجيد لا يكفي
هناك ممثلون مصريون وعراقيون جيدون، لكن وجودهم لم يكن ليغني المسلسل، أو يدعم فكرته بشكل عام، أو يسهم في تعزيز وبناء حلقاته، كل حلقة على حدة، كوحدةٍ دراميةٍ بنائيةٍ متصاعدة، كما لم يجتهد صانعو المسلسل في ابتكار طريقة فنية تستثمر هذه الطاقات والإمكانيات التمثيلية للفنانين المشتركين في أداء شخصيات المسلسل بحلقاته المتنوعة.
وسبق للمخرج الشاب صفاء عيدي أن قدم نموذجاً درامياً رديئاً من حيث التأليف والإخراج في مسلسل (قلب تفاحة)، الذي عرضته قناة (العراقية) في عام 2015، إذ تدور الأحداث في نفس القالب الدرامي، حيث مركز التجميل الذي تعمل فيه مجموعة من الفتيات.
إن الجانب المهم والمشجع لهذين العملين الدراميين اللذين قام بإنتاجهما المنتج العراقي، عبر شركات الإنتاج الفني الخاصة، يتمثّل بوجود الممثلين العراقيين الى جانب الممثلين المصريين والسوريين، ما يوفر فرصة مناسبة لإثبات جدارة الممثل العراقي وقدرتِهِ على مجاراة الممثل العربي في الحضور المشترك على شاشة التلفزيون، لاسيما إذا توفرت فرصة تسويق وتوزيع وعرض هذه الأعمال الدرامية العراقية المشتركة وأمثالها في القنوات المصرية والسورية والعربية الأخرى، بما يحقق استمرار هذه التجارب والمحاولات والزيادة في إنتاجها.
نقترح على جهات الإنتاج الدرامي والقنوات الفضائية أن تدرس هذه التجارب الدرامية من حيث الجدوى والأهمية الفنية، وأن تنظر إليها بعين الاعتبار، وأن تحرص على تبني توجهاتها، والتأكيد على المواصفات الفنية والدرامية الواجب توفرها في تلك النتاجات من أجل ضمان نجاحها واستمرارها، بما يساعد على فتح نافذة جديدة للإنتاج الدرامي العراقي، ولاسيما أنه يمر بأزمة إنتاجية مستفحلة منذ سنوات عدة.