المخرج عزام صالح: حوربت كثيراً لأني لا أقبل الخطأ

333

حوار: محسن إبراهيم /

بدأ حياته كفنان تشكيلي، لكنه وجد أن الرسم غير كاف لاستيعاب مخيلته، لذا تحول إلى التمثيل، ثم أكمل دراسته الجامعية في أكاديمية الفنون – قسم السينما – ليعمل بعدها مخرجاً في تلفزيون بغداد. الدراسة والقراءة المستمرة والاطلاع على مصادر مهمة وقراءة الرواية وعمله كمخرج منفذ لمخرجين مهمين، كلها أبرزت موهبته، ما شجع المنتجين على إعطائه الفرصة.
يتمنى أن يرى الفن العراقي قد خرج من دوائره الضيقة، وأن يوضع على سكته الصحيحة. عزام صالح كان ضيفاً على مجلة “الشبكة العراقية.”
* ما المحطة الفارقة التى كانت بمثابة البذرة الأولى فى نبتة المخرج عزام صالح؟
– لم تكن هناك علامة واضحة أو محطة فارقة، إذ أنني كنت أعيش طفولة بسيطة، لكني كنت أراقب كل شيء، وأصغي لمن يتحدث بفضول كبير، وكانت شاشة التلفزيون -ولا تزال- هي المنفذ للدخول الى عوالم كثيرة، كذلك اصطحابي الى السينما من قبل العائلة، وأخي الكبير بشكل خاص.
* كنت رساماً بالفطرة واتجهت الى المسرح.. هل وجدت أن الورقة المستطيلة أو الخاصة بالرسم غير كافية لاستيعاب خيالك؟
-عالم الرسم جميل لأنه يعتمد الدقة والحرفية واللون والتكوين، لكنك لا تستطيع أن تسحر المشاهد وأنت في بداياتك على المستوى التقني، فكان لا بد لك، وأنت تمتلك طاقة وخيالاً، أن تلجأ إلى شكل آخر للتعويض، وكان المسرح هو المتاح في المدرسة وكذلك في الفرق الأهلية، لكن المسرح لم يشفِ الغليل، لأن فيه من الافتعال الكثير، ولاسيما في الشكل، ولا أتحدث هنا عن أداء الممثل الدرامي وإنما عن السينوغرافيا من إضاءة وديكور.
* ما الذي يغريك في تجربة الإخراج.. وما طبيعة الإخراج الذي يشد اهتمامك؟
– كل شيء في الإخراج يغري، ابتداءً من النص الذي يحمل فكراً معيناً، وبناء الشخصية، والأحداث، ولاسيما عندما تختار الممثل واللوكيشن والموسيقى والزوايا والتكوين وقيادة الكادر الفني، وكيفية التعبير انطلاقاً من أن تضع نفسك أمام جمهور مختلف الثقافة سيراقبك، وقد يتفق معك ويصفق أو لا يرضى عما فعلته.
* يقال إن الإخراج التلفزيوني من أصعب أنواع الفنون، ماهي مقومات النجاح.. وكيف تتخطى الصعوبات التي تواجهك في هذه الظروف؟
– ليست هناك صعوبة في الإخراج التلفزيوني إذا كنت تمتلك الموهبة والدراسة ومتابعة الذين سبقوك من الأساتذة الكبار في الإخراج التلفزيوني أمثال كارلو هاريتيون، وعمانوئيل رسام، وإبراهيم عبد الجليل وغيرهم, الظرف الحالي يعد من أصعب الظروف، فالعراق بلد مخاضات وغير مستقر، وهناك الكثير من القنوات المؤدلجة، وليس هناك من يقابلها في قطاع الدولة، بل فضلاً عن أموال تصرف من خارج البلد لتمويل دراما ترسل رسائل لتغيير البنية المجتمعية، وكل هذا بدون سيطرة نوعية. لذا فإن المخرج العراقي يعيش معاناة كبيرة بسبب قلة الإنتاج ومنافسة مخرجين عرب من المحيط الإقليمي داخل بلده لأسباب إنتاجية وآيديولوجية.
* هل هناك فهم خاطئ لمعظم الأعمال الفنية؟ إن وجد هذا الفهم الخاطئ فما أشكاله وأبعاده في إنتاج الأعمال الدرامية؟
– ليس هناك فهم خاطئ، لكن الظروف الإنتاجية عسيرة، والوضع داخل العراق لا يشجع المستثمر لإنجاز مثل هذه المشاريع، كما أن الدولة أصبحت عاجزة عن الإنتاج بسبب الأحداث المتلاحقة وغير المستقرة، إذ أن الإنتاج يحتاج الى أموال وتبويب، وموازنات الدولة لم تقر لسنوات ولا يوجد في طياتها تبويب للإنتاج الدرامي.
* متى تخرج السينما العراقية من بوتقة تمويل الدولة؟
– عندما نفرز السينما عن المسرح، وتكون للسينما هيئة خاصة تعنى بها في كل محافظات العراق، ولكن بعد تخصيص دعم وميزانية في بادئ الأمر، ومن ثم تسهيل الاستثمار في السينما للمنتج والاعتراف بأن السينما صناعة حالها حال أية صناعة أخرى، ووضع ضريبة على صالات العرض سنوياً، وضريبة لإنشاء الصالات وفحص كل ما يدخل من أفلام الى البلد كسيطرة نوعية ودعم الشباب بشكل خاص جداً.
* الدراما العراقية الآن في معظمها غير مرتبطة بالواقع، والتأثير التركي يكمن في غالبية الأعمال..
– نعم أحسنت.. هذا سؤال مهم، فإن غالبية ما يدخل إلينا من أعمال هي في واقع حالها لا تمثل الواقع العراقي، لا كشخصية ولا بيئة ولا قصة، علماً بأننا نمتلك من القصص والأحداث الى ما لانهاية، إذ نمتلك روايات ممتازة وتاريخاً كبيراً، وكل ما يقدم من خلال بعض القنوات التي تمول من خارج البلد هو لتهديم بنية المجتمع العراقي المتماسك رغم كل الظروف.
* على الرغم من غنى العراق وثراء إرثه الحضاري، إلا أنه يفتقر إلى الذاكرة المرئية.. ما السبب في ذلك من وجهة نظرك كمخرج؟
– ليس هناك تخطيط، وكل شيء يقاد بشكل عشوائي محاصصاتي، او يقاد بإرادات خارجية، هناك افتقار الى التخطيط في بناء الإنسان ثقافياً ليكون فاعلاً في العالم، لكننا اكتفينا فقط بمحليتنا وصراعاتنا، ونسينا أننا نمتلك شعراء وكتاباً وسياسيين ورياضيين وأبطالاً وتاريخاً يمتد من سومر وحتى الآن، كما أن الجيل الجديد يعاني من قلة المعرفة بذاكرة البلد بتأثير السوشيل ميديا.
* أمطار النار، وسيدة الرجال، كانا من أفضل الأعمال.. هل فتح هذا النجاح الباب لتحييد عزام صالح من قبل بعضهم؟
– نعم، فقد حوربت كثيراً لأني لا أقبل الخطأ و(التلزيك)، وهناك من كان ينتفع بذلك التلزيك، حتى أنهم أخذوا مني نصوصاً لكتّاب كنت قد اشتغلت عليها، ووقفوا في محافل أخرى يشوهون طريقة عملي، ولا تزال هذه الحرب مستمرة لحد الان، ليست معي فقط، فهناك غيري من المخرجين يعانون نفس المعاناة.
* هل ما زالت لديك أحلام وطموحات.. وهل أنك فعلاً تتمنى تحقيقها، أم أنها مجرد أفكار، وما هي تلك الأحلام والطموحات؟
– الطموح يتجدد مع النفس، وكذلك الأحلام. ونحن ننتظر التغيرات في الاهتمام بالثقافة، والسينما بشكل خاص. لدي مجموعة من السيناريوهات أتمنى أن ينتج بعض منها، كما أني عاكف على كتابة سيناريوهات واطئة التكلفة، وهي أفلام شباك تعيد لنا جزءاً مما نطمح إليه مستقبلاً، ويبدو لي أن هذه الطريقة هي الأنسب في الوقت الحاضر للنهوض بالسينما بعيداً عن مؤسسات ميتة تضع العصي في عجلة إنتاج المبدعين.