الموسيقى الموصلية نكهة متفردة وتاريخ زاخر بالابداع

1٬137

أحمد مختار/

للموسيقى الموصلية تاريخ عريق تراكمت تجاربه تنوع الحضارات في هذه المدينة الكبيرة، إذ تمتد جذورها الى العصر الاشوري حيث اسست اول فرقة”اوركسترا” مرورا بالعصر العباسي الذي لمع فيه فنان الموصل الشهير ملا عثمان الموصلي.

شكلت الموشحات الاندلسية المبنية على المقام العراقي خصوصية للموسيقى والغناء الموصلي، واعطته نكهة منفردة، كانت ثمارها مئات الاف من الاغنيات الرائعة التي ذاع صيتها في العالم العربي…

أول ذكر لمدينة نينوى «الموصل» عبر التاريخ جاء في 1800 ق.م. حيث بناها القائد الآشوري نينوس وعند بزوغ فجر المسيحية أعتنقها الآشوريون وكانت مدينة الرهبان والمدارس اللاهوتية والباحثين. وجود الشعوب العربية ذات الجذور الآرامية يعود إلى مملكة «الرها» وإلى الكنعانيين وإلى دولة المناذرة التي حكمت جنوب العراق منذ 800 سنة قبل الميلاد تقريباً وكانت تحت حكم الإمبراطورية الآشورية.

تسمية الموصل

أول اسم لمدينة الموصل كان (ماشيل) وهو اسم بابليّ ولما احتلها اليونانيون أصبحت تلفظ (موسيل) ثم تطور إلى «موصل». ويرجع أكثر المؤرخين تسميتها بهذا الاسم لأنها وصلت بين دجلة والفرات، ويرى بعضهم الآخر أنها سميت بذلك لأنها وصلت بين العراق والجزيرة ويرى آخرون لأنها وصلت بين الشرق والغرب.

تراكم ثقافي

مدينة بهذا العمق التاريخيّ لابدّ أن تتراكم فيها تجارب الشعوب والحضارات التي سكنتها وتبرز تأثيراتهم على المشهد الثقافيّ والفنيّ وبأسماء خلّاقة في عالم الفن والثقافة حيث يعود تاريخها الموسيقي إلى أول فرقة أوركسترا في التأريخ أُسست في العصر الآشوري مروراً بالمغنيّ إبراهيم وابنه إسحاق الموصلي زمن العصر العباسي إلى يومنا هذا.
وعبر تأريخ المدينة ظهرت أسماء مهمة في عالم الموسيقى العربية والعراقية. ولو أتينا إلى العصر الحديث سنجد أن أول ما يتبادر إلى الذهن هو شيخ المغنين العرب ملا عثمان الموصليّ (ولد 1854 ت 1924) وهو قارئ وشاعر وعالم بفنون الموسيقى وواضع أسس الأغنية الحديثة والذي تتلمذ على يده فنان سوريا أبو خليل القباني وفنان مصر سيد درويش وأخذ منه الأخير عدداً من الألحان الدينية ووضعها في إطار الإنشاد العاطفيّ مثل أغنية «زوروني في السنة مرة» و»طلعت يا محلى نورها» وأغنية «البنت قامت تعجن بالفجرية».

الموصل والمقام العراقي

تراث مدينة الموصل الموسيقيّ مبنيّ على المقام العراقي بخصوصية موصلية وعلى الموشحات العباسية الأندلسية بشكل أساس، متأثراً بالموروث النغمي الذي استُمدّ من كل القوميات العراقية مثل العربية والآشورية والكردية والتركمانية. ولذا نرى أن المقام العراقي له نكهته الموصلية من حيث اختلاف القطع والأوصال الداخلة فيه ونوع الشعر العاميّ والفصحى المستخدم والإيقاعات المركبة والبسيطة المرافقة للشعر. أما أشهر قرّاء المقام الموصليين فهو القارئ إسماعيل الفحام.

اللهجة الموصلية

خصوصية التراث الغنائي الموصليّ ليس في أداء قرّاء المقام فحسب بل حتى في تكوين وتلحين أغنية مثل أغنية «أمّ العباية» التي لُحنت وكُتبت كلماتها في الموصل في العشرينات، وهي عن مطربة كانت ترتدي عباءتها أثناء الغناء في أداء وصلتها في نوادي الموصل، وأول من غنتها المطربة العراقية الموصلية «بدرية أنور» عام 1928 ثم قامت سهام رفقي السورية المولودة بأخذها وتغيير بعض كلماتها وتسجيلها عام 1948 كما قامت المطربة اللبنانية سميرة توفيق بغنائها في بغداد في السبعينات.
أما اللهجة الموصلية فقد ميزت طبيعة الأغنية بتفرّدها بسبب اختلافها عن لهجات باقي المحافظات العراقية، ومن تلك الأغنيات المتفردة (اشكان الدلال واشكانت اسبابه) و(تحبون الله ولا تقولون) و(يردلي) التي ذاع صيتها في العالم العربي.

الموسيقى الصرفة

للموسيقى الصرفة «غير الغنائية» حصة كبيرة في فنّ الموصل الموسيقي، فقد ظهر في العصر الحديث الموسيقار حنا بطرس من مؤسسي معهد الفنون الجميلة ومديره الأول كما ظهر الموسيقار جميل بشير وأخوه الموسيقار منير بشير وعازف الجلو والمؤلف الموسيقي باسم حنا بطرس وكذلك الفنان أكرم رؤوف وعازف الكمان والمؤلف الموسيقي الاستاذ أحمد جوادي وعازف العود والمؤلف الموسيقي خالد محمد علي وآخرون من الجيل الجديد منهم طلال شمالي عازف كمان وملحن ودريد فاضل الخفاجي عازف عود وباحث.

موقف وطني

يقول المؤرخ الموصليّ سعيد الديوجي المتوفى سنة 2001: (في عام 1924 طالبت تركيا بولاية الموصل باعتبارها كانت ولاية عراقية تحت الحكم العثماني مركزها الموصل وتشمل كركوك وأربيل والسليمانية. فقرر مجلس عصبة الأمم تشكيل لجنة للتحقيق بهذا الأمر فقام الطلاب والوطنيون بتوعية الشعب عن مصير مدينتهم فأصبح أهالي الموصل يلاحقون (جاويد باشا) عضو اللجنة من الجانب التركي ويهتفون بعراقيتهم حاملين الأعلام العراقية. ومما يذكره الديوجي أيضاً تلك القصيدة الحماسية للشاعر اسماعيل حقي الفرج التي ألهبت مشاعر الناس وكان مطلعها:

لستِ يا موصُل إلاّ دارَ عــزٍّ وكرامة

أنتِ فردوسُ العراق حبَّذا فيكِ الإقامة

أنتِ منه خـير جزءٍ خابَ مَن رامَ انقسامهْ

وعماد المجـدِ أنتِ فيهِ بكِ أقوى دعامة

هذا النشيد يعبر عن رأي ورغبة الموصليين بالبقاء مع بلدهم العراق. ومنذ معاهدة لوزان ولغاية الآن يعد الموصليون من أشد المدافعين عن وحدة العراق واستقلاله كما أنهم رفدوا العراق بأسماء وطنية في عالم المعرفة والعلم والأدب والثقافة والموسيقى. أما تلك القصيدة فقد أصبحت النشيد الموصلي بعد أن لحنها الموسيقار حنا بطرس عام 1925.