بعـــد أن سبــرت أغــــوار الواقع الدراما العراقية تطفو على السطح!

312

مجلة الشبكة /

منذ انطلاق الدراما العراقية في القرن الماضي، وما تلاها من مواسم درامية، كانت تسير بخطى واثقة، قدم كتّاب ومخرجون وممثلون باقات من الأعمال تحاكي الواقع العراقي في أدق تفاصيله. تلك الأعمال مازالت راسخة في أذهان المشاهدين، واغتنت بها الشاشة العراقية. في تلك الحقبة برز الكثير من المواهب الشابة في مجال الإخراج وكتابة السيناريو، وكان التفرد والتمكن من الأدوات صفتين غالبتين على تلك المواهب، فمنهم من استمر متدفقاً بعطائه ومنهم من نضب شريان عطائه مبكراً.
الأعمال التي قدمت في تلك الفترة كانت ذات رؤية جديدة وأفكار أطّرت الدراما بقالب جديد، متخذة من الواقع الاجتماعي العراقي قصصاً ترجمت إلى أعمال درامية. ورغم مقص الرقيب والرقابة الصارمة التي قد تؤوِّل كل شيء يكتب على أنه على الضد من توجهات الحكومة آنذاك، لكن هذا لم يمنع بروز أسماء عديدة، من بينها: عادل كاظم، وصباح عطوان، ومعاذ يوسف، وآخرون أغنوا المكتبة الدرامية بأعمال رائعة، لتمتد السلسلة إلى جيل جديد أمثال: حامد المالكي، وأحمد هاتف.
الدراما عادة لا تقاس بعدد السنين التي قضاها الكاتب في هذا المجال، بل بتجدد الأفكار والرؤى والتفاعل مع ما يطرأ على ساحة الواقع الاجتماعي، لتكون هي الفيصل في ما سيقدم لاحقاً.
واقع مضطرب
عن الدراما وشجونها تحدث المخرج والناقد رضا المحمداوي قائلاً:
“في البدء لا يصحُّ إطلاق مصطلح أو تسمية أو مفهوم (الجيل) الفني على هذا التباين والاختلاف في درجة الاقتراب أو الالتصاق أو الغوص في طبقات الواقع العراقي الصعب والمُعقّد، ذلك لأنَّ الأصل، أو الجذر الحقيقي يكمن في قدرة أو إمكانية المؤلف الدرامي نفسه في كيفية رصدِهِ لذلك الواقع وزاوية النظر الخاصة، وفي طريقة التقاطهِ وتناولهِ، ومن ثم بعد ذلك تأتي المعالجة الدرامية الإخراجية للموضوعة الاجتماعية المطروحة في العمل الدرامي، بوصفه نصاً مقروءاً سينتهي في المآل الأخير إلى سرد مرئي بنسخته المعروضة على الشاشة .كما يجب الأخذ بنظر الاعتبار في هذا الجانب أنَّ الواقع العراقي خلال الـ20 عاماً الأخيرة التي أعقبتْ سقوط النظام الديكتاتوري عام 2003 قد تغير كثيراً، وتعرّضتْ البنية الاجتماعية إلى هزات وتصدعات عديدة، وتدخلتْ عوامل اقتصادية وسياسية وأمنية عديدة في إعادة تشكيل وبناء ذلك الواقع المضطرب ورسم ملامحهِ الجديدة بكافة متغيراته بأسبابها المتعددة.”
الحرية المطلقة
يضيف المحمداوي: “ومثلما تباينتْ وتعددتْ الأعمال الدرامية قبل عام 2003 في درجة تناولها وغوصها في أعماق الواقع العراقي، وتركتْ بصماتها المميزة فيها، ولاسيما في الدراما الاجتماعية، مع ضرورة التذكير بمحدودية الإنتاج الدرامي وارتباطه بجهة رسمية حكومية في تلك الحقبة التاريخية السابقة، وفي ظل وجود الرقابة الحكومية الصارمة وانحسار هامش الحرية المحدود، فإنه يصحُّ القول إنه مع الأعمال الدرامية التي أنتجتْ خلال العشرين عاماً التي أعقبتْ سقوط النظام السابق، حين تعددتْ القنوات المنتجة للأعمال الدرامية مع الانفتاح العام والحرية المطلقة وانعدام الرقيب، وغياب الفاحص الدرامي لدى تلك القنوات والجهات الرسمية التي تخضع لها تلك القنوات، فكان أنْ اختلفت تلك القنوات في إنتاجها الدرامي، ولاسيما في تركيزها على الموضوعات السياسية وقضايا الفساد المالي والإداري، وكذلك الحال في إثارة القضايا الاجتماعية الحساسة، واستطاعتْ بعض الأعمال الكوميدية الساخرة التي وظفتْ هذه الأفكار والموضوعات أن تحقق نجاحاً فنياً بنسب متفاوتة .إلا أنّ وجود هذه النماذج والفروقات الدرامية بينها لا يعني عدم وجود بعض الأعمال الدرامية التي تناولتْ، أو عالجتْ، موضوعات الواقع العراقي بشكل سطحي، ولمْ تتعاملْ معها بشكل أو بأسلوب فني مبتكر وجديد وبالأخص ما يملكه نوع (الكوميديا السوداء)من آفاق ومديات مفتوحة.”
محاكاة الواقع
من ناحية أخرى.. يتحدث الفنان طه المشهداني قائلاً:
“مع الأسف أن الغالبية من الكتّاب والمخرجين، وحتى الممثلين، كانوا أسباباً في تردي الدراما العراقية، إذ أن هناك صراعات لامعنى لها. نحن نمتلك كل المقومات التي تجعل الدراما العراقية أصيلة ورصينة، والدليل على ذلك أنه، في السابق، قدمت أعمال درامية كبيرة تحاكي الواقع بصورة محببة للمشاهد، بحيث كانت تلك الأعمال تصدَّر إلى خارج العراق. أنا الآن أيضاً أطرح ذات التساؤل: ما الذي حصل للكتّاب؟ هل من المعقول أن العراق، صاحب هذا الإرث الحضاري، لا يمتلك بين طيات صفحاته حدثاً يقدَّم على شكل دراما تصدّر إلى خارج الوطن؟”
أما الفنان سامي قفطان فتحدث عن السبب قائلاً:
“أعتقد أن هناك أيادي خفية تحاول طمس مستوى الدراما العراقية لكي ينفر المشاهد منها ويتجه إلى الدراما الخليجية والسورية والتركية، وهذا ما يحدث الآن لدى غالبية العائلات العراقية حين تشاهد عملاً عراقياً، إذ أنها تستبق الأحداث لأن هناك تكراراً في الأعمال، فضلاً عن دخول الكتّاب والمخرجين العرب على خط الإنتاج، وهذا ضمن أجندة بعض القنوات وتوجهاتها، حتى في كتابة نوع الموضوع. وحين تستعين بمخرج عربي فهذا يعني أنك لا تمتلك مخرجاً عراقياً يستطيع أن يقدم لك دراما جيدة، وهذا خطأ فادح.”
فيما أشار الفنان عادل عباس إلى أن “الدراما العراقية تحتاج إلى قلم جيد وجهة إنتاجية أمينة، وكذلك إلى عين ثاقبة تتمثل بالمخرج، إذ أن الممثل لا يستطيع أن ينتج دراما جيدة منفرداً، ومع ذلك فإن من يتحمل وزر الأعمال السيئة هو الممثل فقط.
لنأتِ بمخرج عالمي وكاتب عالمي وجهة إنتاج عالمية, ولنجعل عادل عباس، وغيره من الممثلين، ثق أننا سوف ننافس الممثلين العالميين، لأن جميع شروط العمل الجيد قد توفرت, نحن نحتاج -كما أسلفت- إلى عين ثاقبة، لأن واقعنا يزخر بالقصص التي تتعدى الخيال، التي يمكن، إن توفرت لها الشروط، أن تكون أعمالاً عالمية. أتمنى ألا نتشبث بالماضي، ونتناول قصصاً من الواقع العراقي المعاش، فكثيرة هي القصص، في دور العجزة ودور الأيتام، التي من الممكن أن تصاغ في نص درامي، وبرؤية إخراجية جيدة.