النحّاتة السورية ميسون حبل لـ”الشبكة”: في داخلي رغبة لتهشيم الأوجاع
رولا حسن/
تتجه في أعمالها الفراغية نحو التعبيرية الإنسانية، والتجريد، وإيقاعات النحت التكعيبي، حيث يعلو أحد أعمالها مكعب فراغي، كما تبرز ايماءات الأشكال الواقعية المبسطة، والمختصرة (ولاسيما في مجموعة منحوتات الوجوه والأطراف)، التي تتعاطف من خلالها مع فواجع القتل والتدمير ومعاناة الاضطهاد، والاستبداد والتعذيب والألم. أقامت الكثير من المعارض داخل سورية وخارجها.
ميسون حبل نحّاتة سوريّة من مواليد حمص 1970، خريجة جامعة حلب1995، حول تجربتها مع النحت كان لنا معها هذا الحوار:
النحت بالصلصال
هل تحدثنا ميسون عن سيرة النحت في حياتها، أو كيف بدأت الحكاية ومتى؟
بدأت النحت منذ الطفولة، تقول أمي إنني في الثالثة من العمر كنت اصنع اشكالا جميلة بواسطة العلكة. في المرحلة الابتدائية استعملت مادة الصابون، وحزت على المرتبة الأولى بمسابقة رواد الطلائع بمدينة حمص، وفي المرحلة الإعدادية بدأت أبني اعمالا كبيرة الحجم بمادة الجبصين، ثم انتقلت للخشب في المرحلة الثانوية، حيث اقمت عدة معارض في جامعة حلب، اثناء دراستي الجامعية واهديت المدينة الجامعية لوحة جدارية. تعلمت تقنية النحت بالصلصال والصب في مركز صبحي شعيب للفنون التشكيلة بحمص، ثم دخلت لعالم الحجر والغرانيت، بعد أن امتلكت الأدوات اللازمة لتطويع هذه المادة.
ما هي العلاقة بين المادة وأسلوب النحت عليها، ولا سيما إنك تنقلت بين الخشب والرخام والبازلت… وهل الأمر له علاقة بالفكرة التي تريدين نقلها؟
لكل مادة أسلوب وطريقة في التعامل لكي اجعلها تنطق بما أريد قوله او الإيحاء به. فللخشب أنواع كثيرة، كذلك الحجارة، فالموضوع يفرض مادة معينة ولونا معينا، ومدلولا، وحضورا. وكانت للبازلت مكانة خاصة عندي، وأحب مادة للتعبير لما يحمله من قساوة، ومن حنان معا يكفي كي تقول ما تريد.
درست الهندسة الكهربائية، وتمارسين النحت بمهارة، ما العلاقة التي وازنت بينهما في حياتك؟
درست هندسة كهرباء الكترون وبرأيي الانارة هي إعادة نحت للكتلة المنارة. لذلك قمت بدراسة الإنارة لمنشآت اثرية لما للنحت فيها من أهمية. وكان لعلم الهندسة دور كبير بتسهيل تنفيذ اعمالي لاسيما الكبيرة منها.. حيث قمت بإنارة قصر الزهراوي الاثري بحمص، وبعض الكنائس…
حلم يبرق
كيف تبدأ فكرة المنحوتة لديك، وكيف تبدئين عملية تكوينها؟
تبدأ فكرة المنحوتة مثل الحلم فجأة، تبرق في ذهني بشكل عفوي انقلها كمجسم صغير على معجونة ومن ثم تنضج تدريجيا. وفي النهاية أقوم بدراسة المجسم ومحاكمته هندسيا، حتى يأخذ شكله النهائي ثم اقوم باختيار نوع الحجر والتنفيذ دائماً، فكرة العمل تبدأ بمشهد، أو حلم أو حالة داخل الطبيعة؛ فعندما تتضح الفكرة الأولى، أبدأ النحت على قطعة معجون صغيرة لتكون عبارة عن نموذج مصغّر للعمل، وبعد مدة أقوم بدراسة تشريحية لهذا النموذج، وأضع كافة منحنياته وخطوطه وتوازنه، لأبدأ النحت على المادة التي أختارها، مثل: المعدن، أو الخشب، أو الحجر. عندما أباشر النحت تتحول الفكرة تدريجياً إلى مجسم يعبر عن ذاته، وأخيراً تصقل وتلمع ويتم كشف الستار عنها لتوحي عن جوهرها الأخير وفكرتها؛ فالعمل بالنحت هو مجموعة خطوات متتالية ومتناسقة يتحاور خلالها النحات مع المادة الأولى مثل الحجر، لكن كمادة خام، ويستنبط منها شيئاً عقلانياً يستطيع أن يعبر عن أحاسيس الفنان؛ فالنحت هو عبارة عن حوار طويل ومركز بين المادة والنحّات.
النحت عبر سيرته الطويلة في سورية كان حكرا على الرجل، وأنت تقتحمين هذا المضمار بجرأة، أية صعوبات واجهتك ونحن في مجتمع ذكوري؟
هذا المجال هو حكر على الرجال لما يسببه من تعب وارهاق بسبب استخدام أدوات النحت كالصاروخ بأحجامه المختلفة. والمطارق والازاميل. وانا كأم لثلاثة أولاد احتاج للراحة والصبر لتامين احتياجاتهم وهنا كانت المعادلة الصعبة كما ان مجتمعنا لم يتعود على مثل هذه المهام للمرأة اعتاد ان يراها في المنزل مع الأولاد او بالعمل الوظيفي المكتبي النظيف. لذا كانوا يستنكرون ظروف عملي والغبار والتعب والمشقة التي اعود بها كل يوم لمنزلي. وكنت احب ان اغير تلك المفاهيم التقليدية، واترك اثرا مختلفا في كل مرة وخصوصا عند الانتهاء من العمل، وإبراز النتيجة، برأيي مع الإصرار والتنظيم لا يوجد مستحيل.
-أغلب منحوتاتك تشير إلى حالات إنسانية، وتوحي بدفقات عاطفية عالية بالرغم من قسوة المادة المصنوعة منها، كيف تضخين في جسم الحجر أيا كان هذه الكمية من المشاعر ألا يستنزفك الأمر من الداخل؟
الانسان عندي هو الأصل، والحالات الإنسانية هي التي تهزني من الداخل ولا سيما المرأة كونها الكائن الأكثر التقاطا للألم. لذا كانت موضوعا لأغلب اعمالي حيث ألقيت الضوء على معاناتها وقيودها، حيث تجسدت في المغتصبة والانعتاق، والعنقاء والالتصاق والوشاح وحمص والفراغ والمعاناة والكثير من الاعمال. التي تأخذ قطعة من قلبي عندما تخرج للحياة هي كما الولادة بالضبط.
فيلم قصير
قام كل من الفنان التشكيلي بسام جبيلي وباحث الآثار السوري ملاتيوسجغنون، بتقديم فيلم عنك وعن أعمالك بمدة عشرين دقيقة بعنوان “سر الوردة”، هل تحدثينا عن ذلك؟
-احمل للأستاذ بسام جبيلي وللباحث ملاتيوسجغنون كل الشكر والامتنان، لهذا الفيلم القصير، الذي خصاني به والذي تحدث عن اعمالي، منذ البداية واستعرض شرحا لأغلب الاعمال ونقد فني عالي المستوى. حيث ربط بين جسد راقص وراقصة الباليه وبين جمالية النحت.
الناقد التشكيلي أديب مخزوم يقول إنك تتناولين في أعمالك حركة وإشارات الوجه، أكثر من الوجه والوضع الإنساني أكثر من الإنسان ذاته، كيف توضحين ذلك؟
اشكر قراءة الفنان والناقد التشكيلي اديب مخزوم لأعمالي. في الحقيقة بالمرحلة الأخيرة، وبعد نضج تجربتي أصبح التلخيص والحذف سمتان من سمات الكتلة التي ألوذ بها، وأصبحت أفضل ان أغيب التفاصيل، واكتفي بالإشارات التي توحي بما اريد.
استخدمت مادة الفوم وعبرت من خلالها عن مشاعرك الرافضة لأهوال الحرب التي تمر بها البلاد …لماذا الفوم؟
استخدمت الفوم في البداية لاكتشف مادة جديدة. وصنعت ستة اعمال تحاكي اهوال الحرب والوجع الذي نعيشه. كان الفوم خيارا، لا أدرى ربما لأنه غير قاس وممكن تهشيمه بسهولة، وكانت في داخلي رغبة لتهشيم كل الاوجاع. لم اشأ ان أجسد الوجع بمادة قاسية وباقية.
تغوصين في مسائل البحث عن تجليات تعبيرية ورمزية بكثير من الحرية والتأمل، هل يمكن اعتبار ذلك ستراتيجية خاصة بك في صياغة المنحوتة الحديثة؟
تدرجات اعمالي منذ البداية كانت واقعية كلاسيكية، برز فيها البورتريه، ثم أخذت بعد فترة من التجربة والنضج الصفة التعبيرية والرمزية، وهي الان تميل نحو التجريد.
تنحتين الجسد، لكن ما تقصدينه يتجاوز الجسد باتجاه الانفعال الداخلي، والحركة الخاصة به معتمدة على تداعيات المشاعر الداخلية، ليفيض بعد ذلك الحجر بكتلة من المشاعر والأحاسيس كيف تعملين على ذلك؟
لا أعرف كيف يحمل العمل كل تلك العاطفة. ربما لان أولادنا يشبهوننا ولا يحبون خذلاننا، هي كذلك أعمالنا أو ربما اهتمامي بعلم النفس يجعلني أسبر غوار المشاهد، والمواقف والكائنات، وأسكبها صدقا ووجدانا عندما أجول في عالمي النحتي. أو ربما لأني أجسد مشاهد من الواقع الذي أعيشه ومن حولي في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها بلدنا الحبيب.