المخرج محمد علي سعيد: فيلم (موصل 980) رمزٌ لحقبة وحشية ستتذكرها الإيزيديات طويلاً

1٬127

 مرتضى البهادلي /

دخوله للسينما كان من بوابة الأدب والكتابة، حصل على جائزة “حميد سعيد” الإبداعية عام ٢٠٠١ كأفضل شاعر، بعدها اتجه للكتابة في المسرح وحصل على جائزة الشارقة للإبداع كأفضل مؤلف مسرحي عام ٢٠٠٩، بعد وصوله لأمريكا حاول أن يتجاوز المحن التي مرَّ بها في بغداد،لينشئ أول مدرسة للسينما في أمريكا تحت مسمى «أنكي»، وقد استلهم هذا الاسم من أحد الآلهة السومرية. قدم في هذه المدرسة الكثير من الأعمال السينمائية كان آخرها فيلم (موصل 980) الذي حدثنا عن تفاصيله.
* لفلمك (الموصل ٩٨٠) أصداء طيبة في الأوساط الثقافية، حدثنا عنه؟
– فيلم (موصل٩٨٠) يروي قصة فتاة إيزيدية بعمر ١٧عاماً تحاول الهرب من مقاتلي داعش في الموصل أثناء عمليات التحرير التي قادها الجيش العراقي ضد داعش عام ٢٠١٦، الفتاة تعلق وسط منطقة اشتباك مسلح بين الجيش العراقي وداعش، فتضطر إلى التنكر بزي داعشي لتتمكن من مغادرة الموصل لكنها لا تجد وسيلة سوى استخدام سيارة عسكرية مفخخة! هذه هي ثيمة الفيلم الأساسية ومن خلالها نتعرف على رحلة الفتاة من أجل أن تنجو من داعش.
* كيف أُنتِج الفيلم؟ وأين عُرض أول مرة؟
– الفيلم من إنتاج أكاديمية (إنكي للفيلم) وهي مؤسسة أمريكية، إضافة إلى شركة (عشتار عراق) للإنتاج السينمائي و(مدينة الفن) للسينما والتلفزيون، عرض الفيلم في مهرجان برلين السينمائي في عرضه العالمي الأول وهو إنجاز مهم للسينما العراقية والعربية.
* قصة الفيلم هل هي حقيقية أم من الخيال؟
– لا أعرف حقاً أيهما أكثر وحشية الواقع أم الخيال؟ لست متأكداً من الإجابة لكن الأكيد أن حجم العذاب الذي تعرضت له النساء الإيزيديات لا يمكن تصوره أبداً. الفيلم يناقش محنة النساء اللواتي تعرضن للاختطاف والاغتصاب على أيدي ارهابيي داعش بعد سيطرتهم على مدينة الموصل عام ٢٠١٤، هل القصة حقيقية؟ لا أعرف حقاً! لكني حاولت قدر الإمكان استخلاص القصة من بين عشرات القصص التي سمعناها أثناء كتابة السيناريو للفيلم.
* أين صُوِّر الفيلم؟ ولماذا هذا الاسم؟
– صوّرنا الفيلم في مدينة الموصل وتحديداً قرب الحدباء، حاولنا الاستفادة من موقع التصوير لنقل الواقعية وتقريب المشاهد من الأجواء التي كان أهالي الموصل يعيشونها تحت حكم داعش، في الفيلم تظهر لوحة السيارة التي يستخدمها داعش لنقل النساء المخطوفات ورقم اللوحة هو (موصل ٩٨٠) فالاسم هو دلالة على عمليات خطف النساء التي كانت شائعة بعد سقوط المدينة بيد داعش. عنوان الفيلم رمز لحقبة وحشية ودموية سيظل أثرها في نفوس النساء الإيزيديات طويلاً.
* ما المدة التي استغرقها تصوير الفيلم؟
– استغرق تصوير الفيلم ستة أيام في مدينة الموصل، لكن الإعداد للفيلم وإنجازه استغرق عامين متواصلين من أجل الخروج بفيلم احترافي ينافس في السينما العالمية ويقدم المحتوى العراقي بجودة تضاهي الأفلام الأجنبية.
* حدِّثنا عن آلية اختيار الممثلين، ولا سيما بطلة الفيلم؟
– الممثلة الرئيسية في العمل (رضاب أحمد) التي لعبت دور الفتاة الإيزيدية اختيرت بعد تجربة أداء متميزة قدمتها، وهي طالبة في معهد الفنون الجميلة ببغداد، وهنا عليَّ الإشادة بها والتذكير بأن قبولها العمل تطلب شجاعة كبيرة منها، فلقد توجب عليها أن تذهب إلى موقع تصوير في الموصل القديمة ما يزال تحت النيران وضمن منطقة عسكرية ما تزال المعارك تدور فيها، استغرقت البروفات ثلاثة أسابيع مكثفة بعدها كانت جاهزة لتؤدي دورها بإتقان. الممثل الذي لعب دور الجندي هو المخرج الصديق (مهند حيال) ورغم انه لا يظهر بوجهه في الفيلم بسبب متطلبات دوره، واعتمدنا على أدائه الصوتي، فقد كان له تأثير مهم في نجاح الفيلم، فقد أجاد العمل وكنا سعداء بالنتائج، أما بقية ممثلي الأدوار الثانوية فقد استعنا بهم من السكان المحليين.
* ماذا عن سيناريو الفيلم؟
– كُتب السيناريو بنظام الورشة مع السيناريست العراقي مصطفى الركابي، استغرق الموضوع أكثر من عام، أنا ومصطفى كتبنا أكثر من سبع نسخ مختلفة عن الفيلم، كنا نحذف ونضيف ونبدل باستمرار حتى بعد أن وصلت لبغداد قادماً من أمريكا من أجل بدء تحضيرات التصوير، مع تفهم تام من مصطفى الركابي قمت بعمل ورشة مكثفة مع المخرج ياسر كريم والمخرج مهند حيال والمخرجة هدى الكاظمي من أجل مراجعة النسخة الأخيرة والوصول لأفضل الحلول الفنية وهذا قلق مشروع وحرص على تقديم منجز محترف وفق قواعد السينما العالمية.
* أبرز المعوقات التي واجهتموها أثناء التصوير؟
– كانت ظروف تصوير الفيلم استثنائية وتحمَّل فريق العمل ضغطاً هائلاً من أجل إنجاز الفيلم، لقد وصلنا إلى مدينة الموصل بعد تحريرها من تنظيم داعش بمدة بسيطة وكانت المدينة تحت طوق أمني عسكري صارم ولا يسمح لأحد بالدخول إليها بسبب استمرار المناوشات بين الجيش العراقي وبعض ارهابيي داعش الذين ما زالوا يخرجون من الأنفاق، وبعد مفاوضات عسيرة مع قيادة الجيش العراقي حصلت الموافقة أخيراً على السماح لنا بدخول مدينة الموصل وتحديداً الجانب الأيمن، قرب الجامع النوري (الحدباء)، كانت المدينة محطمة بالكامل والشوارع مليئة بجثث ارهابيي داعش، وكذلك السيارات المفخخة التي بعضها لم ينفجر حتى لحظة وصولنا، كانت الكهرباء مقطوعة تماماً فلم نجد حلاً سوى التصوير نهاراً على ضوء الشمس، في اليوم الثاني تعرضنا لانفجار عبوتين ناسفتين كانتا مزروعتين على جانب الطريق، تعرض الجنود المكلفون بحمايتنا لإصابات بالغة ونجونا بأعجوبة من موت محقق! لكن الفريق أصر على إنجاز الفيلم وهذا ما حصل فعلاً.
* ما أبرز الجوائز التي حصل عليها الفيلم؟
– منذ انطلاق الفيلم والمشاركة في المهرجانات العالمية حصل على خمس جوائز دولية كأفضل فيلم قصير، الجوائز توزعت بواقع جائزتين من بريطانيا وجائزتين من أميركا وجائزة من ألمانيا.
* كيف وجدت ردود أفعال الجمهور بعد مشاهدة الفيلم؟
– في العرض الأول للفيلم في مهرجان برلين السينمائي كان الإقبال رائعاً وبيعت التذاكر كلها وشهدت قاعة العرض حوارات مميزة عن الفيلم ومحنة أولئك النساء، وهذه مهمة ليست سهلة لطرح موضوع شائك ومعقد لجمهور غربي لا يعرف الكثير عن النساء الإيزيديات، يسعدني أني قدمت القضية أمام الجمهور الأوروبي لكن شخصياً يهمني موقف المجتمع الإيزيدي من الفيلم وكيف تم تقديره، وصلتني عشرات الرسائل من عائلات فقدت بناتها تشكرني على صناعة الفيلم الذي سيسهم في الترويج لقضية تلك الفتيات المختطفات.
* حدِّثنا عن الترشيح للأوسكار؟
– واحدة من أعظم اللحظات التي فاتتني في بغداد هي لحظة إعلان وزير الثقافة الدكتور عبد الأمير الحمداني اختيار فيلمي (موصل٩٨٠) مرشحاً رسمياً للعراق في مسابقة الأوسكار. الإعلان كان تكريماً لجهود طاقم عمل صنع فيلماً في ظروف خطرة واستثنائية وتناول قضية حساسة ما تزال آثارها تدمي قلوب الإيزيديين خاصة والعراقيين عامة، الترشيح خطوة أولى في طريق طويل في مسيرة الأوسكار من أجل الوصول للقائمة القصيرة والتنافس على الجوائز، اللجنة المسؤولة عن دعم الفيلم برئاسة الموسيقار نصير شمّة تضع الخطط الآن لضمان قيام حملة وطنية كبيرة للترويج للفيلم وتقديمه للأوسكار، الحملة ستشمل إقامة عروض خاصة في مدينة لوس انجلوس لمدة سبعة أيام حسب شروط وضوابط الأوسكار التي تفضل عرض الفيلم في قاعات عامة للجمهور الأمريكي للمشاهدة والتقييم، إنها رحلة طويلة ستستغرق أشهراً من التحضيرات والعروض نتمنى أن تنتهي بحصولنا على مقعد في القائمة القصيرة ليكون (موصل ٩٨٠) أول فيلم عراقي يصل الى نهائيات مسابقة الأوسكار.