حروب قذرة يوثق جرائم الطائرات المسيرة

929

محمد خلف كباشي/

دفعت مشاهد الغارات الليلية لطائرات من دون طيار وعمليات القوات الخاصة الاميركية بعض الصحفيين الليبراليين الى إنتاج عدد من الأفلام السينمائية الوثائقية التي توضح حقيقة وحجم المأساة التي تخلفها تلك الغارات ولعل أهم تلك الأفلام هو فيلم “حروب قذرة “.
الفكرة الأساسية للحروب الأميركية على الارهاب تكمن في التزام المسؤولين الأميركان المنتخبين بتبني استخدام تكنولوجيا عالية الكفاءة لمجابهة الارهاب باستخدام هجمات بطائرات من دون طيار واقتحام المنازل وعمليات الاختطاف والتعذيب في جميع أنحاء العالم للحفاظ على أمن أميركا، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف الى تصاعد موجات جديدة من العنف والارهاب اثر قيام تلك القوات بقتل العديد من المدنيين الأبرياء حيث استهجن بعض الأمريكان فكرة العيش في دولة يقودها الارهاب.
يعرض فيلم “حروب قذرة” مشاهد سابقة لبعض الحقائق الدامغة بالصوت والصورة وبعيدا عن مفاهيم الاستثناء الامريكي ومفهوم الحرب باعتبارها شرا لابد منه. اختار المخرج ريك رولي الاسلوب القصصي في مكان ما في افغانستان في عام 2012 من خلال تلفزيون ” الواقع ” حيث يتم تدوين مقابلة مع بعض الأشخاص والشهود من خلال أفلام وثائقية تدين بشكل قاطع اعتداء القوات الأميركية على المدنيين الأبرياء.
قصة الفيلم
يقوم (جيريمي سكاهيل)، الصحفي المستقل الذي اشتهر بتغطية حربي العراق وافغانستان وكتابه الشهير الذي تناول فيه فضائح شركة ” بلاك ووتر” وصعود أقوى جيش من المرتزقة في العالم، بدور الراوي في الفيلم، إذ قلما نراه برفقة القوات الأمريكية في جولات متفرقة في الأراضي الافغانية، وغالبا ما يغامر خارج أفق حلف شمال الاطلسي “المناطق الخضراء” ليتحدث مع الناس من خلال لقاءات عابرة حول أوضاع المدنيين، يتميز سكاهيل عن بقية الصحفيين بامتلاكه مساحات حرة وطليقة لتوثيق حجم وألوان الظلم في تفاصيل دقيقة يرسلها الى القنوات الفضائية حيث غطى سابقا أحداث حرب العراق.
تابع الفيلم أنشطة (قيادة عمليات الخاصة المشتركة JSOC ) حيث كلفت قوة قوامها سرية تابعة لهذه القيادة لم يكشف عن اسمها بمداهمة المنازل في منتصف الليل وقتل “الارهابيين المشتبه بهم ” جنبا الى جنب مع النساء والأطفال الذين كانوا يعيشون معهم. يزور سكاهيل واحدة من هذه العوائل التي قدمت أدلة دامغة على أن القوات الأميركية قامت باختطاف وقتل أقاربهم ولا علاقة لطالبان او تنظيم القاعدة بهذه الجريمة. إن رب الأسرة الذي اغتيل في عتبة منزلة مع ثلاث نساء من أقربائه كان يعمل سابقا قائدا في الشرطة الافغانية برفقة جنود أميركيين ومن خلال أشرطة الفيديو العائلية التي اخذت بواسطة كاميرا موبايل في وقت سابق لتوثق ليلة قتل الضحية وهو يرقص في غرفة المعيشة المزدحمة ليشارك أحباءه في احدى حفلات الزواج.
اراد سكاهيل معرفة ما العلة وراء تسديد القوات الأميركية مثل هذه الضربة على المدنيين وبتوجيه من قيادة العمليات الخاصة المشتركة (JSOC)، يقول سكاهيل “ليس من السهل الحصول على معلومات حول حجم التمويل والاساليب التي تنتهجها هذه القيادة ونطاق انشطتها، بدأت هذه القوة الخاصة وكأنها فريق واحد لإنقاذ الرهائن في عام 1980 . كشف سكاهيل وصحفيون آخرون حقيقة نشاط هذه الفرقة في عهد الرئيسين بوش واوباما، التي اختصت بالاغتيال وخطف منافسيهم من امراء الحرب في العالم الثالث.
نقطة تحول
في اليمن يتحدث سكاهيل مع والد المواطن الأمريكي أنور العولقي ومن خلال هذه المشاهد يظهر العولقي إذ كان رجل دين غير معروف بالتطرف وفي ذات الوقت متعاطفا مع ضحايا الولايات المتحدة في أحداث 11 ايلول، إلا أن الهجمات التي شنتها الولايات الأميركية على اليمن عبر طائرات مسيرة قتل على اثرها ولده في احدى هذه الهجمات، تعد هذه الحادثة نقطة تحول بالنسبة الى العولقي الذي شجع “الجهاد” ضد الغرب ومع تخويل عام 2001 والتي سمحت أميركا لقواتها العسكرية من خلاله باستخدام القوة للتخلص من أي مواطن أميركي مشتبه وله صلة بالإرهاب، حيث قامت هذه القوة بإطلاق صاروخ نوع ” هيلفاير ” على منزل العولقي وقتلت اعدادا كبيرة من المدنيين وكان من ضمنهم ابن العولقي ذو 16 ربيعا، وتبين أن المخابرات الأميركية CIA كانت تخطط لقتله.
إن جرأة سكاهيل ورولي، وهما ليسا غريبين عن مناطق القتال، حملتهما إلى أبعدَ من كابول في أفغانستان، جنوباً إلى مدينة غارديز، في مقاطعة باكتيا، التي تعجّ بأفراد طالبان المسلحين، وحلفائهم بهدف اجراء تحقيق في واحدة من الاف الغارات الليلية التي نادرا ما تتناولها وسائل الإعلام . إن ما رواه سكاهيل عن تلك الغارة حيث قال “حصلت قوات العمليات الخاصة على معلومات استخبارية تفيد بأن خلية لطالبان مجتمعة للتحضير لتفجير انتحاري. فما كان من تلك القوات إلا أن اغارت على المنزل في منتصف الليل، لينتهي بها الأمر الى قتل خمسة أشخاص بينهم ثلاث نساء، وأحد كبار قادة الشرطة الافغانية الذين تلقوا تدريبهم على أيدي الأميركيين “