الفنون جنون.. فنانــــون كســـروا حاجز المألوف

321

محسن العكيلي /

يقول أرسطو: “لا توجد عبقرية بدون القليل من الجنون.” وقيل أيضاً إن الفنون جنون. إذ غالباً ما يرتبط الفن بأفكار جديدة تكسر حاجز المألوف لدى المجتمع، وهناك من استخدم أساليب غريبة ومبتكرة في تنفيذ أعماله الفنية، فمنهم من استخدم القهوة، ومنهم من استخدم الشاي وقشور المكسرات وغيرها من الأشياء.
البعض الآخر استخدم الهيئة وأساليب تعبير أخرى، مثل الفنان (سلفادور دالي) الذي كان يتميز بهيئته الغريبة وشاربه الشبيه بقرون الثيران. دالي كان يحب الاستعراض إلى درجة غريبة، ويذكر أنه في أحد معارضه دخل وهو يلبس بدلة غطس! وعند سؤاله عن سبب ارتدائه هذا الزي، قال “أحب أن أتعمق في اللاوعي الإنساني.”
رواد الفن التشكيلي تميزوا عن بقية المبدعين بحياة تحمل في طياتها الكثير من الألغاز والإثارة، وبإبداعات فنية ظلت مواضيع جدل ونقاش لا متناهيين.. الفنان التشكيلي يعتبر أكثر الناس حساسية وله مجموعة من القدرات قد تختلف عن الآخرين، بما يتيح له أن يحلق في فضاءات مختلفة قد لا يستطيع الوصول إليها الإنسان العادي، فهو يمتلك عيناً أخرى تلاحظ ما لا يلاحظه الآخرون، ويركز كثيراً في التفاصيل التي قد يهملها البعض.
وعلى الرغم من التقدم العلمي، إلا أن بعضهم مازال يعتقد بأن هناك علاقة ما بين الفنون والجنون, سلفادور دالي وفنسنت فان غوخ وآخرون، كل هؤلاء الفنانين لاقت أعمالهم الحظ الأوفر من النقد والمجد والشهرة في الساحة الفنية العالمية، ليصنفوا ضمن عباقرة التاريخ، لكنهم اتهموا أيضا بالجنون، نتيجة لبعض تصرفاتهم الغريبة.
أفكار مجنونة
الإحصائيات العالمية التي ظهرت قريباً، استنتجت أن أكثر الفنانين شعبية في العالم هم أصحاب الأفكار المجنونة الغريبة، منهم الرسامة اليابانية (يايوى كوساما)، التي أبهرت الجماهير في جميع أنحاء العالم بـ (غرف مرايا إنفينيتي)، والجمال الذي يحتضن الضوء ونقاط (البولكا) والقرع.
برزت هذه الفنانة الطليعية لأول مرة في نيويورك في الستينيات، حيث نظمت أحداثاً مثيرة، بعرضها لوحات هلوسة من حلقات ونقاط أسمتها (إنفينيتي نتس). أثرت كوساما أيضاً على (آندي وارهول) وأدت إلى صعود الفن النسوي والبوب، كانت موضوع معارض كبرى في متحف الفن

الحديث، ومركز بومبيدو، وتيت مودرن، والمتحف الوطني للفن الحديث في طوكيو.
في عام 1993، مثلت كوساما اليابان في بينالي البندقية. اليوم تباع أعمالها بانتظام في سوق اللوحات الفنية. واصلت كوساما استكشاف اضطرابات الوسواس القهري، والجنس، والحرية، والإدراك. في عام 1977، دخلت كوساما طواعية إلى مستشفى للأمراض النفسية في طوكيو، حيث لا تزال تعيش حتى اليوم.
ملك الخربشة
بينما يأخذنا الفنان البريطاني (سام كوكس)، أو المعروف باسم (السيد دودل)، إلى (دودليلاند) في كينت، وهو قصر مكون من 12 غرفة، مغطى بالكامل بالرسوم التوضيحية للأشكال والرموز. غطى الفنان كل قطعة من منزله من الداخل والخارج – من الأسقف والجدران إلى أدوات المطبخ – بتوقيعه المميز بالأبيض والأسود. استغرق الأمر عامين كاملين لإكمال هذا المشروع المذهل، الذي كان، كما ذكر، حلم طفولته.
اشترى كوكس العقار الذي تبلغ قيمته 1.54 مليون دولار في جنوب شرق إنجلترا عام 2019، وبمساعدة أصدقائه المقربين وعائلته، قام بتحويله إلى قماش أبيض لا تشوبه شائبة ليضع عليه طابعه الخاص. في هذا المشروع الطموح، استخدم الفنان 900 لتر من الطلاء الأبيض، و 401 علبة من الطلاء الأسود (للخارج)، و 286 زجاجة من الطلاء الأسود (للطلاء من الداخل)، و 2296 من حبيبات القلم. لكنه استخدم فقط أربعة أقلام مختلفة الأحجام، التي كانت قابلة لإعادة التعبئة، كما كانت الحبيبات قابلة للاستبدال.
(مستر دودل)، أو كما يطلق عليه البعض (ملك الخربشة)، وجد ضالته في الرسم بطريقة الخربشة العشوائية، التي يعتبرها طريقة سهلة وسريعة للتعبير عن نفسه. كل الأماكن كانت مسرحاً لخربشات دودل، إذ كان يرسم على أي شيء يقع تحت نظره، من أوراق أو كتب مدرسية أو جدران، حتى الأثاث المنزلي لم يسلم من خربشاته. لم يستسلم دودل، بل إنه سعى لإثبات نفسه وتطوير موهبته حتى أصبح سجله الفني يزخر بالعديد من المشاركات.