المخرج المصري عادل أديب لمجلة الشبكة: عملي في بغداد أحد أحلامي التي تحقَّقتْ

698

وليد فرحان /

القدر دفعه دون أخويه من عائلة السيناريست عبد الحي أديب إلى ساحة الدراما، يعترف وهو المنتمي لعائلة فن وسياسة أنَّه لم يكن لديه خيار آخر غير أن يكون فناناً، هيامه بعمله وموهبته الفذة في أكثر من مجال فني جعلت من الصعب تصنيفه ووضعه في خانة من خانات الفن.
عادل أديب المخرج والمنتج والموزّع والمدير لدور العرض والمشرف على المهرجانات والأسواق العالمية حضر في بغداد من أجل عمل فني هو الأول من نوعه منذ سنين طويلة، مجلة الشبكة التقت المخرج الكبير في كواليس العمل الجديد وحاورته في حديثٍ يتعدَّى حدود الفن والسياسة، حوار بأكثر من وجه؛ عن الفن والديمقراطية والربيع العربي والحكومات والمستقبل.
*أنتَ في بغداد لعمل تلفزيوني محاط بالسرية، لم يفصح حتى الآن عن مضمونه، حدّثنا عنه، كيف تمّ الأمر ولماذا قرّرت خوض مغامرة بعيداً عن بيت الدراما العربي الكبير؟
– أحد أحلامي أن أكون في العراق، بلد الفن والتاريخ، أنا مؤمن بأنَّ الفن ليس له وطنٌ وهو أكبر سفير في العالم للتواصل، تحمّست لعملي في العراق رغم الاعتراض على قدومي، أشعر بواجب تجاه قوميتي أن أكون هنا، أبغض الانفصال العربي واتطلّع لوحدة قادمة.
العمل درامي وسيكون أحد أعمال رمضان، وهو باختصار محاولة جادة لإعادة وحدة الروح العراقية والاهتمام بتاريخه وبثقافته، رغم المشاكل والدماء والخلافات الموجودة التي نشأت بسبب ما فات لكنَّ الوقت حان للاعتراف بما موجود في العراق والتعامل معه بسلام وحب.
*هل من الطبيعي أن يذهب المخرج إلى مجتمع آخر، لا يعرف عنه كثيراً ليقدّم دراما في نصّ مكتوب لمعالجة محلية؟ كيف تخرج من هذا المأزق؟ أليس من الأسهل اختيار مخرج عراقي؟
– النص يعالج أموراً مهمة، لذلك أحاول أن أتفهمها وأصل للشارع وأدخل في حوارات مع الجميع حتى أتفهم النص أكثر، الممثلون ممتازون وأعمل على معادلة بين الجيل الذهبي والجيل الوسط من النجوم وجيل جديد يعمل للمرة الأولى.
المجموعة المنتجة لهذا العمل طلبت تركيبة الممثلين هذه؛ بأجيالها المختلفة، اختيارهم لي كان من وجهة نظرهم لإحياء الدراما وبثّ روح جديدة فيها وهي محاولة لإعادة النجاح السابق للمخرج المصري ابراهيم عبد الجليل الذي أخرج أعمالا في العراق.
تابعت العمل السينمائي العراقي وأنا مذهول بالمستوى العالي للمخرجين لكن التلفزيون يحتاج إلى نهضة، التغيير في العمل الدرامي مطلوب.
عملت في 11 بلداً مختلفاً وأحبّ العمل مع فنانين من مختلف أنحاء العالم، خضت تجارب مماثلة، مسلسل “الريس قارصو” أحد أعمالي التي أخرجتها في الجزائر رغم حاجز اللهجة القوي، العراق ليس مجهولاً بالمطلق بالنسبة لي، أنا من عائلة لم تترك حديث السياسة اليومي، حتى اذا كانت المتابعة عن بعد تختلف عن رؤية الواقع، لكنّي حاولت تجاوز ذلك في حواري مع الإنتاج وفنيي الديكور والممثلين وطريقة تفكيرهم وفهمهم للدنيا، نزلت إلى الاسواق وأكلت في المطاعم الشعبية حتى اتعوّد على اللهجة وأفهم المجتمع أكثر، لا أعاني من اللهجة العراقية وهي قريبة من المصرية جدَّاً، أؤمن أنَّ اللغة مفتاح مهم لفهم الناس.
* فريق الإخراج الذي يساعدك في هذا العمل مصري؟
– مساعد المخرج فقط من مصر وبقية الفريق من العراق بما فيه كردستان، لدينا “مكس” جيد ومتنوّع، الفريق يضمّ أشخاصاً من إيران وسوريا أيضاً.
*هل كان القدر وحده الذي دفعك نحو الإخراج والإنتاج من عائلة عبد الحي أديب أم هناك سر آخر؟
– دفعني القدر للإخراج، كنت محبّاً للفن بشكل عام ولم يكن في بالي أن أكون مخرجاً، والدي كان “سيناريست” لكنَّ خطّه السيّئ جعله يعتمد عليّ في تبييض نصوصه، أنا انتمي لبيت فني أخرج منتجين ومهندسي ديكور وممثلين في الجيل الذهبي، ما زلت اتذكر فريد شوقي وهو يجلسني في حجره، اتذكر رائحة الورد في السينمات أثناء العروض، جاورنا في العمارة التي سكنّا فيها محمود المليجي وحسن الصيفي ومقر شركة دولار فيلم، وسط هذا الجو بالإضافة إلى الدراسة الاكاديمية لم يكن متاحاً لي الا أن أكون فناناً.
* الإخراج والإنتاج وغيرها، مارستهما بالتناوب وحصدت جوائز في المجالين، أيُّهما يستهويك وتستطيع معه تنفيذ رؤيتك؟
– عملي الفني يعتمد على الرسالة، كيفما تصل اؤديها، سواء بالإخراج والإنتاج أو أي فعل فني آخر، عملت مسرحاً للدمى والنسخة المصرية من مسلسل الأطفال العالمي “شارع سمسم”، أخرج حالياً مشاهد الأكشن والكرافيك في أهم مسلسل تركي تاريخي “بارباروس”، من بطولة أهم نجمين تركيين، في الوقت نفسه أنا في بغداد لإخراج عمل درامي.
* هل تراجعت السينما في مصر لصالح الدراما التلفزيونية؟ هناك مؤشرات عديدة على تقهقر السينما في سباقها مع الدراما؟ كيف ترى الأمر؟
– هناك معادلة بسيطة، تطلب من أحدهم أن يعمل طبق “سَلَطَة” لكن جميع خامات الطبق غير موجودة، الفن السابع سمّي بذلك لأنّه يتضمّن الشعر والمسرح والرواية والتشكيل وغيرها، مع تراجعها لا يمكن أن يجهز الطبق الفني “الدرامي”، كل ما يحدث في الدراما منذ السبعينيات، حينما تخلّت الدول عن أن تقف بجوار الثقافة والفن ورفعت يدها افتقدت الدراما إلى الأساسيات، في عصر مصر الذهبي تجد أحمد شوقي وبليغ حمدي وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ وإحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ، لا بدّ مع هذا الثراء الفكري أن تكون هناك سينما أو دراما بشكل عام، واكتملت بذلك خامات طبق “السَلَطَة”، الآن غير موجود هذا التكامل، لا أقول جيدة أو رديئة بل أين هي من الأصل، الفنون والثقافة إرادة دولة، حين طلب جمال عبد الناصر من ثروة عكاشة – وكان في إيطاليا – أن يصبح وزير الإرشاد “الثقافة”؛ رفض لأنّه ببساطة كان يريد سماع أوبرا هناك ولا شيء آخر.
* الشعوب العربية تعاني، أليس من حقّها الاعتراض، وبأي وسيلة يحق لها ذلك حتى لا تثير الشكوك وتخرّب الدول كما تُتَّهم في العادة؟
– أنا أرى أن المشاكل مع الشعوب وليس مع الحكام فقط، الشعب اليوم أكثر فساداً من أي حكومة فاسدة، لكنَّنا غير قادرين على النظر للمشكلة التي فينا، اذا كنت تختار لمجلس الشعب الشخص الخطأ فأنت أسأت إلى نفسك ولم تحفظ الأمانة، بدل الجلوس على الفيس بوك وتويتر وتجعل من نفسك فاهماً لكل شيء في الكون؛ عليك أن تكلّف نفسك عناء البحث عن الشخص الذي تنتخبه، هناك ناحيتان للمسألة، الحكومات تخطئ لكن الشعوب لم تتوقف عن الخطأ أيضاً.
*في العموم، لديك ملاحظات على صناعة السينما في بلدك رغم أنَّه الأغزر من بين الدول في الإنتاج، هل تتعلّق ملاحظاتك بالكيف لا بالكم؟
– ملاحظاتي تتعلّق بالكيف، بعض أعمال السينما سيئة جارية، واذا كان الطبيب يقتل إنساناً في غرفة العمليات فإنَّ الفنان قد يقتل شعباً كاملاً، الفن رسالة وليس وسيلة عمل.
*الجمهور يرى ما يريد أو بالمصري “عاوز كده”، جملة تتكرر وتسيطر على الكتاب والمخرجين والممثلين والمنتجين؟
– هذه جملة يراد بها “باطل”، الفيلم الجيد يفرض نفسه، فيلمي “عمارة يعقوبيان” لم يتعدَ حدود الصرف ومع ذلك “كسّر الدنيا” بتعبيرنا، العقل والعمل والموضوع تصنع السينما، هكذا ببساطة، تستطيع بـ”عشرة ساخ” صناعة فيلم جيد أو فيلم رديء، الفارق بالثقافة وفهم المجتمع واختيار اللغة المناسبة، السيناريو يأتي اليوم مليء بالأخطاء الإملائية، فتخيّل حجم المأساة.
*هل هذا السبب الذي دفعك لكتابة كتابين هما “قلوب الضالين فى طوائف الحشاشين” و”أحلامى”، اللذين كتبت فيهما معالجات درامية مفصلة لم تجد طريقها إلى الإنتاج؟
– طول عمري أكتب، أفكاري وخواطري حاولت أن أجعلها دراما، لكن المنتجين كانوا يرونها أعمالاً غير صالحة للدراما، تسع سنوات مدة كتابتي عن طائفة الحشاشين بأربعة أجزاء بالإضافة إلى معالجة تفصيلية لمخرج، هدفي أن أكتب عن خوارج الماضي ثم أكتب عن خوارج العصر الحديث، الناس تتحدّث عن الارهاب بومضات لكن لا تريد العودة إلى أصل التاريخ، طائفة الحشاشين هي أصل لكل الحركات المتطرفة، هناك 30 فكرة مكتوبة لديّ لكن لا يريد أحد أن ينتجهم.