الكاتب والمخرج المسرحي منير راضي: الإنسان محور أعمالي

353

محسن إبراهيم /

أعماله مزيج بين الخيالية والواقعية، على الرغم من أنه يميل الى الغوص في الرمزية، تاركاً المتابع يبحث ما بين السطور ليكتشف جمال النص. حرص على أن تكون الأعمال المسرحية ذات تأثير في حياة الإنسان وتطوره، بعيداً عن الآيديولوجيا، فهو يؤمن أن المسرح هو ابن المجتمع وسر قوته، وهو مجدد للقيم المثلى للبشرية.
.الكاتب والمخرج المسرحي منير راضي حلّ ضيفاً على مجلة “الشبكة العراقية” فكان هذا الحوار:
*كيف وضعت خطوتك الأولى في عالم الكتابة؟ ومتى اكتشفت ذلك؟ ولماذا قررت أن تكتب؟
– الكتابة هي القوة الوحيدة الكامنة القادرة على التغلغل إلى الأعماق، والتأثير في الإنسان، وربما قلب حياته رأساً على عقب. وتعد طريقة من طرق الإبداع، وإبراز المواهب، ولاسيما من خلال ما يعرف بفن الرواية، أو القصة، أو الشعر؛ إذ تساعد مثل هذه الفنون على تطوير شخصية الإنسان، فبمقدورها أن تجعل منه شخصاً موسوعياً، فيما لو كان من الأشخاص الذين يتميزون بتعدد اهتماماتهم. لذا مارست عملية الكتابة بعد ردح من الزمن، الذي توزع مقدماً بين القراءة والبحث والدراسة الأكاديمية. وكذلك بعد تجربتي في مجال التمثيل ثم الإخراج، وهكذا كانت الكتابة هي الكرسي الأخير ليكتمل ثالوث الإبداع -إن صح التعبير- حتى وصل الأمر الى أن أحصل على جوائز عدة في التمثيل والإخراج، وانتهاء بجوائز التأليف محلياً ودولياً.
مخاض كبير
* غالباً ما يكون المسرح متنفساً لطرح القضايا الاجتماعية والسياسية.. هل حرصت على معالجة تلك القضايا ؟
– في معظم الأعمال التي أكتبها، أحرص على أن تكون كينونتها الرئيسة هي الفسحة العامة للإنسانية، وما يدور في فلكها. أي أنني أنطلق من عموميات إنسانية كونية ليست لها حدود جغرافية معينة. أعمالي تخاطب الماضي وتربطه بالوضع المعاصر الراهن وما يحدث الآن، وماهي الآيديولوجيا التي لها مخاض كبير وممتحن في المجتمع الإنساني بصورة عامة محلياً وإقليمياً وعالمياً، وكيفية الحلول والمعالجات التي يجب أن تفك أسر الفرد في هذا العالم, إذن المسرح يجسد الواقع في صوره المتعددة، ويتوصل إلى حلول لمشاكل المجتمع.
* هناك من يفلسف المسرح، وهناك من يترك المسرح هو الذي يفكر..
– على الكاتب أن يفكر دائماً، وبشكل مغاير، عندما يتناول أبعاد مضمون فكرة العمل، الذي سوف يلجه بالخوض في معركته الفكرية المراد التصدي لها، سواء أكان ذلك في المسرح أو الرواية أو القصة أو حتى في اللوحة التشكيلية, الكاتب هنا يجب أن تكون لديه فكرة متقدة لغرض طرحها وبشكل مشاكس، يلف عمقها الفلسفي المتنوع في الأفكار، وماله وما عليه من معالجه ضمن منطوق طرحه للمشكلة، وعلى الكاتب أن يكون ابن واقعه ومعطياته، وفتح الزمن من دون أية تحديدات تقيد حريته، وأن يجد علاجاً لجوهر الفرد وموقعه في الكون ودوره في الحياة وعلى كافة الأصعدة وإبراز صياغة الصراع الذي يخوضه الفرد بين نوازعه وغرائزه وطموحه وبين الواقع المحيط به.
* هل هذا ما حدث مع مكبث؟ وهل حققت ثنائية الكاتب والمخرج في العملية الإبداعية؟
– لقد تناولت فكرة كتابة مسرحية (أنا مكبث) بشكل آخر يختلف تماماً وكلياً عما هو موجود في النص الأصلي لشكسبير، فمسرحيتي لا هي تناص، ولا هي استنساخ، ولا هي اقتباس، ولا هي تطبيع للنص الأصلي. إن فكرة مسرحية (أنا مكبث) تعد إسقاطاً حداثوياً مجلجلاً بحكمة لما يحدث اليوم، وفي عالم مستقبل الأجيال أيضاً، كلنا خَبرنا عوالم شكسبير الذي قيل عنه ذات مرة (لو جُمعت كل الأوراق التي كتبت عن شكسبير، لملأت الكرة الأرضية).. (أنا مكبث) قصيدة فيها سحر وإيقاع لذيذان، وهي بالتالي إسقاط لفلسفة الدم والقتل والكرسي والخباثة والدسيسة وضياع النبل، وإبراز القيم الشامخة التي تحصن المجتمعات وتقي البشرية من شرور أنفسنا.. (المهزوم إذا ابتسم، أفقد المنتصر لذة الانتصار). لكن هنالك ‏سؤالاً يدور، باقياً ومتجدداً: من هو المنتصر ومن هو الجلاد ومن هو المظلوم والظالم؟ ‏سؤال يطرحه نص مسرحية (أنا مكبث) الذي حافظت فيه على شكل اللغة الشكسبيرية لتوليد وخلق أجواء مماثلة للنص الأصلي، ليحقق النص مَآرِبه ضمن مفاهيم معاصرة بتشكيلة شكسبيرية، إنه نص شكسبيري عربي, وفعلاً امتزجت فيه حرفة الكتابة والتوجيه الإخراجي لهذا النص.
منهج رمزي
* إلى أي التيارات الإبداعية تميل عندما تكتب أو تخرج نصاً مسرحياً؟
– أنا اميل في منهجية كتاباتي الى المزج بين الخيالية والواقعية، والغوص بعض الأحيان في المنهج الرمزي، لذلك يجد القارئ صعوبة كبيرة في القراءة الأولى لمعظم كتاباتي، وبالتالي فهو سوف يغوص في عمق ما تحت السطور حتى يجد ما يبهره من الصورة البلاغية للحوار وتشفيراته وعمقه الإنساني، كذلك تبرز خواطر النفس في مجراها الحقيقي بعيداً عن كل رقابة يفرضها العقل بعض الأحيان، وفي النهاية فإن هذا الخليط في المنهجية سيقربنا أكثر الى المدرسة السريالية، وكذلك المدرسة الصوفية.
* أنت صاحب عقيدة، أم تكتفي بالنقد لموقع الخطأ ؟
– لا يمكن للفن -بصورة عامة- أن يكون مجيَّرا لتوجه معين، إن كان عقائدياً أوفكرياً محدداً، فكيف الحال عند الكاتب؟ ولو راجعنا كل تواريخ الإبداع في مجالات الكتابة في العالم، سوف لن نجد -إلا نادراً- ما يمكن أن يكون هذا التوجه، في المراحل الأولى من التكوين الأول للبشرية، ويمكن القول إن هذا قد حدث في الأمور الدينية على وجه الخصوص، ولكن سرعان ما تلاشى هذا المفهوم لاحقاً, فالكاتب هو ابن لسان الكونين: البشري والمجتمعي.
المسرح والمجتمع
* إلى أي مدى يستطيع المسرح العراقي، بوضعه الراهن، أن يعكس هموم وآمال المواطن والمجتمع؟
– المسرح، في الواقع العراقي، له تأثير كبير في بناء المنظومة المجتمعية الثقافية، وعلى مدى أكثر من قرن من الزمن كان له دور واضح في بناء المشهد الثقافي التوعوي, لقد كان تقبل الفرد العراقي للمشهد المسرحي بالغ الأهمية، لأنه كان يعد المتنفس الكبير لهمومه وقضاياه الإنسانية، فقد كانت له أرضية واضحة بالتأثير في بناء الإنسان والتطلع الى الآفاق الخارجية وتأثيراتها في قضايا مصيرية، كالبحث عن الحرية الفكرية, فقد جاء المسرح العراقي في غالبية أعماله معتمداً على لغة الترميز والتشفير، كما حصل قبل السقوط، وكانت أسبابه واضحة للعيان، التي تتعلق بالواقع السياسي وما يحمله من أفق المجهول في ذاك الوقت لعموم الشعب، الذي عاش عقوداً من القهر والاستلاب والتهميش والقمع والجوع. أما الآن فالمسرح العراقي أبوابه مفتوحة على مصاريعها كي يقوم بدور الرقيب ودور الموجه في بناء شخصية الفرد وعلاقاته في العالم الجديد الذي يحمل بين ثناياه الكثير من المحن والتقلبات، وأنا أؤكد على أن المسرح العراقي قادر أن يلعب الآن دوره الكبير في تحديد منظومة المجتمع من الناحيتين الإنسانية والثورية في آن واحد.
* “في المسرح وحده تجتمع الأمة”.. هكذا قال فولتير.. إلى أي مدى توافق أو تعارض ما ذهب إليه؟
– وهناك قول له أيضاً يقول فيه: “من الممنوع أن تقتل لأنه ستجري معاقبتك بسبب أن هذه جريمة، لكن في حال قتلت كثيرين من الناس فسوف تنجو من العقاب، بل سيجري تكريمك لأنك بطل في الحرب.” هنا يكمن التناقض في القول والتفسير, نعم، المسرح هو ابن المجتمع، وهو سر قوته، وهو مجدد للقيم المثلى للبشرية بصورة عامة، فهو يمثل كل الأجيال، اقصد هنا المسرح, إن الأمة التي فيها مسرح تجد فيها حياة دائمة باحثة ومتوهجة نحو الحرية والبحث عن الحقيقة على مدار العصور.