الفيلم الباكستاني (دم الحسين) رؤيـــة فريـــــدة لواقعــــــة الطـــــف

245

محسن العكيلي/
ألهمت قصة الإمام الحسين أعمالاً لا حصر لها في مجالي الشعر والمسرح على مر القرون، وكان لا بد من أن تشق طريقها إلى السينما، لذا كانت النشأة والتحضير لمراسم الحداد في محرم والاستماع إلى كل التفاصيل المعقدة للمعركة ومقدماتها وما بعدها، حافزاً لإنتاج أعمال ملهمة.
على نطاق أوسع، يعتقد أن تاريخ الإسلام مليء بالقصص الملحمية العظيمة التي تستحق إعادة سرد سينمائية، لكن لسوء الحظ، باستثناء فيلم (دم الحسين) و(رسالة) مصطفى العقاد (1976)، لم تكن هناك محاولات كثيرة للقيام بذلك. في السينما العالمية تكاد تكون التجربة مقتصرة على بعض الأفلام الإيرانية والفيلم الباكستاني (دم الحسين)، الذي يعدّ علامة بارزة في السينما الباكستانية، في واحدة من المناسبات التي حاول صُناع السينما حينها الخروج عن المألوف. الفيلم موَّلته شركة NAFDEC للتنمية، وهو من إخراج المخرج الباكستانيDehlav، الذي عمل مع مزيج من الطاقمين الباكستاني والدولي، وشاركت فيه الممثلة البريطانية (كيكا مارخام)، الموسيقى والمكياج والمونتاج كانت في غاية المهنية والروعة، حتى أصبح هذا الفيلم مرجعاً للسينما الباكستانية.
بين الحاضر والماضي
يجمع فيلم (دم الحسين) بين العمق الديني للإيمان وأنظمة العنف السياسية من وجهات نظر عديدة، ويستحضر الإسلام كمصدر للسكينة والمساواة بين جميع الناس، المخرج يمتلك رؤية فريدة من نوعها، حبكة الفيلم بسيطة جداً، فالمشاهد يشعر منذ المشاهد الأولى أن الفيلم يلمِّح إلى حد بعيد إلى واقعة الطف. منذ المشاهد الأولى ومنظر الرجل الكبير السن صاحب البعير وهو يمر أمام حفيده (حسين)، وهي إشارة بارزة إلى الرسول الكريم.. والعرّاف الذي يخبر الفتى بأنه سيحارب الظلم حين يكبر، وحين يرفع بطل الفيلم طفله الرضيع أمام الجيش ويأتي نداء القائد أن “أنهوا نزاع القوم.” كل هذه إشارات إلى أن موضوع الفيلم هو مزيج بين الحاضر والماضي.
تصوير درامي لحياة الحسين، مع إشارات مجازية إلى تاريخ النبي محمد ونسله. يتنبأ بأن الحسين الصغير سيقود يوماً ما الجماهير الفقيرة إلى حياة أفضل، وشقيقه حسن هو الذي يكتسب مكانة بارزة، وعندما يطاح بالحكومة في انقلاب عسكري يحاول التكيف. في غضون ذلك، يتزوج حسين ويقود مجموعة صغيرة من المتمردين في محاولة للقتال.
استعارة حديثة
يتناول هذا الفيلم حياة (حسين مرتضى) وقتلته في نهاية المطاف، الابن الأصغر لعائلة قديمة معروفة من ملاك الأراضي في باكستان. إنه يصور صراعه مع الحكومة العسكرية المستبدة غير الشرعية، وقبوله بمصيره على أنه نصير للفقراء والضعفاء. نضال حسين مرتضى هو استعارة حديثة لحياة واستشهاد الإمام الحسين، حفيد النبي محمد، الذي استشهد في معركة الطف، من خلال المزج بين القصة الرمزية والأسطورة، والتاريخ والخيال.
سعى المخرج إلى خلق واقع متعدد الأبعاد يصف دموع وإحباطات مواطني باكستان، الذين هم فقراء للغاية، ومضطهدون للغاية، وخائفون للغاية، في ذلك الوقت حاول المخرج ترجمة هذا الاستياء العميق إلى عمل سياسي. في العام 1977 كان الفيلم على وشك الاكتمال حين فرضت الأحكام العرفية في البلاد، وحاولت السلطة الجديدة أن تنهي إنتاج الفيلم وتحظر عرضه، لكن لحسن الحظ أن سلبية الفيلم قد أرسلت إلى لندن حيث عرض على القناة الرابعة البريطانية لمرة واحدة.. ومنذ ذلك الحين أصبح (دم الحسين) هو الفيلم رقم واحد في باكستان بعد أن هُرِّب عن طريق شرائط الفيديو.. الفيلم حاز إعجاب النقاد العالميين وكتبت عنه الصحف العالمية كثيراً، فضلاً عن مشاركته في الكثير من المهرجانات السينمائية.