“حمّوووو.. التمساحة يا لااااااا “! آخر جملة لسناء جميل
مينا أمير الحلو /
لا أعتقد أن هنالك شخصاً تابع مسلسل (الراية البيضا) ولم تبهره السيدة الفنانة القديرة سناء جميل في دورها الخالد (المعلمة فضة المعداوي). هذا المسلسل عرض في عام ١٩٨٨ً..
أنا شخصياً أتابع المسلسل في كل مرة يعرض فيه. وعلى ما أعتقد فإنني شاهدته لأكثر من عشرين مرة. المسلسل من إخراج المخرج الراقي (محمد فاضل) وتأليف المؤلف الذي لن يتكرر (أسامة أنور عكاشة) وبطولة الفنانة القديرة سناء جميل والفنان القدير جميل راتب، إضافة الى سمية الألفي.. هشام سليم.. سيد زيان، وغيرهم الكثير من الممثلين المميزين.
وسأكتب الآن المعلومة التي عرفتها وفاجأتني، أن دور السفير السابق (مفيد أبو الغار) الذي لعبه الفنان جميل راتب بكل روعة ورقي، كان المرشح الأول له هو الفنان العبقري محمود مرسي.
محمود مرسي فنان رائع والدور يليق به فعلاً، لكن لماذا لم نشاهده يمثل الدور؟
إذ بعد أن عرض الدور عليه، قال محمود مرسي: الدور جميل جداً ويسعدني أن أمثله.. لكن سناء جميل “وحش تمثيل، دي حتاكلني”، والدور بينادي صاحبه، وصاحبه جميل راتب.
طبعاً كلنا خسرنا مشاهدة مبارزة تمثيلية عبقرية بين محمود مرسي وسناء جميل، لكننا ربحنا الاستمتاع بأداء جميل راتب طبعاً، الذي كان صديقاً مقرباً من سناء وزوجها، فكان سعيداً جداً بالدور وبالعمل معها.
بديلة غير مشهورة
سناء جميل من مواليد ١٧-٤-١٩٣٠ في محافظة المنيا.. والبعض منا يعرف أن محافظة المنيا في مصر من المحافظات المسيحية التي تكون عوائلها محافظة جداً على التقاليد والأعراف، لذلك لم يرحبوا برغبة ابنتهم (ثريا يوسف عطا الله) بالتمثيل ودراسته في المعهد العالي للفنون المسرحية، لكن حب ثريا للفن تغلب على كل مشاعرها ورغبتها بإرضاء أهلها، فتركتهم وعاشت لوحدها ودرست فن التمثيل في المعهد. وبعد تخرجها عام ١٩٥٣ عملت في فرقة الفنان القدير زكي طليمات المسرحية، التي كان ينافس فيها فرقة رمسيس العريقة بقيادة الفنان يوسف وهبي بك. لكن بدايتها الحقيقية كانت عندما ترشحت لدور (نفيسة) في فيلم (بداية ونهاية) الذي أخرجه المخرج صلاح أبو سيف عن رواية لنجيب محفوظ بنفس العنوان، لكن ترشيحها كان بعد رفض الفنانة سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة للدور، فبحث القدير صلاح أبو سيف عن بديلة غير مشهورة وقدم لنا فيلمه الرائع (بداية ونهاية) الذي يعتبر واحداً من أفضل مئة فيلم في تاريخ السينما المصرية، ومعه قدم سناء جميل التي أصبحت من أفضل ممثلات الوطن العربي.
اسامة انور عكاشة
نعود لمسلسل (الراية البيضا) والمعلمة فضة، كان دوراً شريراً وشعبياً، لا يمت لرُقي سناء في شيء، هذا الرُقي الذي نلمسه حين تقول ولو كلمة واحدة باللغة الفرنسية التي كانت تجيدها بطلاقة، ففضة المعداوي مثال للشخصية العنيفة المستبدة الطامعة في قصر السفير، التي استخدمت كل ما استطاعت من طرق شرعية وغير شرعية لأخذه منه. كانت سناء جميل فعلاً “وحشَ تمثيل”، كما وصفها محمود مرسي، فلقد نسينا من هي سناء جميل، وكل ما عرفناها بأنها المعلمة (فضة الإسكندرانية) المتخلفة فنياً وأدبياً.
كان الحوار في المسلسل رائعاً كما عودنا الأستاذ أسامة أنور عكاشة في كل حواراته التي كتبها لمسلسلات نحفظ جملاً طويلة منها إلى الآن، بل هي دروس في كتابة فن الحوار، ومن أشهر الجمل التي قالتها فضة المعداوي لصبيها حمو (سيد عزمي):
حمّوووو التمساحة يا لااااااا .
وتقصد بالتمساحة سيارتها المارسيدس أو (التمساحة)، كما يطلق عليها في مصر، التي ستذهب بها إلى ڤيلا أبو الغار لتتباهى أمامه بها. هذه الجملة بقيت عالقة في أذهان كل محبي ومتابعي سناء جميل لسنوات طوال.
عندما دخلت سناء جميل المستشفى لأخذ العلاج من مرض سرطان المعدة في عام ٢٠٠٢، كانت متعبة جداً بالطبع في آخر أيامها من آثار المرض، يروي لنا زوجها الصحفي (لويس جريس)، الذي ارتبطت به منذ الخمسينيات حتى يوم وفاتها، ولم يفكر في الابتعاد عنها والزواج من أخرى بسبب عدم قدرتها على الإنجاب، قائلاً: فقدت سناء الوعي في آخر أسابيع إقامتها في المستشفى، وكنت أجلس كل يوم منذ الصباح الى وقت انتهاء الزيارات بقربها، وأعود في اليوم الثاني متمنياً أن تفتح عينيها وتحدثني، لكنها كانت في غيبوبة تامة، وفي آخر يوم لها وهو ٢٢-١٢-٢٠٠٢ غادرتُ المستشفى ولم أكن أعلم بأني لن أراها بعد هذا اليوم، لكن ما أسعدني هو ما حصل قبل وفاتها بدقائق قليلة والذي رواه الممرض الذي شاهدها لآخر مرة، فلقد دخل إلى غرفتها الممرض ولقد فوجئ بأنها صاحية، فتحدث إليها بسعادة بالغة، وقال لها بأنه يعشق دورها في (الراية البيضا)، وقد قام بمحاولة لتقليد جملتها الشهيرة أمامها، فابتسمت له وقالت: مش كده بتتقال الجملة، اسمع، وقالت بصوت استجمعت فيه كل قواها (حمّوووووو التمساحة يا لااااا)، بعدها فقدت الوعي تماماً لتدخل في غيبوبة أخيرة وتغادرنا بعد دقائق من قولها لأشهر جملة لها.
رحم الله فنانتنا القديرة سناء جميل وكل فنانينا الذين شاركوا في هذا العمل الراقي.