الراحلون في 2018

811

محسن ابراهيم /

في لحظة ما, تكتفي الحياة بما قدمته لفنان ما أو شاعر ما، وكم يكون مؤلماً المشهد الأخير في حياة الفنانين والشعراء الذين أثروا الساحة الفنية والشعرية بأعمال مميزة ماتزال باقية في الذاكرة. شعراء مازالت كلماتهم تطرق مسامعنا، وفنانون أثروا وجداننا ببديع أصواتهم، رحلوا، لكن ماتركوه من أرث فني سيبقى خالداً في وجدان محبيهم.

موت شاعر

حين يولد شاعر تتجلى الكلمة، وخصوصيتها وخصوبتها، وحين يموت تبقى الكلمة فالكلمة روح الشاعر، ولأن روح الشعر هي الكلمة، فالشعر والشاعر خالدان. في عام 2018 رحل عنا جبل الشعر وأحد أركان القصيدة، الشاعرعريان السيد خلف، المولود في محافظة ذي قار في أربعينات القرن الماضي في قلعة سكر وعلى ضفاف نهر الغراف. ولد في بيئة تتنفس شعراً وهواءً جنوبياً، يرتّل أبيات الحزن على نغم ناي القصب, فهو لم يعِد أحداً بأن يكون شاعراً، لكنه ولد هكذا, ربما هو القدر الذي خطّ مسيرته وحتى اسمه المميز الذي أطلق عليه حين ولادته, ليضفي بأسلوبه الذاتي وروحه السامقة، فيحوّل الوجود وكل ما حوله أحرفاً شعرية، تعيد لنا جذوة الرومانسية ووهج القصيدة، متنقلاً بنا بأجنحة من حنين الى جزر الدفء الشعري, أبحر في بحور الشعر الشعبي وبدأ بنشر قصائده مطلع الستينات, شكل ظاهرة شعرية, وباتت قصائده تمثل نوعاً جديداً في شكل القصيدة الشعبية. ميزت قصائده كمية صدق المشاعر المتدفق في أبياته الشعرية فضلاً عن ملامسته الواقع دون أي تكلف, يغزل من صوف المفردة فسيفساء الجمال, ويرسم بريشته الشعرية لوحات شعريه هي أسطورة حلمه تتنقل به الى حضرة الشعر المقدس ليصبح سادناً لروضة الشعر بكل جماله وقيمه وليرتّل على أوتار القلوب سيرة شعرية هي أشبه بصلاة شاعر متصوف وعاشق ممسوس بالشعر. رحل صباح الأربعاء في الخامس من كانون الأول 2018.

رحيل الابتسامة

صديق الفقراء.. هكذا كان يسميه أصدقاؤه ورفقاء دربه, كانت قصائده سبباً في حب الناس, لأنهم وجدوا فيها صدى لمعاناتهم وانعكاساً لطموحاتهم. سخرية رياض الوادي سخرية حيّة ولدت من رحم الواقع. فقارئ قصائده والمستمع لها يلمس بوضوح معانيه وصوره وتعابيره التي جاءت من صلب واقعه المادي المعاش وتجربته الشعرية الخاصة. اشتهر رياض الوادي (50 عاماً)، الحاصل على بكالوريوس تاريخ من جامعة بغداد، بالشعر الشعبي الساخر وانتقاد العديد من الظواهر الاجتماعية والسياسية وغيرها بطريقة ساخرة لاقت استقبالاً واسعاً لدى الجمهور، وذاع صيته بشكل كبير في الأوساط العراقية لتميزه بهذا اللون من الشعر. رحل يوم السبت الأول من كانون الأول 2018.

ايقونة الغناء العراقي

هي سرب حمام يحلق فوق أزقة بغداد وشناشيلها، تشدو بالحب وبالحس الإنساني الممزوج بالأمل والتفاؤل، صوت عذب وحنون أدخلها الى قلوب الملايين، عاشت سندريلا الغناء العراقي حياتها وهي تتغنى بالحب, تمتعت بقدرات فنية مؤثرة في أدائها، ليتصدر اسمها قائمة الطرب العراقي الأصيل, ولدت في جانب الكرخ من بغداد عام 1937، ونشأت وتعلمت في مدارسه، فبعد أن ختمت القرآن، انتقلت إلى المدرسة الابتدائية حيث برزت مواهبها الغنائية منذ الطفولة عندما كانت تحفظ وتردد أغنيات أم كلثوم وفريد الأطرش وأسمهان وليلى مراد. تقدمت لاختبار الإذاعة في بغداد عام 1950 ونجحت فيهِ، وغدت فيما بعد من أشهر مطربات الإذاعة العراقية، وقد سجلت في تلك الفترة عدداً من الأغاني, وعندما بدأ بث محطة تلفاز بغداد كأول بث تلفزيوني في العالم العربي، كانت مائدة نزهت من أوائل المطربات اللواتي ظهرن على شاشة التلفاز عام 1956. عُرفت مائدة باختيارها الدقيق للنصوص الغنائية، لحن لها أشهر الملحنين والموسيقيين العراقيين أمثال طالب القره غولي، وأحمد الخليل، وعلاء كامل، ورضا علي، وعباس جميل، وفاروق هلال. في أواخر ثمانينات القرن الماضي اعلنت مائدة نزهت اعتزالها الغناء وهي في أوج عطائها لتتجه إلى العبادة إثر عودتها من أداء فريضة الحج لتكون القاهرة هي محطتها الأخيرة. رحلت في صمت ولم يعلم أحد بخبر وفاتها إلا بعد أربعين يوماً, مثيرة الكثير من الأسئلة حول رحيل مبدعي العراق دون خبر يذكر.

أميرة القصة القصيرة

ديزي الأمير.. تعرف قيمة الحرف جيداً، وتدرك قيمة الكلمة المتصلة بحياة الناس وهمومهم الظاهرة والمكبوتة. تلتقطها بموهبة ناضجة، فتنقل للقارئ الألم الإنساني، وعذابات الأنثى المقهورة وقسوة العلاقات الاجتماعية المتخلفة وتقاليدها, تتميز قصصها عن سواها من الكتابات النسائية بطريقتها التي لا تحوي غرابة ولا تثير العجب. كل شيء في حياتها وكتابتها طبيعي. ولدت ديزي الأمير في البصرة جنوب العراق في عام 1935 لأب عراقي هو الطبيب ميرزا الأمير وأم لبنانية من ضهور الشوير هي “وداد تبشراني”. تلقت دراستها الإبتدائية في مدرسة البتاوين في بغداد والإعدادية والثانوية في المدرسة المركزية للبنات. بعد حصولها على شهادة البكالوريوس من كلية تدريب المعلمين من بغداد عام 1955 سافرت ديزي إلى جامعة كامبريدج لدراسة وكتابة أطروحتها عن الأدب العربي. رفض والدها دفع الرسوم الدراسية وعادت للعراق. عملت بعد تخرجها في التعليم فدرّست عشر سنوات في إحدى المدارس الإعدادية للبنات ثم في دار المعلمات بالبصرة، ولما انتقلت إلى بيروت وجدت وظيفة كسكرتيرة في السفارة العراقية. رقيت في نهاية المطاف إلى وظيفة مساعد الملحق الصحفي. في عام 1975 عندما اندلعت الحرب الأهلية في لبنان عينت مديرة للمركز الثقافي العراقي. عادت إلى العراق في عام 1982 بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان. تعكس قصصها تجارب النساء أثناء الأوقات العصيبة في الشرق الأوسط بما في ذلك خلال الحرب الأهلية اللبنانية. ديزي الأمير ألّفت خمسة مصنفات منشورة بما في ذلك: (البلد البعيد الذي تحب) عام 1964 و(ثم تعود الموجة) عام 1969 و(في دوامة الحب والكراهية) عام 1979 و(وعود للبيع) عام 1981 عن الحرب الأهلية اللبنانية و(على لائحة الانتظار) عام 1988 و(جراحة لتجميل الزمن) عام 1996. عاشت الكاتبة العراقية ديزي الأمير في صمت ورحلت بمنتهى الهدوء. ولم تتداول وسائل الإعلام خبر رحيلها سوى بعد أيام وهي التي رحلت يوم الثاني والعشرين من تشرين الثاني 2018 في مدينة هيوستن الأميركية.