بين نضوب العطاء والبحث عن الشهرة

804

محسن إبراهيم /

لم يعتد المشاهد أن يرى أحد الفنانين مقدِّماً لأحد البرامج. ربما كان هذا الأمر يصيب البعض بالدهشة، كون المجال الفني، من دراما ومسرح وسينما، يجعل للفنان مساحة مفتوحة للتحرك. في الفترة الأخيرة أصبحت ظاهرة تقديم البرامج من قبل الفنانين ظاهرة تسترعي الانتباه من قبل المختصين.
ليس بالضرورة أن يكون الشخص مشهوراً في مجال ما كي يستطيع النجاح في مجال آخر, فلكلّ مجال فرسانه. ولايستطيع أحد أن ينكر أن لمقدم البرامج او الإعلامي حضوره الواضح على الشاشة وتواصله مع المشاهدين. عالمياً، أصبحت “أوبرا وينفري”، مقدمة البرامج الحوارية، ماركة مسجلة وكذلك “لاري كينغ” مقدم البرامج في محطة cnn الأميركية. عربياً نجد أن “جورج قرداحي وعماد الدين أديب وباسم يوسف” هم أكثر شهرة من الفنانين أنفسهم. إن مهنة تقديم البرامج تتطلب الكثير من المواصفات، ومعايير اختيار المذيع أو مقدم البرامج لا تتوقف على عنصر واحد فقط، لأن هناك عناصر عدة يجب أن تكون بذات الأهميّة. وتكاد تكون مهنة تقديم البرامج من أكثر المهن التي تعتمد على القدرات اللغوية والثقافة العامة التي يمكن للمقدم اكتساب الشعبية من خلالها.
التجربة العربية
من أبرز البرامج العربية التي قدمتها فضائية الـ mbcهو برنامج “وزنك ذهب” الذي تناوب على تقديمه الفنانان أيمن زيدان ونور الشريف, ولكن لم يحالفهما الحظ في تقديم هذا البرنامج رغم جماهيريتهما كفنانَين مرموقين على صعيد الدراما, بينما في الطرف الآخر حقق جورج قرداحي نجاحاً منقطع النظير في برنامج “من سيربح المليون”. توالت التجارب وركب الموجة فنانون ومطربون منهم “أصالة نصري ويسرى وأحمد حلمي” وغيرهم. اللافت للنظر أن البرامج التي يقدمها الفنانون هي برامج غير قابلة للبقاء وإنما هي برامج موسمية تقدَّم في مناسبات معينة كشهر رمضان الكريم، يعتمد فيها أصحاب المحطات الفضائية على جذب المشاهد الى ساحة تلك الفضائية, وهذا لايعد سبّة بحق الفنان لكن ربما يفقده بعضاً من بريقه الفني.
التجربة العراقية
التجربة العراقية بدأت مبكراً من خلال الفنان سامي قفطان حين شارك في برنامج “مسابقات الساعة التاسعة” في السبعينات. لم تدم هذه التجربة طويلاً، وعاد بعدها الفنان سامي قفطان الى الدراما التلفزيونية والى الأعمال السينمائية. تجربة أخرى مبكرة هي برنامج “استراحة الظهيرة” الذي قدمه الثنائي “أمل طه ومحمد حسين عبد الرحيم” والذي قدم في الثمانينات، وهو برنامج كوميدي هادف كان ينتقد بعض الحالات السلبية في المجتمع، ويبدو أن الأمر لم يرق للمسؤولين حينها فتوقف البرنامج. مرة أخرى عاد الثنائي “محمد حسين عبد الرحيم وأمل طه” الى تقديم مسرحيات كوميدية لاقت حينها استحسان المشاهدين, تواصلت هذه التجارب خصوصاً بعد عام 2003، وركب الفنانون العراقيون موجة تقديم البرامج، كل فنان قدّم تجربة رغم أن جميع البرامج كانت ذات مضمون واحد, ربما كان العذر هو البقاء تحت الأضواء لدى البعض، وانحسار الأعمال الدرامية في الآونة الأخيرة دفعهم نحو التقديم التلفزيوني لاستمرار التواصل مع جمهورهم. وقد قامت القنوات الفضائية العراقية باستنساخ التجربة العربية فقدمت الممثلين والمطربين كمقدمي برامج , تهافت غير مسبوق من قبل الفنانين العراقيين، خصوصاً بعد افتتاح قناة mbc عراق، إذ شاهدنا “آلاء حسين وإحسان دعدوش وماجد ياسين وحاتم العراقي” وغيرهم.
وجهات نظر
البعض يعتقد أن ظاهرة تقديم البرامج من قبل نجوم الفن تتضمن العديد من الملاحظات، منها أن أصحاب القنوات الفضائية يبحثون دائماً عن النجوم لجذب المعلنين قبل المشاهدين، باعتبارأن الفنان نجم جاهز ومشهور ولا يحتاج الى وقت ليتعرف الناس عليه خاصة فى ظل المنافسة الشديدة بين القنوات على جذب النجوم فى شتّى المجالات بغضّ النظر عن مدى ما يقدمه هذا النجم أو النجمة من مضمون. أما مسألة منافسة الفنان المذيع لمقدمى البرامج، فهذا يتوقف على قدرة الفنان الثقافية وتمكنه من إجراء الحوارات مع عدد من الشخصيات وثقته بنفسه ووعيه بكل ما يجرى فى المجتمع ودرجة حضوره وقبوله على الشاشة.
البعض الآخر يعتقد أن الممثل هو مشروع وأي شيء خارج التمثيل هو خيانة للتمثيل بحد ذاته، فالمشكلة حين تسأل عن سبب هذا التحول او الانتقال يقول: إن أهم ممثلي العالم يتجهون لذلك في حين أن هذا هو قانون شخصي وليس عامّاً، وأن معظم الذين يعملون في هذا الجانب يبحثون عن الشهرة والمال على حساب إبداعهم، وأن من يخون مشروعه، فحتماً أن المشروع سيخونه يوماً ما، فالتمثيل ملَكة مثلها مثل الشعر، وعلى الممثل أن لايستسهل الحضور أمام الكاميرا.
وجهة نظر أخرى تعتقد أن هناك أشخاصاً لايجدون أنفسهم في التمثيل فيذهبون باتجاه الإعلام ومحاولة تحقيق ماعجزوا عنه في ذلك المجال، والعكس أيضاً يحدث، فيجد البعض نفسه في المجالين ويعتبر أنه فنان شامل، بمعنى أن الفنان يستطيع أن يكون ممثلاً ومغنياً ومذيعاً ومقدماً للبرامج، على العكس من الإعلامي الذي اعتاد على التعامل مع كاميرا ثابتة، فهو حتماً لن ينجح وسيكون مصيره الفشل لأنه لن يستطيع العمل مع الكاميرا المتحركة واللقطات المختلفة والمشاهد المتباينة.