جرى تغييبهم عن أعمال الدراما المحلية.. نكسة المخرجين العراقيين!
محسن إبراهيم/
مع ظهور أول الأعمال الدرامية في ستينيات القرن الماضي, وبروز المواهب من كتاب وممثلين ومخرجين، كان التفرد العراقي هو الصفة الغالبة فيها، فقد قدمت في تلك الفترة أعمال درامية برؤى إخراجية جديدة، كانت قضايا المجتمع العراقي محوراً لها، مروراً بمرحلة السبعينيات والثمانينيات وما تلاها، التي أفرزت أعمالا واسماء مازالت راسخة في ذاكرة المشاهدين، محلياً وعربياً.
لكننا بدأنا نشهد، ولاسيما في الأعمال الدرامية العراقية، تغييباً واضحاً للمخرج العراقي عن تنفيذ تلك الأعمال لصالح المخرج العربي، وهو أمر أثار الوسط الفني ورسم علامة استفهام كبرى بشأن أسباب هذا التوجه؟
معادلة غير متوازنة
يقول المخرج رضا المحمداوي، الحاصل على شهادة البكالوريوس في الإخراج السينمائي من كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد، الذي أخرج العديد من الأعمال، منها (عبود في رمضان) و(من شذى عطر النبوة) و(حكايات) و(الصيف والدخان) و(حرائق الرماد): “إن الاستعانة بالمخرجين العرب لإخراج الأعمال الدرامية العراقية، وجلوس المخرجين العراقيين على مصطبة العاطلين عن العمل، يؤشر –بالتأكيد- خللاً كبيراً، ومعادلة غير متوازنة يعيشها الوسط الدرامي لدينا، ويثير أكثر من علامة استفهام حول القدرات الإخراجية والفنية للمخرج العراقي, فهل نعاني حقاً نقصاً في أعداد المخرجين العراقيين؟ أم أن المخزون الإبداعي قد نضب لدى مخرجينا وأصبحوا غير صالحين للاستخدام الدرامي؟ ومن هنا توجبت الاستعانة بالمخرج العربي لغرض القيام بمهمة إخراج الأعمال العراقية؟”
ولفت المحمداوي الى أن “بداية العقد الستيني من القرن الماضي، كانت قد شهدت ظهور وبروز الدراما العراقية في التلفزيون العراقي الناشئ حديثاً آنذاك، وقد دشنت تلك النتاجات الدرامية الرائدة بواكير رسم ملامح الدراما العراقية، فهل ثمة فجوة أو انقطاع قد حصلا بين أجيال مخرجي الدراما بعد ستين عاماً من ظهور رواد تلك المهنة الشاقة والصعبة – مهنة الإخراج الدرامي-؟ ومن هنا فإن المخرج العربي قد استغل الفرصة ووجد الأجواء المواتية في هذا الفراغ الحاصل بين أجيال الدراما العراقية ليثبت وجودَه وحضورَه الفنيين؟”
مصطبة العاطلين
ويشير المحمداوي الى أنه “طوال تلكم السنوات الستين من عمر الدراما العراقية كانت كليات ومعاهد الفنون الجميلة تضخ العديد من الأجيال الفنية المتعاقبة التي تتخرج سنوياً، أفليست هنالك أجيال شابة على مستوى مهنة الإخراج –تحديداً- تستطيع أن تبرز وتثبت كفاءتها وموهبتها ووجودها في هذا الفراغ الفني والقطيعة الحاصلة بين الأجيال الدرامية؟ أم أن هذه الأسماء الشابة والقدرات الإخراجية الناشئة عليها أنْ (تتتلمذ) من جديد، ولكن ليس على أيدي هؤلاء المخرجين والنجوم الطارئين والمحمولين على أجنحة الخطوط الجوية، وكذلك ليس من خلال التجربة الميدانية الفنية المشتركة والعمل معاً مع أولئك المخرجين، وإنما على هؤلاء التلاميذ الجلوس معاً إلى جانب المخرجين العراقيين الجالسين على مصطبة العطالة والبطالة ومشاهدة أعمال أولئك (المُعلمين الجدد) من خلال شاشة التلفزيون فقط.
الخلاصة أن هذه التجربة لم تقدِّم، على مستوى الإخراج تحديداً، أية خصائص أو مميزات ناضجة يمكن اعتمادها كمعايير أو وحدات قياس فنية يمكن الإشارة إليها نقدياً، لا على مستوى التعامل مع النص العراقي وتفجير مكامنه الدرامية، ولا على مستوى التعامل مع البيئة العراقية وهويتها وخصوصيتها الوطنية وملامحها المحلية الشعبية، أو على مستوى إدارة الممثل والمُصوِّر والإدارة الفنية والعملية الإنتاجية، وبقية العناوين والمفردات الفنية الداخلة في صناعة وتقديم اللقطة أو المشهد الدرامي التلفزيوني.”
أسباب مجهولة
يقول المخرج هاشم أبو عراق، الذي عمل في السينما والتلفزيون، حائز على جائزة أفضل ممثل عام 1979، وأفضل مخرج عن فلم (حضاري جداً) عام 1995، وجائزة من مهرجان مالمو في السويد، وجائزة الإبداع عن مسلسل (الزمن والغبار)2001 الذي عرض في 19 محطة عربية, وأخرج العديد من الأعمال التلفزيونية، مثل (الإمام الشافعي) و(كيك وكارتون) و(سنوات النار) و(ماضي يماضي) و(مواطن تحت الصفر) و(صندوق الأسرار) و(فدعة) و(يوميات متقاعد) و(عطالة بطالة) و(vip) و(عصافير ترفض القفص):
إن “هناك أسباباً مادية تقف خلف تغييب المخرج العراقي، مع أن هذا الموضوع انسحب على مجالات عدة، وليس على الفنانين فقط، وأستغرب حينما أسمع أن نادياً عراقياً لكرة القدم أو أية لعبة أخرى، يتعاقد مع لاعب عربي او أجنبي، لأن العراق بلد ولود يمتلك من الرياضيين ما يفوق حاجة ثلاثة بلدان، لكننا تعودنا أن نترك لاعبينا ورياضيينا ونتعاقد مع أجانب، لا أعرف، هل هي موضة؟ أم عدوى الأندية الخليجية، أم ماذا؟ المخرجون العراقيون والفنيون العراقيون كانوا وما زالوا في المقدمة، وأضرب لك -مثلاً- الأستاذ فيصل الياسري الذي عمل -منذ عقود- مخرجاً في التلفزيونات العربية، وكذلك الراحل فاروق القيسي، وغيرهم، أنا في عام ١٩٩٥ تعاقدت معي شركة عربية لعمل مسلسلين، أما الآن فلا أعرف ما السبب الذي يجري فيه التعاقد مع مخرج عربي لتنفيذ أعمال عراقية، مع جل احترامي وتقديري لأشقائنا الفنانين العرب، ولكن لمَ يكون المخرج العراقي حاضراً ويجري استقدام مخرج عربي او فني عربي؟ وبالمناسبة لا أحد يستطيع الإجابة على هذا التساؤل، أو ربما هناك أمر أجهله أنا، وغيري يعلمه. إن الأجور التي تمنح لأي مخرج عربي، او فني عربي، ربما تصل الى ضعف أو أكثر مما يعطى للمخرج او الفني العراقيين، وهذا أيضاً سبب لا نعلمه. وأخيراً نقول (ماحك جلدك مثل ظفرك)، وأهل العراق أدرى بشعابه، وأنا هنا أتكلم عن تجارب كبيرة في مجال صناعة الدراما.”
قنوات مؤدلجة
المخرج العراقي عزام صالح، أخرج أعمالاً فنية عدة، منها (سيدة الرجال) و(أمطار النار) و(الهروب المستحيل)، أكمل دراسته الجامعية في أكاديمية الفنون قسم السينما، ثم عمل مخرجاً في تلفزيون بغداد.أدلى بدلوه، قائلاً:
“نبدأ برأس المال الخارجي، الذي حول القنوات المؤدلجة الى وسيلة لتمرير رسائل من أجل تفتيت البنية المجتمعية للمجتمع العراقي، ورفض غالبية المخرجين في أن يكونوا أداة طيعة لهذه القنوات، وهذا جزء من محاولات تفتيت المجتمع بعدم إسناد أعمال الى المخرج العراقي، لكي لا تزداد تجربته، ولقتل الكفاءة التي يمتلكها, فعند الاستعانة بمخرج عربي يستطيعون -من خلاله- تمرير أي فكر أو أدلجة للقنوات، فضلاً عن عدم وجود ستراتيجية للإنتاج الدرامي، ووضع أموال في موازنة الدولة كي تقف في وجه القنوات المؤدلجة، أي أن العراق لا ينتج دراما، ولاسيما مؤسسات الدولة، ومحاولة تصفية قنوات القطاعين المشترك والخاص لعدم توفر السوق المحلية والخارجية، امثال شركات بابل وعشتار والحضر وسميراميس وغيرها.”
سوق الدراما
يضيف صالح أنه “بسبب حرب الخليج الثانية أغلق الخليج أسواقه أمام الدراما العراقية، التي كانت لها الأولوية في ذلك, حتى قنوات الدولة، وعن طريق المنتج المنفذ أسهمت في ابتعاد المخرج العراقي، من خلال إسناد أعمالها الى المخرج العربي، كما في أعمال (حفيظ) و(خارطة الطريق) وغيرها، من أجل أن يعمل المخرج العربي أكبر عدد من المشاهد في التصوير، إضافة الى أنه لا يعرف البيئة، فلا يطلب أموراً أخرى تخص الإنتاج, ناهيك عن رخص التكلفة مقارنة بالمخرج العراقي, علماً أن المخرجين العرب الذين أسندت إليهم هذه الأعمال الدرامية ليسوا أكفأ من المخرجين العراقيين. وفي هذا الموسم الرمضاني عززوا مشروعهم مرة أخرى دون حضور لدراما عراقية رصينة تجلب المتعة والخصوصية، وتشعرك بأننا نمتلك دراما عراقية صرفة. فقد جلس الفني والمخرج والكاتب العراقيون على خط الانتظار، فيما راح المخرج السوري بمعية فنييه، واللبناني مع فنييه أيضاً، ونص لبناني مأخوذ من مسلسل مصري، وآخر تركي، لتقدم هذه القنوات دراما هجينة لا تمت للواقع بشيء, وذهبت قنوات أخرى لرصد ما هو سيئ لإبرازه من خلال الدراما العراقية، مبتعدين عن كل القيم السامية والخصوصية التي يتميز بها المجتمع العراقي، بل وأكثر من ذلك هناك أكثر من عمل يكلف به مخرج سوري، يعمل تحت إمرته مساعد عراقي، بينما هو الذي يدير العمل، أو مسلسل باسم مخرج عراقي في ثلاث كروبات يأتون فيه بمساعدين من سوريا وهم من يديرون السيت.”