الملحن كوكب حمزة لـ”الشبكة”: أغانينا وجع حقيقي

1٬215

علي السومري /

ملحن عراقي كبير، ولد في محافظة بابل عام 1944، درس في معهد الفنون الجميلة وأكمل دراسته في معهد الدراسات الموسيقية في جامعة كييف بالاتحاد السوفيتي سابقاً، قدم ألحاناً مهمة في ستينات القرن الماضي وأصبح أحد النجوم الساطعة في سماء الأغنية العراقية، لحّن لمطربين عدة بينهم مائدة نزهت وفؤاد سالم وسعدون جابر وحسين نعمة وفاضل عواد، وكانت ألحانه في (محطات، يا طيور الطايرة، الكنطرة بعيدة، يا نجمة، تانيني)، من بين أشهر الأغاني التي لحّنها وترسخت في الذاكرة الجمعية للجمهور العراقي، إنه الملحن كوكب حمزة، الذي التقيناه في أربيل وكان لنا معه هذا الحوار الذي ابتدأناه بسؤال:
* أستاذ كوكب، هل تحققت نبوءتك وأصبح العمر بالنسبة لكَ مجرد (محطات)؟
– للإجابة على هذا السؤال، لا بد أن أستذكر المقبور صدام حسين حينما استخدم القنابل الكيمياوية على الشباب هنا في كردستان، كنت أسير حينها في سوريا حين استوقفني شاب وقال لي: هل يمكنني أن أسألك سؤالاً؟ فقلت له: تفضل، فقال: (الله لا يوفقك على هاي النبوءة) فقلت له أية نبوءة؟ فقال: (مال صار العمر محطات)، فقلت له: أنتَ الآن في أي محطة؟ فقال: الأولى، فقلت له سترى الكثير من المحطات بعدها. وفعلاً صار العمر (محطات، والكنطرة بعيدة، ويا بنادم)، والكثير من الأغاني التي اشتهرت، كان مصدرها شعورنا آنذاك بأن العراق ليس وطناً لنا، وطن كانت تستحوذ عليه (عِصابة) أحرقته، ونحن كنا حطباً لا غير وكائنات غير محترمة، وهو مرد عدم وجود إحساس بالوطن لدينا، هذا الإحساس هو سبب إنتاج هذه الأغاني الموجوعة التي لا أعتقد أن أي شاعر أو ملحن يتمنى أن يكتبها أو يلحنها، أولاً لأنها وجع حقيقي، وليس بيننا من هو (مازوشي) لكي يتمنى هذا الوجع ويتلذذ به.
* ما سر ابتعادك عن التلحين، وكيف ترى الأغنية العراقية اليوم؟
– الأغنية في العالم أجمع تمر بلحظة انحطاط فظيع، وليس الأغنية العراقية أو العربية وحدها، قرأت يوماً – إن لم تخني الذاكرة – كتاباً بعنوان (علم جمال الـCIA)، وكان جوهر فلسفتهم هو إيذاء المتلقي، عبر تغذية التوتر، بعيداً عن الاستمتاع أو الاستفادة الثقافية والمعرفية، وهذا ما يجري الآن على كل ساحات العالم، نحن الآن في خضم ثقافة الـ (CIA) بكل معنى الكلمة، أي بالتالي ثقافة القرف والإيذاء، وثقافة التجهيل وتدمير الآخر.
* ومن ضمنها الذائقة العراقية تقصد؟
– بل ذائقة العالم أجمع، لأن الأغنية، والموسيقى تحديداً، هي أسهل أداة فنية للاحتفاظ بها وتسجيلها، وفي هذه السهولة يكمن خطرها، لأنها مشاعة بين الناس وتلعب دوراً خطيراً بين الناس.
* غادرت العراق مضطراً بسبب الديكتاتورية، ما الذي أضافه الاغتراب إلى كوكب الملحن؟
– لأتحدث أولاً عن الخسارة قبل الإضافة، لا أعتقد أن شخصاً اُقتلع من جذره وعشّه ومن وطنه وبيته ومن أهله يمكن أن يكون شخصاً متوازناً، ويكون منتمياً للحياة بشكل طبيعي مثلما كان في وطنه الأم، طبعاً هذا الجانب السلبي، المرافق لإحساسك بالغربة والمتاهة، ولكن الاغتراب يجعلك تحتك بموسيقى جديدة مختلفة وثقافة جديدة أيضاً، وشعوب وألوان موسيقية وغنائية أخرى، هذه تضيف قطعاً، ولكن هذه الإضافة تأتي مصاحبةً لهذا الخراب، خراب الاغتراب الحقيقي والشعور المتواصل بالغربة.
* أنت من المتواصلين مع ما يجري في العراق، وشاركت أيضاً في بعض التظاهرات التي حدثت في العاصمة بغداد، ما الرسالة التي أردت إيصالها؟
– كل حلمي أن نساهم في بناء بلدنا، كل حسب مقدرته واختصاصه، وحلمي هو أن تزاح هذه الغُمّة عن الوطن، وتتم محاسبة الفاسدين واللصوص، حلمي الوحيد أن يعود للعراق وجهه المشرق ويعود إليه عشاقه الذين ضحوا من أجله وقارعوا الديكتاتورية والبعث، للمساهمة باسترداد عافيته واستنهاض روحه الحضارية والجمالية.
* كيف ترى موقف المثقف العراقي على مستوى بناء المجتمع، الذي نتمناه كمجتمع متوازنٍ يقبل بالتعددية الفكرية، موقف المثقف في كتاباته وشعره ومسرحه وسينماه؟
– بالرغم من كوني لست مطلعاً مثلك، فأنت موجود في داخل العراق، لكنني لم أسمع أصواتاً مهمة إلا من قلّة من الأصدقاء المثقفين الشجعان، لكن خراب العراق مخطط له تخطيطاً كاملاً، ووجود هذه الأصوات الحقيقية هو ضرورة، لكن ما يؤسفني حقاً أنها غير مؤثرة لا في الساحة السياسية ولا الثقافية ولا الفكرية ولا حتى الاجتماعية، ولكنني سعيد لوجود هذه الأصوات الحرة الرافضة لهذا الخراب.
* لكنك أحد كبار الملحنين، ألا تشعر بأن العراق بحاجة إليك اليوم، لتساهم مع الملحن العراقي الكبير محسن فرحان الذي بقي وحيداً في العراق وهو يحاول المحافظة على جمال الأغنية العراقية وأصالتها؟
– حلم العودة للعراق هو حلمي منذ أربعين سنة، لكنني أعرف جيداً أنني إن عدتُ لن أستطيع تقديم أي شيء، أو بالأحرى لن يتركوني أقدم أي شيء، وربما ستتم مضايقتي أو حتى تصفيتي كما حدث مع خيرة مثقفي العراق، وأنا لست خائفاً من هذا المصير، لأنني أعتقد أن وصولي لهذا العمر هو مصادفة، إذ كان يمكن قتلنا في كردستان أو اغتيالنا في زمن (صدام) لكننا نجونا، لهذا أقول أنها مصادفة أن نبقى على قيد الحياة بالرغم من كل ما مر بنا وبالعراق من ظروف.
* سؤال أخير عن جديدكَ، ما مشاريعك الأخيرة؟
– طبعاً كنت قد تركت التلحين منذ ما يقارب الثماني سنوات، لم أمسك فيها العود لأجل التلحين، وهو رد فعل طبيعي بسبب اليأس والخراب الموجود، وما يجري في سوريا التي أعشقها جداً، أما الآن فأنا أحاول العمل على نصّ أعدّه تحدياً لي، نصّ (نصوري) باللهجة الشعبية السورية التي أحبها، نصّ جميل للشاعرة الرائعة ديما قاسم، أحاول فيه أن يكون اللحن بمستوى النصّ وجمالياته.