حكايات فنية

156

يحررها: محسن العكيلي /

ابتلاء الدراما

حينما يقام عمل فني لابد أن تكون هناك قواعد للأسلوب النقدي، سلباً كانت أم إيجاباً. النقد هو التذوق في أعلى مستوياته، والنّاقد الفني هو من يحاول تفسير وتوضيح العمل الفني، وقد يصف من خلال ما تذوقه في العمل، التأثير الذي ينبغي أن يكون لهذا العمل على المشاهد. يستند العمل الفني الى معطيات كثيرة أهمها البنية الدرامية للعمل، وأسلوب كتابة السيناريو، والإخراج، فضلاً عن أداء الممثلين في تبصّر عميق من قبل الناقد وتأمل واعٍ للعمل الفني. الناقد هو المرآة التي تعكس أفكار الكاتب والمخرج والممثل، إذ يستحضر التجارب التي أوحت لهم والقضايا التي ألهمتهم، فيحس بإحساسهم وينظر ببصائرهم إلى جوهر العمل الفني. وفي المحصلة فإن النقد التلفزيوني هو وجهة نظر مختصة لمتابع يمتلك الكفاءة المعرفية والفنية اللازمة للحديث عن التلفزيون، فلا وجود للعلاقات ولا للمشاعر. النقد ليس عملاً دعائياً لممثل ما، أو لمنتج تلفزيوني، أو لقناة تلفزيونية، لكن حين يبرر من يعتقد أنه ناقد فني أن اقتباس الأعمال التركية هو لأجل الانتشار العربي، فتلك مصيبة جديدة تضاف الى مصائب الدراما العراقية التي ابتليت بطرق بابها من قبل الدخلاء.

الفـــن والشعر ميوكلن خبز!!
بين الحين والآخر تتصدر أخبار الفنانين والشعراء العراقيين المشهدين الفني والصحفي ومواقع التواصل الاجتماعي، مرض وعوز ومناشدات بعد أن ترك هذا الفنان أو الشاعر في زوايا الظلام، ينخر في سني عمره الجوع والمرض.
حين وجهنا سؤالنا ذات مرة: هل هناك نجومية في العراق؟ ضحك بعضهم وامتعض بعض آخر، وكان الجواب واحداً: حين لا تكون هناك مؤسسة لصناعة النجوم فلا وجود للنجم.
من المحزن ما نشاهده من حال بعض الفنانين الذين قدموا عصارة أعمارهم خدمة للفن في يوم ما، فمحبة الناس لا يمكن الحصول عليها بسهولة، ولكن عند أول انعطافة في طريق الحياة يتخلى الجميع، من محبين وأصدقاء ومؤسسات. شعراء كبار كانوا يعانون من شظف العيش: كاظم اسماعيل الكاطع وعريان السيد خلف وصباح الهلالي وسمير صبيح وغيرهم، الذين كان حلمهم الوحيد هو الحصول على وطن صغير يحتوي عائلاتهم، غادروا الحياة ولم يحقق أكثرهم هذا الحلم،
بينما نشاهد في الجانب الآخر من يطلقن على أنفسهن لقب (فنانة) أو (شاعرة) يتمتعن بكل مزايا النجوم، او ما يطلقون عليه الآن (المشاهير)، من مستوى مادي ومعنوي: فلل وسيارات ومكانة اجتماعية. هل اختلفت موازين الحياة؟ أم أنه لابد من أن يكون للفن والشعر وجه آخر؟!!

أسماء فنية بين رحى النسيان
عبر نايات القصب، وأنين الأهوار، وصحارى الروح وأنينها، وشواطئ دجلة وعذوبة نسائمه، كان الغناء الريفي والبدوي والمقام العراقي يرتل في معبد الروح مع كل بيت (أبو أذية). ويبحر في الأحلام الغافية على قمة الانتظار, غناء مثل نهر ذكريات متدفق وحكايات غرام لا ينتهي، وحيداً يعانق الليل والأرض, حلم ضرير على امتداد الضوء يباركه الحزن على قيثارة الألم ,غناء بات في رحى النسيان بعد أن تهاوى رواده كورقة خريف من شجرة الزمن. داخل حسن وحضيري أبو عزيز وجبار عكار ومحمد القبنجي ويوسف عمر.. أسماء خالدة في ذاكرة الغناء العراقي، مطربون استطاعوا أن يسجلوا لأنفسهم بصمة تاريخية تمثل الحياة الاجتماعية في العراق.
وبمرور الزمن، تحول هذا الفن من كونه مجرد أغنية بسيطة إلى إرث فني وثقافي، انطلق من خلاله المئات من الفنانين في العراق. وكانت الأغنية العراقية التي يتداولها الناس بشكل مستمر جزءاً من الموروث السائد آنذاك. ومع كل ما لذلك الفن من أصالة أطواره، نراه اليوم يعاني ما يشبه الاندثار بعد موجة الأغنيات الشبابية السريعة التي صارت تجتاح كل أماكن البث الإذاعي والعرض التلفزيوني وصالات الاحتفالات والمناسبات. ولهذا فإن الدعوة للاحتفاظ بالأغنية التراثية وأصالتها تتطلب القيام بحملة إعلامية كبيرة لاستعادة جوهرها بعودة المؤسسات التي ترعاها وتهتم بها.

جمهور المسرح يتألق من جديد
مازالت بغداد قبلة المسرح العربي، ومازالت خشبات مسارحها تتوشح بالإبداع. مهرجان بغداد المسرحي الذي ودع نسخته الثالثة نجح، رغم كل شيء، حين تألق المسرح والجمهور معاً. الجمهور الذي كان نموذجاً حياً للمشاهد المثقف والمتذوق، وأثبت بما لا يقبل الشك حبه للحياة وترسيخ هويته الحقيقية. ومن يظن أن الجمهور المسرحي فقد ذائقته الفنية، فإنه بلا شك قد جانب الحقيقة, إذ مازال الجمهور يمتلك رؤية فنية يستطيع بها التفريق ما بين الغث والسمين, وأنه يستطيع أن يتجاوب مع الفنون التي تعبر عنه تعبيراً حقيقياً، وكثيراً ما يذهب الجمهور الى المسرح ليس لغرض مشاهدة العرض المسرحي فقط، بل ليشارك فيه، وعزوف الجمهور ليس بسبب قلة الوعي بل بسبب تخلي المسرح عن دوره الحقيقي في معالجة قضايا الواقع، وبالتالي لم يعد الجمهور يرى نفسه فوق خشبته. يمكن أن يتنازل المسرح عن كل المكونات التقنية، لكن لا يمكن له الاستغناء عن الركن الأساس، ألا وهو الجمهور، فلا مسرح بدونه ولا وجود لفرجة درامية في غياب المتلقي.