تمثال المُهاجر في (أمالڤي) الإيطالية..ثنائيــــة الغربــــــة والانتمـــــــاء بطـــريقـــــة (كاتالانو) العبقريّة

171

ايطاليا- آمنة الموزاني/

منحوتة برونزية مرعبة، وعبقرية المعنى والدلالة الفنية، ترمُز بإنسانية هائلة لمن فقد نصفه في بلده وسافر بالنصف الآخر، متمثلة على هيئةِ تماثيل لهاربين ومسافرين، مجزأة وممزقة من المنتصف، تحط رحالها المُثقل على ساحل “أمالفي” الإيطالي، بإزميل النحات العالمي (برونو كاتالانو) الذي تُعتبر منحوتاته البرونزية المجزّأة، منارةً للفن المعاصر وروح التجارب الإنسانية المؤلمة،

عندما يتراكم المُرّ في حياة المغترب بكل شيء، ويصل إلى نُقطة اللاتحمّل، واليقين بأن المسافات قطعة من العذاب، تكون الهجرة أسوأ شيء على الإطلاق.
ضياع في فخ الغربة
الفنانة التشكيلية القادمة في جولة سياحة لمدينة روما (تارا الصالح)، اعتبرت أن تمثال (المسافر) او (المهاجر)، الموجود في أمالفي الايطالية، هو تحفة نحتية وإنسانية، باعتباره ترجمة (كاتالانو) لتجربته الفنية وحياته الممزقة من خلال تماثيل مجزّأة لمسافرين يحملون معهم حقائبهم أينما ذهبوا. أكملت حديثها:
“الأمر صعب، رمزيّة التمثال هنا من وجهة نظر برونو تصورنا -نحن- الإنسان المسافر المغترب الممزق، الذي فقد نصفه في بلده وسافر بالنصف الآخر، في دلالة لمُلخص إنساني مؤلم عن مقياس مرونة الإنسان ومشقته وتحمله في مواجهة الشدائد والسعي المستمر في البحث عن الهوية والانتماء المفقود في دوامة الأعمار الضائعة ومصيدة الغربة المُرة.”
تخيلات مرّة ومخيفة
“شخصياً، تقلقني رؤيته التي أتجنبها، لا أُحبّه، فأنا كلما مررت بهذا التمثال أركز في تمزقاته وأتخيل ما يحدث لي عندما أعود الى بلدي”.. هذا ما يعيشه المُغترب في ميلانو (عمر عبد الخالق)، كلما ركز على التمثال، ثم أكمل حديثه بتعجب وخيبة:
“الغربة، أو الانتقال من الوطن الأم للعيش في بلد آخر بغرض العمل أو الدراسة، تعتبر تجربةً صعبة، فعند عودتك إلى وطنك بعد الغربة، فإنك قد ترجع إلى بلدك بالمال فقط، ستجد هناك أن صديقك في الطفولة والدراسة الذي لم يسافر للعمل في الخارج قد تزوج وبنى منزلاً مثلك، وافتتح مشروعاً وعاش بين أهله وأصدقائه، وسيكون عليك إقامة حياة جديدة، فوجهك لم يعد معروفاً، فقد سرقت سنوات الغربة ملامحك من أعينهم وكأنك عائد الى غربة أخرى وجديدة.”
جدلية الاغتراب والغربة
الكاتب العراقي المُغترب لأكثر من عشرين سنة (علي صالح) اعتبر أن التمزق الرمزي واحد من ضرائب الغربة المريرة حينما لا تجد أقرانك في منتدى أو ملتقى عائلي يجمعكم في ثقافة مشتركة ومزاج مشترك. أكمل قائلاً:
“برأيي فإن التمزق هو حينما لا تلتقي أبناء بلدك هنا، من حين الى آخر في مناسبة فرح على المودة والاحترام، يتعرف ابنك وابنتك على أبنائهم وبناتهم، ويتواصل الشباب فيما بينهم على ثقافة وطنهم الأم العراق، يتبادلون الخبرة ويتعلمون من بعضهم بعضاً عادات وتقاليد أهلهم هناك في الوطن الأول البعيد، المؤسف هو أننا لأكثر من عشرين سنة لم يتيسر لنا هذا الملتقى للأسف، عدا زيارات على فترات متباعدة مع بعض أبناء العائلات الكريمة، الذين تعرفنا عليهم من خلال الفيسبوك، وفي أماكن بعيدة عن سكننا، او حتى عن مدينتنا، إنها مشكلة يبدو أن لا حل لها، كان الله في العون.”