المايسترو زينب صبحي: “الشرق” يهمّش المرأة ولايعطيها دورها الحقيقي

962

علي الساعدي/

آلة الكمان المحمولة على كتفها ما أن تُطلق سراح التونة الموسيقيّة حتى تفوح معها رائحة الخبز المعجون بالطيبة العراقية، لتحكي عن حياتنا معزوفة قلوب تتلاصق فيما بينها مثل حيطان البيوت المحميّة بدعوات ست الحبايب، وتحيلنا الى مكابدات الوالد ،هذا الباذل للعطاء بلا حدود، يحرق سنيّ عمره كشمعة تضيء عتمة ليالينا وكل همّه بالدنيا أن يتباهى بعياله وماينجزون. في هذه العائلة وهذا المناخ نشأت المايسترو وأول دكتورة عراقيّة متخصصة بفلسفة الفنون الموسيقيّة زينب صبحي، وكبرت موهبتها في وطن تتربص سماءه خفافيش الظلام وهي تحاول خنق أنفاس لحن وجوده.

كانت لوالد زينب موهبة في كتابة الشعر وهو عضو اتحاد الأدباء والشعراء و يمتلك آلة عود يعزف عليها بعض الألحان ويغني بعض ما يحفظ من الأغاني، كتب الشعر والمقالات والنقد في موضوعات اجتماعية مختلفة في صحف خمسينات القرن الماضي وأعدَّ وقدّم برامج فنيةً وثقافية للإذاعة، وبتأثير من الوالد والوالدة المحِبة للثقافة والفنون ومع جهدهما الكبير الذي بذلاه، سار الإخوة على خط مشوارهما العلمي والفني.

عازفة بقامة وطن

منذ طفولة ألحانها حتى نضجها وبلدها مرّ ويمرّ بشتى الأزمات السياسية العصيبة التي أحرقت الكثير مما موجود فيه من بشر وخيرات، وقد حاولت لمرات عدة تثبيت بعض الأحداث التي تجري من حولها في مقطوعات موسيقية تجدها معبرة عن حدث ما، والقسم الآخر لم يكتمل طالما أنّ الحدث الذي تسعى لوصفه لم ولن ينتهي، إذن فموسيقاها الموجوعة تظل ممتدّة بلا نهاية.

زينب، الطفلة المميّزة التي أكملت الدراسة الابتدائية في مدرسة الموسيقى والباليه / القسم الغربي وتعلّمت في الحقل الموسيقي العزف على آلة الكمان بين يدي عدد من التدريسيين الروس والهنغار، ثم تخرّجت في قسم الفنون الموسيقية بكلية الفنون الجميلة / جامعة بغداد عام 1996م، وكانت الأولى على القسم لأربع سنوات متتاليات وبتقدير جيد جداً عالٍ، بعدها حصلت على شهادة الماجستير في العلوم الموسيقية من قسم الفنون الموسيقية بكلية الفنون الجميلة / جامعة بغداد عام 2003م وبتقدير جيد جداً عالٍ، ومن ثم نالت شهادة الدكتوراه في فلسفة الفنون الموسيقية من قسم الفنون الموسيقية بكلية الفنون الجميلة / جامعة بغداد عام 2016م وبتقدير امتياز، مع انّها عملت سابقاً محاضرة في معهد الدراسات الموسيقية / قسم البحوث والدراسات الموسيقية بين الأعوام 1996 – 1999م، وكانت عضو اللجنة الامتحانيـة ولجنة مناقشة بحوث التخرج ولجنة اختبار الطلبة الجدد في المعهد، وأيضاً عملت محاضرة في مدرسة الموسيقى والباليه بين عامَي 2001– 2003م، وكانت عضو اللجنة الامتحانيـة فيها، ومازالت اليوم تمارس عملها تدريسية في قسم الفنون الموسيقية بكلية الفنون الجميلة / جامعة بغداد منذ عام 2003م، وماتزال تقوم بتدريس العديد من المواد النظرية والعملية، كما كُلِّفت في القسم بمهام مقرر الدراستين الصباحيّة والمسائية والدراسات العليا، وكذلك مسؤول وحدة شؤون الطلبة وعضو لجنة اختبار الطلبة الجدد ومقرر اللجنة الامتحانية وعضو لجنة مناقشة بحوث تخرج الطلبة وعضو لجنة الإرشاد التربوي، وقيادة وتدريب مجموعة موسيقى الصالة.

معركتنا الأزليّة

تنظر الدكتورة زينب صبحي الى المرأة في العالم العربي على أنها عنوان جدلي كبير، وصار من الصعب على الإنسان في الشرق أن يكون امرأة، لأنّ مشكلة الشرق ومأزقه الأزلي أنه يهمّش المرأة ولايعطيها دورها الحقيقي وحقها في الحياة والعيش وتحقيق الذات والطموحات كالرجل، وتقول:”لا أعرف من أين جاءت هذه الأفكار البالية الخرقاء ولماذا تستمر، كما أجد من المُعيب ان نتحدث عن دور المرأة وحقوقها ونحن الآن في القرن الحادي والعشرين، فمتى نلحق بركب الحضارة العالمي، لاسيما أننا كنا أصحاب أول وأعرق الحضارات.
تمضي زينب قائلة: لا أبالغ إذا قلت إنّ الأصعب والأعمق وجعاً أن تكون المرأة الشرقية فنانة مثقفة وتلاقي بالتأكيد العديد من الصعوبات والمشاكل والمعوقات الاجتماعية لتحقيق ما تطمح للوصول إليه لمجرد أنّها امرأة، برغم أن المجتمع العراقي كان من أثقف المجتمعات وهذا ليس ببعيد، يعني أنا اتحدث عن المجتمع أواسط القرن العشرين، لكن للأسف تبدلت الأحوال مع المتغيرات السياسية التي حصلت في البلد وأدت الى تدهور بُنيته ليست الاقتصادية والمادية وما الى ذلك فقط، بل الاجتماعية والثقافية أيضاً. ولكن مع كل ذلك نجد العديد من الفتيات والنساء الفنانات الموسيقيات العازفات او المغنيات يقتحمن حاجز التخلف وينطلقن نحو آفاق رحبة واسعة لنشر فنهم وثقافتهم، علّنا نكون أحد خيوط النهضة الحضارية التي تغيّر مسار ثقافة المجتمع.

بصمة نسويّة

اشتركت الدكتورة زينب صبحي في لجنة إعداد مفردات وتأليف مناهج أقسام الفنون الموسيقية لمعاهد الفنون الجميلة في المديرية العامة للمناهج بوزارة التربية كونها عضو لجنة تأليف ( 10 ) كتب منهجية مختلفة العناوين لمعاهد الفنون الجميلة العراقيّة في العام 2011 – 2012م، وهي أيضاً عضو لجنة وضع الأهداف والمفردات لمـادة النشيد والموسيقى لمراحل التعليم العام كافة بوزارة التربية، وكذلك عضو اللجنة الاستشارية في دائرة الفنون الموسيقية لتدارس مسيرة الدائرة وصياغة أوراق أعمالها المُعدّة، كما أنّها عضو فرقة كورال دائرة الفنون الموسيقية وعضو فرقة عشتار الموسيقية التابعة لدائرة الفنون الموسيقية بوزارة الثقافة عازفة على آلة الكمان. كما اشتركت بأداء عدة قدّاسات احتفالية خاصة بالصَوم الكبير وعيد القيامة المَديد بالعزف على آلة الكمان مع الجَوْقات في الكنائس.

قلائد الفن

قامت بوضع التوزيع الموسيقي وتنفيذ الموسيقى والألحان والمونتاج لأعمال فنيّة عملاقة منها مسرحية (الحسين الآن) عام 2011م سيناريو وإخراج د. عقيل مهدي وتقديم طلبة وتدريسيي قسم الفنون المسرحية، وحازت على تكريمين من اتحاد الموسيقيين العراقيين في يوم (تكريم الموسيقيات المبدعات) عامَي 2009م و 2012م، وأيضاً تكريم من منظمة المثقفين الأكاديميين بمناسبة يوم المرأة العالمي عام 2011م. وكذلك كُرمت بقلادة الفنون والإبداع كونها أول امرأة تحصل على شهادة الدكتوراه في الموسيقى من قِبل السيد المشرف على أطروحتها الأستاذ الدكتور طارق حسون فريد، وحصلت على عدة كتب شكر وتقدير من رئيس جامعة بغداد ومن المساعد الإداري لرئيس الجامعة وعميد كلية الفنون الجميلة ومن رئيس قسم الفنون الموسيقية بكلية الفنون الجميلة ومن مدير عام دائرة ثقافة وفنون الشباب في وزارة الشباب والرياضة.