المسرح والأستوديو..خلافات الطقس والتقنية وفوارق الرؤى

650

صلاح حسن/

لا يستطيع الأستوديو أن يكون بديلا للمسرح ولا يمكن أن يحل محله لا الآن ولا في المستقبل لأنه نسخة مزيفة من المسرح، لا يعني هذا أن لا أهمية للاستوديو فهو نتاج الحياة المعاصرة لكنه لن يكون بديلا للمسرح ووظيفته تختلف بين وقت وآخر.

هناك فرق كبير وشاسع بين الطقس وبين التقنية. يمكن أن يصلح أي مكان ليكون مسرحاً على خلاف الأستوديو المقيد بتقنياته ومباشرته. نستطيع أن نجعل من المسجد أو الكنيسة مسرحاً كما هو حال الشارع والمقهى، وكذلك أن نجعل من الباخرة والطائرة مسرحاً وهذا ما لا يستطيعه الأستوديو.

الوظيفة والرؤية

عندما نقول مثل هذا الكلام فإننا لا نقصد بذلك مفهوم المكان وحده، بل الشكل والوظيفة والرؤية والسياق وحتى اللغة المستخدمة في كلا المكانين، فالحكاية التي تقدم على المسرح لن تكون الحكاية نفسها لو قدمت في الأستوديو. والمشاهد نفسه الذي سيحضر الحكاية في المسرح والأستوديو سيرى شيئين مختلفين تماماً في الشكل والرؤية والسياق الذي تتم فيه طريقة تقديم الحكاية حتى لو كان الماكياج والملابس والإكسسوار نفسه.
إذا اخترنا موضوعاً غير الحكاية أو القصة الدرامية مثل الحوار مع شخص معروف مثلا ونقوم بعرض هذا الحوار نفسه بطريقتين الأولى من على المسرح والثانية في داخل الأستوديو، فما الفوارق التي قد نحصل عليها من جراء ذلك؟ سيقول البعض منا لن تكون هناك فوارق سوى إن الأستوديو جعل هذا الشخص المعروف اقرب لنا نحن الحاضرون لمشاهدته. هذه هي فضيلة الأستوديو على المسرح لأنه قرب المسافة بين الناس وجعلهم يجلسون على طاولة واحدة وعلى مستوى واحد من الأهمية كبشر من دون أن يلغي أهمية الأشخاص ومنجزاتهم.
اختلاف التقنيات
لكن ذلك يعيدنا مرة أخرى إلى المقارنة بين المسرح بوصفه طقساً وبين الأستوديو بوصفه تقنية وما يترتب على هذه المقارنة من اختلافات وتماثلات بين المسرح والأستوديو، بين العمل الفني “الطقس” والعمل الإعلامي “التقنية”. يأخذ الأستوديو من المسرح كل شيء تقريبا ولكنه لا يستطيع أن يأخذ طقوسيته، على هذا الأساس لا يستطيع الأستوديو أن يكون في الطائرة أو الباخرة على خلاف المسرح، لأنه ليس بحاجة إلى أي شيء سوى جسد الممثل. يقدم المسرح بوصفه طقساً خيارات كثيرة لكي نصنع من أي شيء مسرحاً وفي أي مكان، لكن الأستوديو يحتاج إلى أشياء كثيرة جداً لكي يكون أستوديو.

جمال المسرح

لا نريد أن نقلل من قيمة الأستوديو حينما نتحدث عن علاقته بالمسرح لأن الوظيفة التي يؤديها الأستوديو إخبارية وتفتقد إلى المتعة الجمالية التي يوفرها المسرح. التأثير الذي يتركه الأستوديو على المشاهد آني وسريع وهذا هو الهدف من وجوده، في حين إن التأثير الذي يخلفه المسرح يبقى طويلا في الذاكرة، وعودة سريعة إلى مسرحيات شكسبير على سبيل المثال تعيدنا إلى العصر الإليزابيثي برمشة عين. الأستوديو بلا ذاكرة، المسرح هو الذاكرة.

مفارقات

كيف يجلس الناس في الأستوديو وكيف يجلسون في المسرح؟ لا يتيح الأستوديو أي لقطة تفوته فهو بمثابة عين تراقب وتسجل كل شيء ومن هنا يتحول إلى منطقة خطرة لرصد الأخطاء وتدوينها، بل وتحويلها إلى وثيقة لا تقبل النقض. في المقابل يستطيع العاملون في الأستوديو إعادة تسجيل أي مادة وتشكيلها بالطريقة التي يريدونها لتظهر خالية من الأخطاء تساعدهم في ذلك التقنية التي يقوم عليها الأستوديو. في المسرح يجلس الناس بالوضعية التي يريدونها لأنهم غير مراقبين، إنهم هم المراقبون لأنهم يتابعون أناسا يكادون أن يكونوا عراة أمامهم “الممثلين”. وهنا تكمن مفارقة أخرى، إذ إن الممثل على المسرح يبذل أقصى ما يستطيع لكي يكون مقنعاً وصادقاً ومؤثراً، على العكس في الأستوديو الذي يظهر فيه بعض الناس الذين يبذلون أقصى ما يستطيعون لكي لا تظهر أكاذيبهم وحيلهم.