بريطانيا تزيل تماثيل تجّار الرقيق من ساحاتها

658

#خليك_بالبيت

ورود الموسوي /

مع تزايد التظاهرات العالمية ضد العنصرية والرقيق، والحملات الإنسانية التي حملت شعار (بلاك لايفز ماتر) أي (حياة السود مهمة)، التي أشعلها مقتل المواطن الإفريقي الأمريكي جورج فلويد، الذي صار رمزاً للثورة ضد العنصرية الأمنية والسياسية في أمريكا، تفاعل الشارع البريطاني بكل إثنيّاته العرقية المختلفة مع هذه الحملات الإنسانية.
فقد أعلن محافظ لندن السيد صادق خان، والمعروف بمواقفه الإنسانية، عن مراجعة شاملة لجميع تماثيل لندن وأسماء شوارعها والعزم على إزالة التماثيل والنصُب التذكارية التي تحمل تاريخاً عنصرياً، وكذلك تغيير أسماء المباني أو الشوارع التي تخلّدُ أسماء كبار العنصريين قائلاً: “إن أيّ نصب أو تمثال أو اسم شارع له علاقة بالرق يجب إزالته”. وقد تم بالفعل يوم الثلاثاء، التاسع من حزيران الفائت، تنفيذ أول إجراء بإزالة تمثال تاجر الرقيق الشهير روبرت ميليغان الواقع خارج متحف لندن دوكلانز.
ومع تصاعد وتيرة الاحتجاجات فقد أسقط المتظاهرون المناهضون للعنصرية يوم الأحد السابع من حزيران الماضي في منطقة بريستول، وهي منطقة معروفة بسكانها الأفارقة، تمثال تاجر الرقيق “إدورد كولستون”، ما جعل المحافظ صادق خان يُعجّل باتخاذ مثل هذه الإجراءات.
وصرّحت مؤسسة (ريفر تراست) التي تبنت هذه الحملة أن إزالة تمثال ميليغان “جاء امتثالاً واعترافاً بطموحات المجتمع”، فقد كانت لحظة إزالة التمثال لحظةً تاريخيةً إذ تعالت الهتافات والتصفيق عند رفع التمثال من قاعدته باستخدام الرافعة. كما عبّر متحف لندن دوكلانز عن ارتياحه التام لمثل هذا الإجراء، فصرّح الناطق باسم المتحف: “إن تمثال تاجر الرقيق البريطاني المعروف الذي أثرى من تجارة الرقيق وامتلك مزرعتين من السكر و 526 من العبيد في جامايكا، قد وقف بشكل غير مريح ولا محبَّب أمام المتحف لوقت طويل”، وأضاف الناطق باسم المتحف أن “متحف لندن يعترف بأن هذا النصب التذكاري هو جزء من النظام الإشكالي المستمر لتبييض صفحات التاريخ، الذي يتجاهل ألم أولئك الذين ما زالوا يتصارعون مع بقايا الجرائم التي ارتكبها ميليجان وأمثاله ضد الإنسانية.”
وقالت شركة ريفر تراست إنها عملت مع لندن بورو أوف تاور هامليتس والمتحف والشركاء في كناري وارف لإزالة هذا التمثال.
وأضاف صادق خان محافظ العاصمة أن على لندن أن تواجه “حقيقة غير سارّة ولا مريحة” بالكشف عن روابطها التاريخية بالرق، ووعد اللندنيين بأن لجنة خاصة بالتنوع في المجال العام ستراجع معالم المدينة، بما في ذلك الجداريات وفن الشارع وأسماء الشوارع والتماثيل والنصب التذكارية الأخرى، والنظر في تاريخها ليتسنى لسكان المدينة معرفة أي إرث يجب الاحتفال به قبل تقديم التوصيات بشأنه، مبيّناً أن لندن كانت “واحدة من أكثر المدن تنوعاً في العالم.” لكنه قال إن احتجاجات (حياة السود مهمة) الأخيرة أبرزت أن التماثيل واللوحات وأسماء الشوارع تعكس إلى حد كبير بريطانيا الفيكتورية لا بريطانيا المتنوعة.
وأشار خان بجرأته وصراحته المعروفة إلى “أنها حقيقة غير مريحة أن أمتنا ومدينتنا تدين بجزء كبير من ثروتها لدورها في تجارة الرقيق”، لكنه اعترض على المحتجين يوم الأحد الذين رشّوا تمثال رئيس الوزراء ونستون تشرشل بالحبر والألوان وقال إنه لا يعدّ تماثيل شخصيات من قبيل تشرشل مدرجة ضمن المراجعة التي يعمل عليها لأن التلاميذ في المدارس بحاجة الى تثقيفهم عن الشخصيات الأساسية التي لعبت دوراً أساسياً في تشكيل بريطانيا سياسياً واقتصادياً، وأن لا أحد كاملاً أو معصوماً من الأخطاء بما في ذلك تشرشل وغاندي ومالكولم إكس.
وفي معرض حديثه صرّح السيد خان على راديو القناة الرابعة لبي بي سي أنه لا يملك ملكية التماثيل ولا الأرض التي نُصبت عليها. وقال إن حصر التماثيل التي ستتم إزالتها ليس سهلاً للغاية ووعد باستبدال نُصب جديدة بالنصب المُزالة، ومنها إقامة نصب تذكاري لستيفن لورانس الشاب الأسود الذي قُتل في لندن عام ١٩٩٣، ووعد أيضاً ببناء متحفٍ وطني سيخلّد تاريخ العبودية في بريطانيا.
الأمر الأكثر إثارة أن المجالس المحلية في عموم المملكة المتحدة قد سارعت للتجاوب مع هذه الحملات التي تدعو لإزالة المعالم التي تحتفل بشخصياتٍ مثيرة للجدل كالعبودية أو العنصرية أو تعديلها، وقد أعلنت المجالس المحلية لحزب العمال البريطاني في أنحاء إنجلترا وويلز بأنها ستراجع مدى ملاءمة الآثار والتماثيل والنُّصب التذكارية للمجتمع البريطاني وعرضها في قراهم ومدنهم.
وفي مدينة أكسفورد دعا ستة وعشرون مستشاراً ونائباً إلى إزالة تمثال الإمبريالي سيسيل رودس الواقع في جامعة أكسفورد، بينما أعلنت أدنبره أنها ستضيف لوحة إلى نصب هنري دونداس لتعكس علاقة المدينة بالرق قديماً، وصرّح زعيم مجلس مدينة كارديف أنه سيدعم إزالة تمثال تاجر العبيد السير توماس بيكتون من المبنى الرئيس لمجلس المحافظة.
يُذكر أن بريطانيا كان لها تاريخ طويل بتجارة الرقيق، وقد كانت تلك التجارة من أهم الموارد الاقتصادية التي كوّنت ثروة البلاد، فقد حقق السير توماس غاي ثروته من ملكية عدد كبير جداً من الأسهم في شركة (ساوث سي=بحر الجنوب) والتي كانت تنشط في بيع الرقيق للمستعمرات الإسبانية. وقد تم تكريمه بوضع اسمه على أحد أكبر مستشفيات العاصمة لندن (مستشفى غاي) الواقع على ضفة النهر.
أما روبرت ميليغان الذي أسقط تمثاله فقد كان تاجراً معروفاً غرب الهند ولديه حاملات نقل للرقيق وهو المؤسس الأول لمركز التجارة العالمية بلندن (ويست انديا دوكس).
أما السير جون كاس فيعدّ الشخصية الرئيسة في التطور المبكر لتجارة الرقيق واقتصاد الرقيق الأطلسي إذ تعامل مباشرة مع وكلاء الرقيق في الحصون الإفريقية وفي منطقة بحر الكاريبي. ورغم أعماله الخيرية لكن يبدو أنها لم تشفع له أمام غضب الشعب البريطاني الداعي لإزالة كل ما يتعلق بتاريخ الرق في بريطانيا واحترام آلام الشعوب التي اضطُهدت عبر السنين بالعبودية القاسية.

النسخة الألكترونية من العدد 363

“أون لآين -6-”