تراجع الاهتمام بدراسة الفولكلور الشعبي مسؤولية من ؟

841

باسم عبد الحميد حمودي/

كان العراق واحداً من الدول العربية التي اعتنت بثقافتها وفولكلورها الشعبي, وأنا أتحدث هنا عن فترة الستينات من القرن الماضي, فقد كنا ننافس مصر في تنوع الإصدارات في التراث الشعبي على الصعيدين، الفردي الشخصي او الرسمي.

ومثلما صدرت مجلة (التراث الشعبي) في أيلول عام 1963 بجهد مجموعة خيّرة من الكتّاب أبرزهم السادة: ابراهيم الداقوقي وشاكر صابر الضابط ولطفي حبيب الخوري وعبد الحميد العلوجي ومحمود العبطة وعبد الحميد الكنين وعزيز الحجية وسواهم,
كانت وزارة الإرشاد (الإعلام بعد ذلك) قد أصدرت مجموعة من الكتب المهمة في هذا الحقل منها: المغنّون البغداديون للشيخ جلال الحنفي, والألعاب الشعبية في العمارة لعبد المحسن المفوعر السوداني والألعاب الشعبية في سامراء ليونس السامرائي وفي التراث الشعبي لعثمان العكاك وعشرات غيرها.

إضافة لذلك كانت مجلة (التراث الشعبي) هي المجلة الفولكلورية الأقدم في العالم العربي, إذ صدرت مجلة (الفنون الشعبية) في القاهرة بعدها بعام.

ريادة ولكن!

إن هذه الريادة لم تجد ما يواكبها على صعيد الإنجاز الفعلي، فقد اتسع نشاط الدارسين الفولكلوريين في مصر وسوريا والمغرب العربي, وتأسست لديهم معاهد البحث الفولكلوري في الجامعات وتم اعتماد الأطاريح الجامعية في هذا الحقل في جامعات القاهرة والاسكندرية والمنصورة واليرموك الأردنية وفي جامعات السودان والجزائر والمغرب وتونس بينما ظلت الجامعات العراقية حتى يومنا هذا ترفض تسجيل دراسات الفولكلور والثقافة الشعبية في اقسامها, بحيث اضطر الباحثون الجامعيون الى تسجيل رسائلهم في الجامعات العربية الأخرى مثل الدكتور صبري مسلم حمادي ومحمد رجب السامرائي, يسبقهما الدكتور أحمد الشحاذ.

التجربة القطرية

في مصر تأسس منذ سنوات معهد (الفنون الشعبية) لدراسات الماجستير والدكتوراه, وفي تونس والمغرب والسودان معاهد أخرى مماثلة, وفي ذات الوقت ظهرت سلسلة مكتبة الدراسات الشعبية في القاهرة مطلع التسعينات من القرن الماضي لتطبع كتاباً كل شهر يختص بالدراسات الشعبية في مصر وسواها, وتقوم هذه المكتبة باستعادة طبع الكتب النادرة والمفقودة في هذا الحقل, فيما أغلقت السلسلة الفولكلورية في وزارة الإعلام العراقية السابقة وتوقف إصدار سلسلة كتاب (التراث الشعبي) الذي بدأ إصداره عام 1986 وأصدرت بعض الكتب ثم أوقف الإصدار بقدرة قادر.

في دول الخليج

وعند تأسيس مركز التراث الشعبي لدول الخليج في قطر استعان بالأستاذ الشاعر الباحث علي عبد الله خليفة لإصدار مجلة (المأثورات الشعبية) لفترة وقام كتّاب من السودان والعراق ومصر بالأساس بمساعدته في التحرير والكتابة, وكان كاتب هذه السطور يدعم جهد الأستاذ خليفة لإيمانه بضرورة الحفاظ على التراث الشعبي في المنطقة العربية, لكن إدارة المركز – وقد بدأ يصدر كتبه العلمية الفولكلورية- أبدلت الأستاذ خليفة – حيث عاد الى البحرين- بالأستاذ عبد الرحمن المناعي وهو مسرحي من قطر .

ذلك لم يفتّ في عضد الباحثين الذين استمروا في البحث والكتابة في المجلة التي أغلقت أبوابها عام 2000.

مجلة التراث

إن جهد الباحثين الفولكلوريين في العالم العربي لم يتوقف, فقد استمرت مجلة التراث الشعبي العراقية في الصدور بمستوى جيد برغم المعوقات الطباعية واستبدال رئيس التحرير مرة بعد اخرى, حتى استقر الأمر برئيس التحرير الحالي الأستاذ قاسم خضير عباس بدعم الباحثين ومساعدتهم, واستطاع الأستاذ عبد العزيز المسلم إصدار مجلة فولكلورية جديدة في إمارة الشارقة تحت تسمية (الموروث) بدعم الباحث العراقي د.صالح هويدي, ثم أصدر الأستاذ علي عبد الله خليفة مجلة (الثقافة الشعبية) منذ سنوات في البحرين وهي فصلية دسمة المواد وبلغات متعددة, وقد شفع المجلة بإصدار ملاحق منفصلة هي عبارة عن كتب في البحث الفولكلوري مثل كتاب (توظيف التراث الشعبي في الرواية العربية ) للجيلالي الغرابي الصادر مع العدد31 في خريف 2013.

منذ عام أصدرت الموسوعة الثقافية ببغداد كتاب د.علي حداد (فروض الهوى البغدادي) في محاولة مهمة من الباحث للجمع بين الأدب والفولكلور, فلا نجد إلا ندرة في إصدارات البحوث الفولكلورية العراقية في وقت تعجّ فيه دور النشر في العالم العربي بإصدارات جديدة في البحث الفولكلوري.

مثال ذلك كثير ومنه كتاب الأستاذ الكبير الراحل محمد رجب النجار (ت2005) الذي صدر عن (دار عين) تحت عنوان (توفيق الحكيم والتراث الشعبي) حيث سخّر الباحث الراحل قدراته للبحث في تناصات المسرح لدى الحكيم مع الفولكلور وكتبه الفكرية الأخرى.

من الكتب المهمة الأخرى كتاب الأستاذ الدكتور ابراهيم عبد الحافظ الذي صدر عام 2013 ضمن سلسلة الدراسات الشعبية تحت عنوان (دراسات في الأدب الشعبي)، وقد اهتمت موضوعات الباحث بالقضايا النظرية للفولكلور وبأنواع الأدب الشعبي ومناهجه ودراسة في أنماط الحرف الشعبية وسوى ذلك مفيد وممتع.