“جنائن معلقة” يعود بالسينما العراقية إلى دائرة المنافسة

399

محسن العكيلي /

بعد سنوات من الركود والتهميش اللذين لازما الحركة الفنية في العراق، وألقيا بتأثيرهما على مجمل الإنتاج الفني، سينمائياً كان أم مسرحياً، نجح جيل شاب في مواجهة العقبات التي تعترض طريق النهوض، إذ كان لابد للحركة الفنية من أن تستعيد عافيتها على يد جيل جديد من الشباب آمن بأن لابد من تذليل كل عقبة تعترض طريق النهوض بالواقع الفني، ولاسيما السينمائي، فمضوا بمغامرة لينتجوا فيلم (جنائن معلقة).
ترك الفيلم بصمة واضحة في المشاركات العربية والعالمية، إذ حصد –مؤخراً- الجائزة الخاصة لمهرجان فينيسيا السينمائي.
دعم حكومي
يقول مخرج الفيلم (أحمد ياسين) الذي درس الإخراج في لندن، وأخرج أفلاماً قصيرة عدة، إن فيلم (جنائن معقلة) هو تجربته السينمائية الأولى في مجال الفيلم الروائي الطويل. يحدثنا عن مرحلة إنتاج الفيلم قائلاً:
إن إنتاج فيلم (جنائن معلقة) مرّ بمراحل الفيلم المتعارف عليها، وهو حالياً يمر بالمراحل الأولى لما بعد الإنتاج، إذ يتعثر بإنجازه بصوره سريعة -كما نطمح- بسبب ضعف التمويل، فقد تم تصوير الفيلم بواسطة الدعم المحلي, وهو على المستوى الحكومي يعتبر كبيراً مقارنة مع المشاريع السينمائية السابقة، ولاسيما من وزارة الثقافة العراقية، إذ جرى دعم المشروع مادياً ضمن منحة الأفلام للإنتاج المشترك المقدمة من وزارة الثقافة العراقية، حين جرى التصويت على الأفلام الممنوحة ضمن الجلسة الاعتيادية لمجلس الوزراء في ٢٩ حزيران من العام الحالي.
وأشار المخرج إلى التسهيلات والموافقات اللوجستية التي قدمت من شبكة الإعلام العراقي ودائرة العلاقات الثقافية في الخارجية، وأيضاً الحصول على دعم وزارة الداخلية من خلال توفير الحماية لفريق العمل أثناء التصوير، فضلاً عن مساهمة أهالي مدينة الصدر بتأمين المواقع طوال فترة الإنتاج والتحضير، إضافة إلى الدعم الصحي من قبل وزارة الصحة العراقية، إذ تم التصوير أثناء فترة حظر التجوال إثر أزمة جائحة كورونا، فقد تم تأمين الفريق صحياً من قبل الوزارة، والقدرة على التصوير دون إصابة أحد من طاقم العمل والممثلين. وعلى مستوى القطاع الخاص مُنح الفيلم رعاية خاصة لتغطية أهم احتياجات الإنتاج، مثل النقل، ولاسيما في مواقع التصوير، إضافة إلى الدعم الكبير الذي حصل علية الفيلم من قبل الأستاذ (نصير شمّة) مادياً ولوجستياً، والمنتج والمخرج (علي فاضل) الذي ساهم بدعم الفيلم. وأيضاً مساهمات عربية، مثل حصولنا على منحة إنتاج من الصندوق العربي للثقافة والفنون – آفاق في لبنان، ومساهمات أجنبية من شركات مثل شركة (ترش) للإنتاج السينمائي في كندا.
وقد جرى اختيار كل من الطفلين (حسين محمد)، الذي أدى شخصية (أسعد)، و(أكرم مازن) الذي لعب شخصية (أمير) والممثل الشاب (وسام ضياء) لشخصية (طه)، والممثل القدير جواد الشكرجي في دور (الحجي)، ومجموعة من الممثلين المحترفين. شارك الفيلم في مهرجانات عدة وحاز مؤخراً على الجائزة الخاصة في مهرجان فينيسيا الدولي.
مواهب عراقية
وأكدت المنتجة الرئيسة للفيلم (هدى الكاظمي) على “أنها ومدير التصوير (دريد المنجم) أصرّا على صناعة فيلم (جنائن معلقة) بمواهب عراقية, إيماناً منهما بالإمكانات العراقية السينمائية، وكانت تجربة أثبتنا من خلالها مقدرة العراق على صناعة سينما حقيقية تنافس في المهرجانات العربية والعالمية السينمائية المهمة في العالم، لذلك كان فريق عمل التصوير عراقياً بالكامل.
فقد هيأت شركة عشتار للإنتاج السينمائي فريقاً متكاملاً بإدارتي مع بعض المساهمات العربية والدولية في فترة التحضيرات، أي قبل وبعد الانتاج، بالإضافة إلى المساهمة مع المنتجة البريطانية (مارغريت كلوفر) والمنتجة المساهمة الفلسطينية (مي عودة) واستشارات ما قبل وما بعد الإنتاج من قبل المخرج الأردني (يحيى العبد لله).”
أحداث الفيلم
يبدو للوهلة الأولى أن قصة الفيلم هي من نسج الخيال لما تحتويه من أحداث قد تكون غريبة على المجتمع العراقي, لكن القصة في الحقيقة مستوحاة من أحداث حقيقية دارت أحداثها أيام الاقتتال الطائفي وتواجد القوات العسكرية الأميركية المحتلة في بغداد.
الفيلم يتحدث عن صبي اسمه (أسعد) يعمل مع شاب اسمه (طه) في ساحة كبيرة من الطمر الصحي في أحد أحياء بغداد، يستيقظ أسعد وطه فجراً ليشقا طريقهما إلى الطمر، وهو عبارة عن خليط من السموم من تلال النفايات الممتدة على وجه الأرض تتخذها مئات العوائل مهنة لها، ليعثر المراهق أسعد على روبوت دمية أميركية بحجم إنسان فيعرضها على صديقه طه كهدية لإشباع رغبته العاطفية، فيهاجمه طه بتهمة خرق الأعراف والقوانين الأخلاقية، وبالصدفة يكتشف الصبي أمير (الدمية)، وعلى الفور يعي إمكانياتها ليجبر أسعد على العمل معه بالشراكة، تنجح تجارتهما وتدر الكثير من المال، ليدرك أسعد أنه مستغل، تُختطف الدمية بدوافع الغريزة فيخاطر أسعد بحياته لإنقاذها، متخفياً من عيون وتقاليد المجتمع التي تطارد طه وتطالبه بالتصرف وغسل العار. يهرب أسعد محاولاً حماية الدمية إلى ناقلة الجنود الأميركية المهجورة، إلى ملجئه في (الجنائن المعلقة)، لكن الأوان كان قد فات ودُفنت الدمية مع جميع أحلامه ليبدأ أسعد رحلة من أجل كبريائه بالبحث عن دميته المخطوفة.