الغناء الثنائي.. دراما وتناغم صوتي

1٬310

أحمد مختار/

الغناء الثنائي أو “دويتو” هو محاورة غنائية بين طرفين حول موضوع محدّد، ويكتب الحوار الشعري بطريقة سردية درامية على شكل قصة لها بداية وحبكة ونهاية.

ولا بدّ أن يلتزم اللحن بتصوير تلك الدراما السردية الحوارية وبتوصيفها الشعريّ وأن يأتي منسجماً مع طبقة المطربين النغمية وخامتهم الصوتية لخدمة الحدث الدرامي.

أول دويتو عراقي

تعد أولى التجارب العراقية الموثقة هي أغنية “فدوه” في فيلم “تسواهن” عام 1957 وكانت من كلمات وألحان وغناء “خزعل مهدي” والمطربة “دلال”. وهنالك حديث عن تجربة أخرى تعود إلى بداية الخمسينات، ولكن لا يوجد توثيق لها.
التجربة الرائدة الثانية تلتها بسنة واحدة تقريباً، وكانت للملحن والمطرب “رضا علي” والمطربة “هيفاء حسين” في فيلم “ارحموه” عام 1958 وذلك بعد دخول الشريط السينمائي والتصويري وتأسيس السينما العراقية الذي فتح المجال أمام التوثيق السينمائي. ثم عاد المطرب رضا علي ليقدم تجربة ثنائية جديدة مع المطربة “راوية” في أغنية “عيني وأغلى من عيني”.

ثنائي رجالي

تجربة نادرة تلك التي بدأت في منتصف الستينات للثنائي الريفيّ “عبد الواحد جمعة” و”جواد وادي” حيث أديا عدداً من الأغاني الناجحة التي شاعت لعذوبة صوتيهما. كان المطرب جواد وادي يعمل في مقهى المطرب الريفي الكبير ناصر حكيم في منطقة “علاوي الحلة” ببغداد حيث حفظ الأطوار الريفية على يده، وأجاد البستات، وهناك التقى المطرب “عبد الواحد جمعة”. الاثنان اجتازا فحص لجنة الإذاعة بسهولة، حيث اقترحوا عليهما بأن يكونا ثنائياً للانسجام الصوتي الواضح بينهما، وكانت أغلب الألحان من وضع المطرب والملحن “عبد الواحد جمعة”. كما قدم جواد وادي دويتو آخر مع المطرب الريفي “عبد محمد” في أغنية “سهرت الليل بجفاك” وبهذا يكون “عبد الواحد جمعة” و”جواد وادي” أول ثنائي غنائي يتكون من رجلين، وليس امرأة ورجلاً كما جرت العادة. وهذا الثنائي الرجالي الأول من نوعه ليس على صعيد العراق، بل على صعيد الموسيقى العربية.

برغم ان تجارب المسرح الغنائي العراقي التي ظهرت في السبعينات قليلة، لكنها ثرية ومهمة وكانت أبرز تجارب تلك الفترة أوبريت “بيادر خير” وضمنه أغنية “يا عشكنا” للملحن حميد البصري التي غناها الثنائي “فؤاد سالم” و”شوقية العطار” وكتبها الشاعر “كاظم الرويعي”.

لا خبر

هناك أغنية من تجارب السبعينات أيضاً، للفنان “فاضل عواد” والمطربة الأردنية “دلال شمالي” وذلك في أغنية “لا خبر” التي لحنها حسين السعدي وكتبها طارق ياسين كأغنية انفرادية لـ”فاضل عواد” ولكنْ بعد شهرتها عربياً كتب الشاعر الغنائي “زامل سعيد فتاح” جواباً على كلمات الأغنية، ثم لحنها “طالب القره غولي”. لم تكن التجربة بالسهلة لأن اللحن الأساس موضوع سلفاً، ولحن القره غولي وكلمات فتاح جاءا ليناسبان أغنية مكتملة ناجحة. وبرغم ذلك اجمع الكثير على نجاح التمازج اللحني والكلمات والأداء لهذا الثنائيّ الغنائي لتكون أغنية “لا خبر” الجديدة أول ثنائي يضعه ملحنان ويكتب كلماته شاعران.

ثنائيات فرقة الإنشاد العراقية

خرج من تحت معطف فرقة الإنشاد العراقية بعض الثنائيات مثل المطربين “سوسن” و”محمد” اللذين عُرفا بأداء الأغاني الفولكلورية. كما ظهرت تجربة ثنائية أخرى واحدة لـ”مي أكرم” مع “صباح محمد” في أغنية “ليش يا جارة” عام 1980. وبرغم خفة وسرعة إيقاع الأغنية لكنها تحوي على كل عناصر قالب الغناء الثنائي “الدويتو”. ثم اشتركت “مي أكرم” مع “وحيد سعد” حيث أطلقا أغنية “استعجل يا ميل الساعة” واستمر نشاطهما الثنائيّ حتى نهاية التسعينات، وهما أكثر ثنائي عراقي وعربي استمر كلّ هذه الفترة.

في فترة السبعينات ظهرت تجربة ثنائية أخرى بأغنية وحيدة لـ”سيتا هاكوبيان” و”سعدون جابر” في أغنية “نحب لو ما نحب” وكانت الأغنية متزنة مع صوتي المطربين.

الثمانينات

بدأ الشقيقان “فوزية” و”فاضل” تجربتهما في الغناء الثنائي منتصف الثمانينات، واستمرا حتى الآن، وهي المرة الثانية التي يتكون فيها ثنائي من أخ وشقيقته في الغناء العربيّ بعد “فريد الأطرش” و”أسمهان”. ويعتبر استمرار التعاون بين أخ وأخته في هذا المجال في المجتمع العراقي المحافظ حالة نادرة.

انحسار الظاهرة

انحسرت ظاهرة الغناء الثنائي لعدة سنوات، إلا أنها عادت مؤخراً ليمارسها بعضهم من باب التنويع، والآخر بدافع التقليد. وباستثناء بضع أغنيات فإن الغناء الثنائيّ الحالي يفتقر إلى البعد الدرامي الحواري، لكن يبقى برغم تفاوت المستويات تجربة فنية متفردة لا تخلو من تحد للإمكانيات والظروف، ومحاولة للتجديد والتنويع وكسر الروتين والنمطية في الغناء.