المخرج أحمد عبد.. قصتهُ الخامسة تحصدُ جائزةَ (إدفا)
محسن إبراهيم /
باتت صناعة الأفلام تحتل حيزاً واسعاً في أوساط الشباب. وبين واقع مُعاش وآخر مخفي بين السطور، وحكايات تروى، ومع تعدد القضايا والأحداث، تعددت أشكال التعبير. فهناك من يكتب وهناك من يرسم وهناك من أصبحت الكاميرا ملاذه للتعبير، باحثاً عن هامش للحرية في صناعة سينمائية بدأت تخطو خطواتها بنجاح.
ورغم تحمّس الشباب في العراق لهذه الصناعة، فإن غياب الدعمين الفني والمادي حال دون تحقيق حلم صناعة للسينما. وبالرغم من غياب الدعم برزت حالات فردية حققت حضوراً في المهرجانات العربية والعالمية، هذه التجارب التي كسرت حاجز الخوف وباتت محطات بارزة في شتى المهرجانات وحصدت جوائز عدة.
المخرج العراقي أحمد عبد وفيلمه (القصة الخامسة) حصد جائزة مهرجان (إدفا) السينمائي الدولي للأفلام الوثائقية في دورته الـ33 في أمستردام عاصمة هولندا متنافساً مع 11 فيلماً أخرى. ويمنح الاتحاد الدولي لنقّاد السينما، الذي أُسس في مدينة بروكسل البلجيكية عام 1930، جائزته العريقة في كل مهرجان سينمائي دولي لأحد صانعي الأفلام الواعدين.
قصة الخوف
أحمد عبد، المولود في بغداد عام 1994، كان مغرماً بقصص البسطاء الذين عاشوا حروباً عدة.
ومثله مثل أبناء جيله نشأ أحمد في العراق، حيث شهد موجات الدمار والصراع، وكان يفكر في مغادرة العراق، لكنه اختار توثيق قصص العراقيين البسطاء، إذ أن هناك تشابهاً وتناغماً بينه وبينهم، فالجميع عاش قصص الخوف والدمار.
بدأ حياته المهنية في المركز العراقي للفيلم المستقل، الذي يديره المخرج محمد الدراجي، وعمل مساعد مخرج تحت التدريب في فيلم (رحلة) للدراجي.
كتب نصوصاً سينمائية وقام بعمل المونتاج للعديد من الأفلام الوثائقية القصيرة لشركات مختلفة.
القصة الخامسة
فيلم (القصة الخامسة) يستغرق زمن عرضه 90 دقيقة، هو مخاض لتجربة عميقة ومريرة في آن واحد لأربعة عقود من الحرب والخوف والثورات، ويستند إلى قصص العراقيين البسطاء الذين شهدوا جميعاً الأحداث في تاريخ العراق الحديث.
يتحدث الفيلم كذلك عن الأجيال الشابة وعن مشاكلهم وآمالهم ومخاوفهم وأحلامهم.
يذكر المخرج أحمد عبد أنه كتب خمس قصص أثناء ليالي الحرب سنة ٢٠٠٣ وكان حينها في التاسعة من عمره، وقُتل أبطاله في أربعة من هذه القصص ليترك أوراق القصة الخامسة مبعثرة.
وبعد مرور سنوات على تلك الواقعة، يعود من جديد لروايتها هذه المرة بطريقته الخاصة، بلسان كاميرته التي وثق بها تلك العقود الأربعة.
يقول أحمد إن قصة الفيلم تبدأ بصبي يعيش في بادية الموصل تركته صور الجثث المحشوة في رأسه يعاني منعزلاً مع أغنامه، ثمّ تنتقل بنا القصة إلى جبال سنجار، فتُظهر لنا فتاة تبلغ من العمر ١٨ عاماً تحولت إلى مقاتلة منذ احتلال (داعش) مدينتهم، وصولاً إلى والده الذي يجلس منعزلاً في منزله محاولاً رسم وجوه الأشخاص الذين كان يدفنهم أثناء الحرب العراقية الإيرانية، منتهياً برَجل مُسن في السبعين من عمره يقطن وحيداً بين القطارات المهجورة، حيث تركته القطارات عائداً من الأَسر منذ ثلاثين عاماً أثناء الحرب العراقية الإيرانية.
قبل أن يتجه أحمد إلى كتابة القصة الخامسة وإخراجها، كان قد أنتج وأخرج كثيراً من الأفلام القصيرة، أهمها (عشّ الحرب)، و(صافيا)، و(طيور سنجار) الحائز على جائزة أفضل عمل صحفي في (بي بي سي) المقام في لندن.
عمل مساعد مخرج لأفلام طويلة هي (الرحلة ) لمحمد الدراجي و(شارع حيفا) لمهند حيال، وقد حصد الفيلمان جوائز وترشيحات في المهرجانات العالمية.
غياب الدعم
صُورت مشاهد الفيلم في العراق ولبنان، واستغرق إنتاجه أربع سنوات تحت ظروف قاسية، بحيث اضطر المخرج إلى بيع حاجياته، هو ومدير تصوير الفيلم، ليتمكنا من إكماله.
لم يجد أحمد من يساعده في العراق فاضطر للبحث عن جهات إنتاج خارجية، وقد تمكن من الوصول إلى المخرج الأميركي (جيمس لونكلي) الشهير بصناعة الأفلام الوثائقية، الذي ترشحت أعماله للأوسكار أكثر من مرة، فساعده في إيجاد منتج خارج البلاد.
أثناء رحلة البحث وجد أحمد المنتج السوري (لؤي حفار) وتبنت قناة الجزيرة الوثائقية العمل، فتكفلت بنفقات إنتاج الفيلم بالكامل، كما حصل الفيلم على دعم من مؤسسة (آفاق) التي تعدّ واحدة من أهم المؤسسات للدعم الفني في الشرق الأوسط، وعلى منحة من معهد (غوته) الألماني، كما اختير الفيلم عندما كان مشروعاً في مهرجان (كامدن) السينمائي في أميركا، كأفضل مشروع ومعه مجموعة قليلة جداً من الأفلام من بين ١٦٠ فيلماً حول العالم.