الشاعر محمد كاظم جواد: شعر الأطفال ازدهر في “مجلتي” و”المزمار”

1٬139

عبد الأمير خليل مراد /

محمد كاظم جواد.. شاعر اهتم بكتابة قصيدة الطفل منذ بواكيره الأولى، واستطاع أن يجعل من هذا الاهتمام هماً معرفياً وثقافياً، إذ أصدر عبر مسيرته الأدبية دواوين عدة في هذا الاتجاه منها ماهو داخل العراق، ومنها ماهو خارج العراق كبيروت ودبي وفلسطين ومصر، وقد ارتهن حب الكتابة للأطفال كل همومه وتطلعاته الثقافية.
كانت لقصائد محمد كاظم نكهة خاصة، وامتيازٌ واضحٌ في معانقة الطفولة، والاحتفاء بعالمها المتخم بالبراءة والتفاؤل. التقيناه فكان لنا معه هذا الحوار:
بدايات التأسيس
* كيف ابتدأ مشروعك مع أدب الطفل؟
ــ بداية مشروعي في الكتابة للطفل كانت عام 1978، وهي بداية مبكّرة، كنت أتابع ما يُنشر في هذه الفترة من خلال المطبوعات التي تصدرها ثقافة الأطفال عبر سلسة الكتب بالإضافة الى “مجلتي” و”المزمار”، وكذلك من خلال الصفحات الأُسبوعية التي خصصت للأطفال في الصحف الصادرة في ذلك الوقت. ومن المعروف أن هذه الفترة شهدت اهتماماً واسعاً بأدب الطفل، ما شجع الكثير من الأدباء بالكتابة للطفل، وكانت محاولتي الأُولى، فكتبت قصيدة (الوردة والحديقة). وكنت في البداية متردداً بإرسالها للنشر، لكن حين عرضتها على بعض الأصدقاء نصحوني بنشرها، فأرسلتها الى ملحق تموز الذي كان يصدر مع جريدة الجمهورية، وبعد فترة وجدت قصيدتي منشورة تزينها رسوم الفنان رضا حسن، وقد ولَّد نشر القصيدة حافزاً عندي في مواصلة الكتابة للطفل، ولم تقتصر كتاباتي على شعر الأطفال فقط بل كتبت القصة والسيناريو والتحقيق والمسرح، وتوسعت دائرة نشري في المجلات العراقية والعربية.
* أين تجد قصيدة الطفل في الشعر العراقي؟
ــ حينما بدأ الاهتمام بأدب الطفل في الوطن العربي انبرى بعض الأدباء، وبتأثير واضح من الكتّاب الغربيين الى تجريب الكتابة لهم بعد اطلاعهم على نماذج قاموا بترجمتها شعراً مع إضافات تحمل النصيحة والحكمة والتوجيه، هكذا فعل كامل كيلاني ومحمد عثمان جلال وإبراهيم العرب وأحمد شوقي ومحمد الهراوي من مصر، ما حفز كبار الشعراء العراقيين على دخول هذا المجال، فكتب الرصافي والزهاوي ومصطفى جواد قصائد محدودة، وكانت المناهج الدراسية تعتمد على الشعراء المصريين، وفي فترة لاحقة ظهر اهتمام لدى بعض الشعراء العراقيين في كتابة قصائد ضمن متطلبات عملهم في التأليف المدرسي، فكتب أحمد حقي الحلّي وباقر سماكة قصائد تقترب من ميول الأطفال، وفي رأيي إنها كانت البداية الحقيقية لقصيدة الطفل في العراق. وقد ازدهر شعر الأطفال عندما صدرت( مجلتي والمزمار) اللتان استقطبتا الكثير من الشعراء بعضهم ارتضى أن تكون كتابته في حدود المحاولة وبعضهم الآخر أعطى من جهده فسحة جميلة للطفولة، وحينما أُسست دار ثقافة الأطفال التي كانت تتلقى دعماً كبيراً، توسعت إصداراتها المتنوعة، وظهر جيل من الشعراء الذين استطاعوا أن يقدموا نصوصاً تقترب من ميول الطفل ورغباته.
* ما الجوانب الفنية لقصيدة الطفل؟
ــ علينا أولاً أن نحدد المراحل العمرية للطفل، لتتسنى لنا مخاطبته وفق القاموس اللغوي الذي يمتلكه، الطفل لايحب أن نخاطبه بأسلوب الأمر والنصيحة، لوجود اهتمامات أخرى تشغله، فهو مولع بالخيال، ففي المرحلة العمرية الأولى قبل دخوله المدرسة علينا مراعاة أن تكون القصيدة قصيرة ومجتزأة من بحور الشعر، ومفرداتها مألوفة والابتعاد عن الكلمات المجردة لأنه لايدرك معناها، وبالتالي سيسهل عليه حفظها، وعندما يتسع قاموسه اللغوي في المراحل الأخرى نستطيع أن نوسع دائرة القصيدة، وهناك موضوعات كثيرة يمكن طرحها إضافة الى أن بإمكاننا أن نسهّل عليه الكثير من المعلومات عبر قصائد تعليمية فيها طرافة الخيال والابتعاد عن طرح الموضوع بشكل جاف ومباشر.

آليات الكتابة
* لديك أكثر من ثلاثين كتاباً توزعت بين الشعر والقصة في أدب الطفل، أيهما الأقرب إلى نفسك؟
ــ أود أن أوضح أمراً مهماً هو أن أغلب دور النشر لا ترغب في طبع شعر الأطفال إلا ما ندر لأسباب عديدة لعل أهمها أن الطفل تستهويه القصة لما فيها من تشويق وإثارة ولا يبحث عن الكتب الشعرية التي تحتاج إلى مساعد في قراءة النص الشعري بصورة صحيحة، وأن أية قراءة خاطئة تؤدي إلى تخلخل الوزن ونشاز الإيقاع. على الرغم من ذلك يواصل شعراء الأطفال كتابة قصائدهم، وكانت لي تجربة جميلة في ديواني (المنزل النظيف) الذي صدر عن دار العالم العربي في دبي بطبعة فاخرة ورسوم جميلة للفنانة منى يقظان، ورافق الكتاب قرص مغنى بقصائد الديوان. ليس هذا فقط فقد قامت الدكتورة لطيفة النجار بتأليف كتاب (التطبيقات والتدريبات) في ديوان المنزل النظيف الذي سلط الضوء على مدلولات المفردات والصور في القصائد.
* قصيدة الطفل تفتقد إلى النقاد حالياً.. أين تجد موقعك في هذا المجال؟
ــ أدب الطفل عموماً بعيد عن التناول النقدي، وهذا مؤشر يدل على إهمال هذا الفرع المهم من الأدب، نحن بحاجة إلى رصد الإصدارات التي تأثرت بالمتغيرات في تناول الموضوع والحدث واغلب الدراسات تنتج في الدرس الأكاديمي ضمن متطلبات الشهادة العليا، ولا بد لي أن أذكر بعض الجهود التي اهتمت بقصيدة الطفل كالشاعر بيان الصفدي الذي أصدر كتاباً عن قصيدة الطفل العربي وكتاباً مهماً آخر بثلاثة أجزاء عنوانه “ديوان الطفل العربي” الصادر في الشارقة، ولي فيه بحدود عشرين نصاً شعرياً، ولا أنسى كتاب الدكتور علي حداد(حدائق اورأوتو) الذي تناول بعض قصائدي وكتب الناقد صادق الطريحي عن تجربتي الشعرية للأطفال بحثاً طويلاً نشر في مجلة الأقلام، وكذلك الشاعر شكر حاجم الصالحي الذي تابع إصدارين لي هما (قطار من خشب) و(زوارق) وكتب عني أيضاً الشاعر عبد الأمير خليل مراد أكثر من مقالة.
* أين موقع قصيدة الطفل في المؤسسات الثقافية العراقية؟
ــ المؤسسة الثقافية المعنية بأدب الطفل هي دار ثقافة الأطفال، وهذه الدائرة تعاقَبَ على إدارتها شعراء معروفون مثل عبد الرزاق عبد الواحد وفاروق سلوم ولا ننسى السيدة أمل الشرقي، وكانت هناك صفحة ثابتة في مجلة (مجلتي) تنشر فيها قصيدة للطفل إضافة الى سلسلة إصداراتها (السلسلة الشعرية) فأصدرت دواوين شعرية لشعراء الأطفال. الآن ثقافة الأطفال انحسر دورها بسبب التخصيصات المالية القليلة، وهناك ملحق (شمس الصباح) الذي بدوره ينشر القصيدة في كل عدد وبعض المجلات التي تصدر من المؤسسات الدينية.

ميول الطفل وهواجسه
* أيهما أقرب الى الطفل القصيدة الموزونة أم النثرية؟
ــ الطفل يميل الى الإيقاع بل هو إيقاعي بالفطرة، فنراه حتى في المرحلة الأولى من الطفولة ينتبه الى الصوت المنتظم، ولهذا فإن الأُم تلجأ الى أشعار التنويم والترقيص، فيستجيب لها، أما القصيدة غير الموزونه، فإنها تفتقر الى التشويق بعدما خسرت الإيقاع الخارجي، الطفل يميل الى القصة التي تحتوي على أحداث مشوقة وفيها دهشة ونهاية تداعب مشاعره.
* في دأبك على كتابة قصة الطفل، ما أصول كتابة هذا الفن؟
ــ الطفل يميل إلى القصة لأنها تلبي حاجاته، وتستوعب أسئلته، فيستكشف بمدركه الحسي الأحداث التي ترافق القصة، لا شك أن الطفل يتفاعل مع القصة التي تدور على ألسنة الحيوان بصفاته المعروفة، وحتى الأشياء التي يستخدمها وتحيط به بإمكاننا أن نستنطقها ونحملها دلالات معرفية وأخلاقية إضافة إلى الموضوعات التي يكون بطلها طفلاً، نستطيع أن نوصل له الأفكار وفق مدركه الحسي دون أن نستخدم الكلمات المجردة التي لا يدركها ونراعي أن تكون الجملة قصيرة، كل هذا لا يتحقق إلا بوجود رسم يرافق القصة، فالرسم عامل مهم في إيصال الفكرة، وليس وسيلة إيضاح، هو بمثابة التمثل الذهني المرافق للقراءة، فالطفل لا يمتلك هذا التمثل ويراعى كذلك تشكيل الحروف بشكل كامل.
وليس لي إلا أن أختم هذا الحوار بما قاله باشلار (بدون الطفولة ليس هناك عالم كوني حقيقي، وبدون الأغنية الكونية ليس هناك شعر).