الفنون الإسلامية جمالٌ في الأشكال وإبداعٌ في المحتوى

833

خضير الزيدي /

تشكل الفنون الإسلامية، منذ عصور قديمة، حالة استثنائية في طرح مضامين الجمال، وتنوع الأشكال الزخرفية، وقد بدت للناظرين وكأنها طاقة تفيض سحراً روحانياً، إذ تغلب عليها الدقة في التصميم والحِرفية العالية في التكوين، بالإضافة لأبعادها الروحية والتعبيرية. ومن يقف متأملاً أمام ما شيدته الدولة الأموية من مساجد كثيرة وطريقة إنشاء لتصوير الزخارف واعتماد النقوش والأقواس في هذا الفن، ويتابع ما أسسه العباسيون في بغداد من قيَم في توازن الخصائص الفنية وتناسب الخطوط واستقامتها، سينتهي به القول إلى معرفة أهمية تلك الفنون وما وجهتهُ مخيلة الفنان وهي تتعاطى مع الأصالة والموروث دون أن تجرد تلك العناصر من الواقع الحياتي ورسالته الثقافية والاجتماعية. ومن أجل معرفة المزيد من مميزات الفن الإسلامي توقفنا مع نخبة من أساتذة الفن في بغداد:
العمارة الدينية
كانت جولتنا الأولى مع الفنان الدكتور جواد الزيدي، أستاذ مادة الخط والزخرفة في كلية الفنون الجميلة – بغداد، موضحاً لنا بالتفصيل ما تعنيه هذه التسمية وما أنواع هذا الفن العريق وكيف تشكلت نواته وبمن تأثر ليرشدنا إلى معلومته التي تؤكد “أن الفن الإسلامي يضم ثلاثة فنون هي الخط العربي والزخرفة والعمارة، تضاف إليها فيما بعد فنون التصوير الإسلامي مثل مدرسة بغداد للتصوير أو المدرسة الفارسية وغيرها من المدارس الخمس التي ظهرت في العصر العباسي. والتصوير الإسلامي، على الرغم من تماثله مع فنون التصوير الأخرى من حيث الآلية والخامة، إلا أنه ينحرف قليلاً عن مسار هذا الجنس الفني فيما يتعلق بالرؤية الإسلامية التي تبتعد عن التجسيم أو التصوير المنظوري وكراهية تصوير الرموز الدينية. أما العمارة فإنها تقترب في جانب وتبتعد في آخر، الأول يختص بالقصور والأبنية الحكومية والجانب الثاني هو العمارة الدينية مثل المساجد والجوامع بما لديها من مخططات بنائية مختلفة ومعالجات عمارية.”
العقائد التعددية
بينما كان للدكتور عاصم عبد الأمير، أستاذ الجماليات في كلية الفنون الجميلة، رأي آخر وإشارة ذات بعد تاريخي مبيناً: “أن الفنون الإسلامية نتاج عقيدة وحدانية أطاحت بالعقائد التعددية التي كان عليها العرب قبل الإسلام، والتي حاربت الوثنية فيها وأبطلت تمددها في شبه الجزيرة العربية التي لم تعرف الحضارة كما اليمن والعراق وسوريا ومصر..أسهم الفنان المسلم، بعد الغزو للأمصار، في تكييف الفنون البيزنطية والساسانية بما يوافق الفكر الديني المجرد نظرياً على الأقل لأن المسلمين، وبفعل التمدد في الحواضر الأخرى، أصبحوا أكثر ثراءً من الكفّار حسب رأي المفكر علي الوردي، لهذا يبدو الفن الإسلامي نتاجَ أطروحة مزدوجة منها ما يخص الإيمان بالعقيدة الجديدة التي ترى في الله تعالى فكرة مجردة وأخرى تستجيب لمبدأ التحريم الذي كرّسه الفقه الديني.. لهذا ترى سيادة التجريد والكف عن التشخيص وهو ما يميز هذا الفن منذ نشأته حتى يومنا هذا.”
الجانب الروحي
من جهة أخرى، طرحنا تساؤلاً عمّا يميز الفن الإسلامي جمالياً وما خصائصه الفنية والتعبيرية التي يتفرد بها هذا الفن قياساً للفنون الأخرى.
الفنان والناقد التشكيلي كاظم نوير أشار الى: “أن ما يميزه يكمن في الروحانية والحيوية العالية التي يحملها، أي التعبير عن الجانب الروحي بوساطة الفن فيما سمي بالفن التجريدي أو الروحي، ولذلك كان فناً تجريدياً في الغالب أو يميل إلى التسطيح وتغييب المنظور المادي أو الحسي، وتغييب علاقات الزمان والمكان بوصفهما حاضنة فضائية للمادة أو الأثقال، ويميل إلى التكرار في الوحدات البصرية لإضاعة المركز البصري والدخول في تسبيح بصري يتصاعد ويشير إلى الذكر والتسبيح لله والسمو الروحاني للعبد بعد تغييبه الجسمانيات لصالح الروحانيات.. هناك مدارس متعددة للفن الإسلامي أغلبها اعتمد الفنون الحضارية للبلدان قبل دخولها الإسلام مثل الحضارة الرافدينية أو الحضارة الفارسية، ولعل الواضح لدينا أن من خصائصه التسطيح والتجريد، وتغييب المنظور، وتعدد المراكز والانتشار، والتلاعب بالحجوم والقياسات، والميل للإحاطة والابتعاد عن الحجمية والأثقال، وتوظيف الخط بفعالية أكثر، وهو يميل إلى الزخرفية، ويميل إلى المفاهيمية والكلّية وتعدد الأزمنة والأمكنة أو ما يسمى التزامن، وبعضه استعمل ووظّف أكثر من منظور، وبعضه وظّف ما سمي بالمنظور اللولبي، وهو فن في الغالب يبتعد عن الحسِّيات، ولكن هذا لا يعني انه لم يوظّف الأشكال الحسِّية في وحداته، لكنه لم يجعلها الأساس في اشتغالاته عكس الفن الغربي. أما فيما يخص الزخرفة الإسلامية فهي فن إيقاعي وموسيقي يعتمد على العناصر الفنية المجرد في علاقات فنية وبصرية ويؤكد التكرار، وللزخرفة أنماط متعددة منها الهندسية والعضوية والكتابية والمتداخل أو الخليط أو الهجين، يعتمد في أغلبه على الخط وحركته والألوان النقية، له بُعد تزييني وجمالي صرف، ومنه ماله بُعد روحي يرتبط ببعض السمات التي أكد عليها الإسلام، وبالطبع هناك آراء مختلفة في أسباب الاهتمام به عند المسلمين وجعله في أساس الفنون الإسلامية. ومن كل هذه التوصيفات نجد أن قيمة الفن الإسلامي لم تزل حية وأنه مهما امتدت السنوات سيشكل ظاهرة جمالية لا يمكن أن تبتعد عن رؤية وذهنية المشاهد الذي يتأمل منارة المساجد وقبابها وزخارف الخطوط وأنواعها أو يقف بسكون حيث المقرنصات والنقوش والأقواس الهندسية التي أبدعها الفنان العربي منذ زمن الفتوحات الإسلامية ليومنا هذا، بحسب قول نوير.”