الفنان حسين حربة: الحقيبة النسائية تصميم معماريّ مصغّر
خضير الزيدي /
يكتسب الحديث مع المصمم والمعماري حسين حربة أهمية واسعة لسعة معلوماته وطبيعة اشتغالاته الجمالية، فبعد تخصصه في التصميم المعماري عمل في أهم الشركات الإيطالية لمدة أربع سنوات ثم قرر أن يفتتح مكتباً للتصميم مع شركة منفذة لأهم تصاميمه.
سعت شركته الى أن تنتج العديد من القطع (أوبجكت آرت) والتي تستخدمها الشركات العالمية الكبرى لعرض إنتاجها. اشتغل مؤخراً على تنفيذ وتصميم الحقائب النسائية وتم عرضها في افتتاح كبير. تميزت أغلب أعماله بالبساطة والتعبيرية الهادفة، التقيناه في حوار صريح لمعرفة جوانب هذا الفن:
أعمل لإسعاد روحي
ابتدأنا حوارنا معه بسؤالنا “يتعزز خطابك الجمالي في عوالم التصميم عبر طاقتي اللون والشكل معاً، ولكن من يتابعك عن كثب يجدك تمنح الألوان أولوية فما الغاية من ذلك؟” فأجاب: “كلامك هذا صحيح، أجد في اللون تعبيراً عن حالة إنسانية معينة وهو ليس حدثاً كمالياً، إنما الأصل فيه طموح وحالة تعبيرية، ممكن أن تقودنا حساسية اللون لمعرفة الحب والمودّة وبنفس الوقت هو إشارة سيميائية تسحبنا لتدفق وجداني ونفسي وروحي وجميعها مسلمات لم تأت من فراغ. دعني أقول لك بأنني كنت أتمنى أن لا أعيش في هذا الزمن وأطمح للوصول لشيء مفتقد وغائب، المكان والوقت الذي أعيش فيه ليس الآن، ومثلما ترى فإن البشر جميعهم مختلفون، ولسوء الحظ إني أرى الشر أكثر حضوراً من الخير في هذا الزمن ولهذا أراهن على أهمية اللون في التعبير الفكري، وكلّ لون له دلالة معينة تتقصى حالة نفسية، فالأحمر والأسود والأبيض وبقية الألوان لها تعبيرية خاصة، وعليه نجد أن لكلّ لونٍ تعريفاً روحانياً ووجدانياً ومادياً. من هنا أعرت اللون مع الشكل اهتماماً مختلفاً حتى في الهندسة المعمارية وعملت أشكالاً متنوعة ذات طابع لوني خاص.
* لهذا تعير أهمية للدال (الشكل) على حساب (المدلول)، كأنك تصر على إبداء مهارة في الأشكال وقيمها أمام معطيات ما تحمله من معانٍ؟
ـ سعيت دائماً منذ وصولي لإيطاليا في نهاية السبعينات أن أغترف من فكرة مفادها تبسيط الأشكال والابتعاد قدر الممكن عن التعقيد، وهذا ما يتلمسه المتلقي لأعمالي الفنية وتصاميمها وأضفت إليها قيمة دلالة اللون مستخدماً إياه كحالة مختلفة في جوانبها النفسية، وتستطيع أن تجدها متنوعة وذات قراءة متساوية، في بدايتي المهنية كنت أعمل تصاميم غريبة الهدف منها جلب الانتباه ولكن مع مرور الوقت قررت أن هذا لا يمثل روحي وعقيدتي ولا يهمني أن أجذب انتباه الآخر، مع كل الاحترام، يجب أن أعمل لإقناع وسعادة روحي وأفكاري، الشكل وطاقته اللونية بالنسبة لي ليس مظهراً أو غطاءً خارجيّاً جذاباً وإنما تعبير عن حالات إنسانية ومفاهيم عقائدية عميقة.
الحقيبة حاملة الأسرار
* لنتحدث عن أعمال الحقائب وهي تحمل سمات لونية متعددة أكثر مما تحمل أشكالاً مختلفة.. ما الغاية من هذا التركيز؟
ـ الحقيقة التي أريد تأكيدها أن الحقائب في ذاتها تعد بالنسبة لي عملاً فنياً معمارياً صغير الحجم، جذوره وقواعده الهندسية نابعة من علم العمارة، لهذا لا أريد أن أفقد هويتي كمعماري فيما أنجزه من عمل الحقائب. هذا أمر مهم لي. شخصياً أجد الحقيبة شيئاً مهماً للإنسان، لأن ما بداخلها يحتوي الأسرار ومظهرها الخارجي يبين شخصية من يحملها إلى حد ما، إضافة لكونها تحمل مفاهيم تاريخية، وما رأيته وتابعته من خلال العرض الخاص بالحقائب جميعها كان يمثل هذا التوجه. لقد سوقت تلك الحقائب ما يعني أنها تحمل أهمية في نظر المتلقي وبالنهاية تبقى الحقيبة كعمل فني له وظيفة جمالية ومحتوى تعبيري.
قوّة الكراسي
* بودي أن أتساءل عن تصاميم الكراسي. تقدم لنا نماذج وكأنها ذات طابع تجريدي بحت، هل هناك إصرار من قبلك على نمط معين من التعبير الفني؟
ـ الكرسي هو جزء من وظيفتي كمصمم ومعماري، وكذلك الحلي والمجوهرات، لقد وسعت مساحة عملي لاعتقادي بأن الإبداع لا يمكن ربطه بحدود، أعترف لك الآن أن بداخلي نوعاً من الخصوصية اسمها التحدي والعالمية فأنا نشأت في بيئة عرّفتني بأن العالم يقف ضدنا وتساءلت عن سبب الكراهية، ومن هنا انطلقت فكرتي بأن أكون حلقة وصل وجسراً بين الحضارات المتنوعة وإذابة الشكوك والكراهية بين الشعوب، فبدأت التفكير والتساؤل وحينما وصلت إلى قناعة مفادها أن بعض الخلل يعود لذواتنا وليس في العالم، لهذا أعطيت الكرسي مفهوماً ورمزاً لتلك السلطة التي أرادت أن تربي ذائقتنا على كراهية الآخر وتشويه الحقائق بالوقوف ضدنا لما نتميز به. الأمر ليس هكذا، علينا أن نقف ونشاهد الأحداث ثم نحتكم وكل ذلك الخراب عائد لقوة (الكرسي) ومرجعيته التعبيرية، وعليه فالخطأ يكمن في أنفسنا ومن هذه الأفكار جاءت رؤيتي لإنجاز فكرة الكرسي الذي سيكون مختلفاً بدلالته التعبيرية.
نحن السبب!
* ما السبب الذي دعاك لتحميلنا نحن هذا الخطأ؟
ـ السبب بدون شك يكمن في الطبقة السياسية الحاكمة وتشويهها للأفكار، هذا هو الهدف الرئيس، شخصياً حينما وصلت لأوروبا نهاية السبعينات فكرت بأن أثبت للآخرين بأن عالمنا ليس مختلفاً عنهم بل في بعض الأحيان بإمكاننا أن نكون أذكى منهم، فمنذ طفولتي وأنا غير مقتنع بأن الآخر مختلف عنا طالما يمكن لنا، عبر الإرادة والإصرار والجدية، أن ننتج فناً ونقدم أفكاراً تنويرية ونمضي في بناء العالم والإنسانية، نعم هناك عقول نيرة تعمل ضمن هذه المفاهيم بدأت تفكر بأن العالم قرية وليس هناك اختلاف بين البشر وان الاختلافات العرقية والدينية ستزول أمام محبي السلام ودعاته. فلنفكر لماذا نصر أحياناً ونعتقد أننا الأفضل؟ لهذا السبب استعملت طاقتي وجديتي وجهدي وعشت من أجل أكوّن لنفسي شيئاً مهماً وأثبت للعالم أن التغيير ممكن إذا كان ثمة هدف غايته الطموح والإبداع.
اليد الحيّة
* لم لا تستخدم الكمبيوتر في طريقة التصميم؟ فأنا أرى أن ثمة إصراراً على أن تبقى محافظاً على الطريقة القديمة؟
ـ نستخدم هذه الوسيلة العلمية كجزء من ضروريات المكتب. أما أنا فلديّ ميول للشركات والأدوات القديمة والعريقة ولهذا أستخدم طاولة الرسم باليد. أحب أن أعود ليدي وذهني لتكون القياسات حقيقية. أما شاشة الكمبيوتر فلا تعطي رؤية واقعية حقيقية للقياس. أجد متعة وأنا أرسم على الطاولة بالرغم من أن زملائي في المكتب ينظرون للأمر بدهشة مستمرة ويتساءلون أين تجد هذه المتعة الروحية والنفسية؟ وأقول لهم إنها تكمن في مواصلة العمل، فالتكنولوجيا مهمة جداً واستعمالها مهم للجميع ولكن كل هذا تقريباً أنهى خبرة ويد الإنسان والشركة ولهذا أحب التركيز على عدم إنهاء ذلك العقل وتلك الخبرة الشخصية.
المدرسة المستقبلية
* ما المدارس التي أثرت في أسلوبك؟
– واحدة من المدارس التي أثرت فيّ (Futurismo ـ المستقبلية)وهي حركة جماعة المستقبلين الإيطالية، نشأت في بداية القرن الماضي وكانت أفكارهم ضد الكلاسك، تركوا الحركات في العمارة وأنماطها القديمة، توجهاتهم كانت ضد أية مدرسة تجعل من المصمم تابعاً لها، يطلقون العنان للحرية بشكل أوسع. وأنا كمعماري تأثرت بـ(Ferrè) المشهور جداً وهو معماري ذهب باتجاه (الموضة) ليغير من أفكار الآخرين عبر هذه الوسيلة. لهذا تراني سعيت لهذا المعترك لتجديد الأفكار وإنجاز أعمال متأثراً به وأثبتُّ أن لا مستحيل طالما هناك الإرادة.
روحيتي بابلية
* ما مرجعياتك الإلهامية في تصميم الكرسي الأخير الذي صممه ثلاثة معماريين عالميين؟
ـ حينما يولد المرء في بلد مثل العراق، مليء بالأساطير والآثار واللقى وهو منبع الإنسانية، سيكون للتاريخ تأثيره الواضح عليه، فلا غرابة وأنا ابن بابل الأثرية أن تكتشف أن روحيتي بابلية لأن جذوري مهمة وأجزم أن العمل الأخير للكرسي كان ذا طابع مختلف أردت أن أجعله في عين المتلقي مليئاً بطاقة التأثير المكاني.