جعفر مراد: الشغف الذي أوقدته هوليود

202

محسن إبراهيم /

بعيداً عن حلمه في دراسة الهندسة، وهو الشغوف بالسينما منذ صباه, لكن زيارته الى هوليود أوقدت الحلم مجدداً، فعاوده الحنين الى شغفه الأول، الأمر الذي دفعه الى دراسة السينما بحرفية عالية وأتاح أمامه الاحتكاك بالسينمائيين العالميين، حتى أمسى من المخرجين المهمين، وأينما وجد اسمه وجدت الجوائز.
أعماله المميزة ترتكز على التقنيات الحديثة التي تحول الخيال الى صورة متحركة. إنه المخرج العراقي جعفر مراد، الذي كان لمجلة “الشبكة العراقية” معه هذا الحوار:
من الهندسة إلى السينما.. ربما هما طريقان لايلتقيان، كيف تغيرت بوصلتك؟
– فعلا من الهندسة الى السينما، منذ طفولتي وأنا لدي شغف فني، ولاسيما في مجال السينما، إذ كنت نشطاً في المدرسة، وفي المناسبات الرسمية كان لابد لي من أن أقدم عملاً فنياً للمدرسين وللطلاب، أغاني أو مسرحيات. لكني درست الهندسة رغم أنها ليست حلمي وأكملتها في هولندا، حيث حصلت على البكالوريوس، وبما أنني كنت من الأوائل فقد حصلت على عمل في مجال الهندسة الإلكترونية، لكنني لم أكن سعيداً لأني لم أحقق حلمي السينمائي. ذهبت الى هوليود في جولة سياحية، وهناك انبهرت بكيفية صناعة الأفلام، لذا انغمست في ذلك العالم الجميل الخيالي الحالم في (يونيفيرسال ستوديو). من تلك اللحظة قررت أن أغير مجالي فأدرس السينما وأكون سينمائياً، طبعاً واجهت ظروفاً صعبة جداً: مادية واجتماعية، الى أن حققت الذي أطمح إليه، الموضوع لم يكن سهلاً أبداً.
الاعتماد الذاتي
هل يمكن الحديث عن سينما عراقية في ظل هذه الظروف؟
– السينما العراقية تمر بظروف صعبة، ولا أريد أن أدخل في شرح الأسباب، لأنها كثيرة، لكنه الإهمال الموجود من وزارة الثقافة للسينمائيين، سواء في داخل البلد، أو للمقيمين في الخارج، هذا ما يحدد إنتاج الأفلام. لهذا لا يوجد أي طريق أمامنا سوى أن ننتج أفلامنا بجهد ذاتي، وأنا واحد من السينمائيين الذين ينتجون أعمالهم بأنفسهم، وطبعاً هذا يصعب الأمور لأن السينما تحتاج الى دعم مادي كبير. ورغم ذلك فأنا أشارك في مهرجانات عالمية وأفلامي تتنافس مع أفلام معمولة بإنتاج ضخم ومن شركات كبيرة، وبكل فخر أتفوق عليهم، رغم إمكانياتي المادية البسيطة.
المهجر يضم الكثير من المبدعين, برأيك لمَ يبدع الفنان خارج حدود الوطن؟
– فعلاً الفنان ممكن أن يبدع خارج الوطن لأن حنينه تجاه الوطن يكبر كل يوم، وهذا طبعاً ينعكس على مشاعره عندما يترجم أحداث العمل على شاشة كبيرة، علاوة على الثقافة التي يكسبها من الغرب وطريقة حياتهم ونظرتهم تجاه معالجة المواضيع، وأيضاً احتكاكه بسينمائيين أوروبيين، ومشاهدة أفلام المهرجانات الجديدة التي تولد لديه عمقاً أكثر في ترجمة مشاعره، سواء أكان كاتباً أم مخرجاً، لكن هذا لا يمنع من وجود سينمائيين في الداخل أبدعوا أيضاً في أعمالهم ولهم نظرة جميلة في التعبير.
آراء النقاد
ما تأثير المهرجانات السينمائية، المحلية منها والدولية، عليك كمخرج؟ وماذا يمكن أن تستفيد من المشاركة فيها؟
– المهرجانات الأوروبية مهمة لي كسينمائي، لأن هناك في أوروبا تطوراً كبيراً في صناعة السينما، ومواكبة هذا التطور ضرورية لكي أنمي أفكاري حسب معايير السينما الحديثة التي تتيح لي فرصاً أكثر كي أشاهدها عندما أشارك في مهرجانات أوروبية، وأيضا سماع آراء النقاد والجمهور الأوروبي في أعمالي ونظرتهم إليها، وهذا يمنحني ثقة أكبر في أن الطريق الذي أسير عليه هو طريق صحيح. لهذا فإن المهرجانات ضرورية لتبادل الآراء والأفكار، علاوة على الوقت الجميل الذي أقضيه هناك، والتعرف على فنانين وممثلين ممكن أن يعملوا معي في أعمالي عندما أحتاجهم.
قواعد السينما
ربما أنك المخرج العراقي الوحيد الذي حصد الذهب في غالبية المهرجانات؟
– أعترف بأن مشاركاتي كثيرة في المهرجانات العربية والعالمية، ولاسيما العالمية، والحمد لله فإن الجوائز التي حصلت عليها من هذه المهرجانات عن كل عمل أقدمه دليل على نجاحي بالكتابة وفي الإخراج والمعالجة، لكن يجب أن لا ننسى أنه يوجد سينمائيون زملائي سواء في داخل العراق، أو في خارجه أيضا، لديهم مشاركات عديدة، لكن في أوروبا، ولاسيما في بريطانيا، أقولها بكل فخر إن اسمي بدأ يتداول هناك، وبعض المهرجانات تنتظر أعمالي لكي أقدمها لهم، وهذا طبعا يسعدني ويجعل ثقتي كبيرة عندما تراودني فكرة عمل جديد، مؤخراً حصل فيلمي (وصمة عار) على جائزتين في مهرجان rima بالبرازيل كأفضل قصة وأفضل فيلم وثائقي.
البيئة المختلفة ربما تؤثر نوعياً.. هل تجدُ أنّ أسلوبك في الإخراج تأثر بهذه البيئة؟
– ممكن أن أعتبر نفسي محظوظاً أنني درست السينما في بريطانيا عن طريق أساتذة كبار بدأت معهم وتعلمت منهم قواعد السينما الصحيحة، ودخلت أماكن تصوير بريطانية، وحصلت على الماجستير، وكان الماجستير عملياً وليس نظرياً، وهذا ما ساعدني في تكوين خبرة جيدة من خلال العمل مع مخرجين عالميين, فقد كنت أحضر في أماكن تصوير بعض أفلامهم التي عرضت -فيما بعد- في القنوات البريطانية، نعم البيئة مهمة ولها تأثير كبير في صقل الموهبة، لكن حلمي هو أن أخرج عملاً في داخل العراق، في أماكن عراقية بحتة، حيث توجد لدينا أماكن تصوير رائعة بما يمتلكه العراق من بيئة ثرية وأثرية، هذا سوف يزيد من جمال الصورة في الشاشة الكبيرة، إن شاء الله تتحقق هذه الأمنية.
حرب الخليج
هل لامست تجربتك ما يعانيه الوطن؟
– كل أفلامي التي كتبتها وأخرجتها بعد التخرج كانت تتحدث عن مشكلاتنا، كشرقيين وكعراقيين، بصورة خاصة، حتى فيلم التخرج، الذي حصل على المركز الأول، ناقشت فيه الخوف المزروع فينا -نحن كعراقيين- من جراء أنظمة لم ترحم الشعب، ولم توفر له أقل حقوقه، عملت أيضاً فيلماً عن نظرة الغرب الخاطئة إلى الشرقيين، وللمسلمين، وأيضاً عملت فيلماً اجتماعياً عن عذرية المرأة الشرقية، وفيلمي الوثائقي الأخير، الذي نجح نجاحاً كبيراً، هنا في أوروبا، حيث ناقشت موضوع الشباب الذين رفضوا المشاركة في حرب الخليج لذلك تم القبض عليهم وعوقبوا عقوبة شديدة مازالوا يدفعون ثمنها إلى حد اليوم، كل هذه الأفلام -والحمد لله- نجحت نجاحاً كبيراً وحصلت على كم كبير من الجوائز، وباسم العراق.
التقنية، وطريقة المعالجة، وزاوية نظر المُخرج، والابتعاد عن الكلاسيكية، هي أبرز ملامح أفلامك.. هل تعتمد هذه الرؤية في جميع أعمالك؟
– كل عمل يجب أن يختلف عن الآخر، فكل عمل له نظرة تميزه عن الآخر، وله أبعاد تجعله يكون مميزاً، ويجب أن تكون له بصمة، من بداية الفكرة الى الكتابة، ثم الى التنفيذ، كل هذه المراحل تجعل الفيلم يختمر في داخلي ويكبر يوماً بعد يوم، الى أن تصبح الفكرة متكاملة بالنسبة لي، لاسيما وأنا أكتب أعمالي، لهذا يكون الخيال مكتملاً عندي، وأجمل شيء عندما أشاهده على شاشة كبيرة، وأنظر الى الجمهور وهم في تركيز كبير على الخيال الذي كان في داخلي وبدأ بفكرة بسيطة, هذا يجعلك تشعر بسعادة كبيرة تعطيك طاقة كبيرة وقوة لكي تستمر في طريقك.
أهم أعمالك السينمائية التي تعتبرها مفتاح نجاح لأعمالك الأخرى؟
– بصراحة كل عمل عملته له بصمة، وله خطوة في النجاح، إذ أن كل عمل عاش معي فترة الى أن تم تنفيذه، وعاش أيضاً في المهرجانات، وسفري الكثير معه في الدول التي كان يشارك فيها ابتداء من فيلم التخرج “لي فوياج أو الرحلة” ثم “العودة الى فكتوريا” ثم “خلف المرآه”، وفيلمي الروائي الطويل “فطور إنجليزي” والآن “وصمة عار”.. ولكن يجب أن أكون صريحاً معك، يوجد عندي فيلم قصير سايكولوجي، وهو أول أفلامي عنوانه “هارمونيكا”، استطيع أن أقول لك إنه فيلم يحمل عمقاً سايكولوجياً درامياً كبيراً، رغم قصره، لكنه في كل أمسية أعملها يكون هو أول فيلم أعرضه قبل الأفلام الأخرى، والغريب أنه أكثر فيلم يحصل على مناقشة واهتمام الحضور أينما أذهب.