“جسر الفنون” الباريسي حارس قصص الحب والأساطير

228

باريس / آمنة عبد النبي/
على الرغم من أنهُ تسويق ذكيّ لفنون الخيال وحكايات الأساطير الشعبية، لكن هذا التقليد الرومانسي العنيد لفرطِ حلاوته والتولع بفكرة الحب الأبدي التي تغنى بها كبار الفنانين العالميين، صار يسمى بـ “حارسِ القصص” و”المؤتمن على قلوب العشاق” القادمين بلهفة من مشارق الأرض ومغاربها حاملين أقفالاً من حديد بغية عقدها على سياجه البرونزي المكتظ بالأقفال لإبرامِ العهد وانتظار المعجزة، ثم بعد ذلك ترمى المفاتيح في نهر السين ليُصبح الجسر بذلك شاهداً حياً على عمر الحكاية.
عن ظاهرة أقفال الحب المعلقة على سياج جسر الفنون الذي يتوسط العاصمة الفرنسية، المزدحم بعدد يفوق المليون قفل، يقال إن الفكرة المجنونة في الأساس جاءت من أسطورة إغريقية قديمة، أثناء الحرب العالمية الثانية أحياها ضابط صربي، فأصبحت بعد ذلك عادة منتشرة في عواصم القارة الأوروبية، ولاسيما مدينة الفنون والعشق الأزلي.. باريس.
الموروث بنكهة فنية
ومع أنها دول غربية متحضرة جداً وبثقافة عريقة، فإنها لم تسع الى محاربة الفكرة الفنية الأسطورية او الانتقاص منها، كما يعتقد الفنان التشكيلي المُقيم في فرنسا (وليد كويش).. حيث قال:
“جسر الفنون، او العشاق، الذي يعود تاريخ أقفال الحب فيه الى زمن قديم جداً، على الأقل لمئة سنة، أي فترة الحرب العالمية الأولى، في حكاية حرب صربية سوداوية ومؤلمة وقعت ما بين معلمة تدعى “نادا” التي أحبت ضابطاً صربياً اسمه “ريليا”، وبعد أن ارتبط أحدهما بالآخر، ذهب الضابط إلى الحرب في اليونان، حيث وقع في حب امرأة من “كورفو”. ونتيجة لذلك انفصل عن نادا التي ماتت من القهر. ومن هنا بدأ العشاق الزائرون بتعليق أقفال نحاسية على القضبان الحديدية للجسور، تعبيراً عن الحب الأبدي، لكي لا يخلف أحدهما الوعد ويخون العلاقة.”
عهد أبدي
أما الكاتبة (وفاء ضياء)، التي يبعد هذا الجسر الرومانسيّ المزدحم عن بيتها حوالي 600 متر، فقالت:
“بصراحة هنالك مقاومة عنيدة من السائحين المتشبثين بالتقليد الرومانسي، فدائماً يتجسد حلم العاشقين في حب أبدي، ولعل فكرة قفل يغلق وترمى مفاتيحه في نهر السين، من وجهة نظر العشاق، هي بمثابة العهد الذي لن يتجرأ أحدهما على الحنث به لأنه، بعيداً عن السياحة وجماليات المدينة، يعتبر جهة للسائحين العشاق والفرنسيين الراغبين في تخليد حبهم من خلال ربط قفل محفورة عليه الأحرف الأولى في سور الجسر.”
تعويذة الحب
في حين عبر (نشوان الطائي) السائح القادم من بلجيكا لزيارة الجسر عن ذلك بقوله:
“إن الأساطير تجعلنا نحتمل عبثية الحياة، لأنها تبعث الإحساس بالأمل، حتى أن رمي القطع النقدية في بحيرة أو نهر، إنما يضفي شعوراً جميلاً بالحياة، وكأن رؤية الحلم البعيد قد باتت قريبة جداً. والغريب أنك لو لففت حول فرنسا ومن ثم زرت برج إيفل وقوس النصر والشانزليزيه وحاولت اكتشاف كنوز التاريخ والفنون بروائعها الفنية والأثرية التي تسرد أهم حضارات البشر، ستبقى زيارتك ناقصة، او بالأحرى تفتقد لهذا اللغز الرومانسي الجميل، وكأن جسر العشاق قد صار تعويذة قادرة على جذب كل من يدخل باريس التي تناديه لزيارتها لعقد الوعد الأبدي.”