حياة الماعز.. بين الرؤية الفنية وإثارة الجدل

167

محسن العكيلي/
مهما حاولت السينما أن تتحرر من سلطة الواقع وتاريخه، فهي مدعوة بطريقة ضمنية إلى الانخراط فيه، بكونها عبارة عن وسيط بصري يحمل في باطنه خطاباً احتجاجياً، حتى لو جاء وفق شكل فني أو أداة جمالية. على هذا الأساس تعد الصورة في نظر الباحثين أكثر الخطابات قوة، إذ تتجاوز الكلمة من حيث التأثير، لأن انتشارها واسع وسريع. فهي لا تأخذ إذناً من الناس، بل تقتحم خلوتهم وأجسادهم وعالمهم وتؤثر بطريقة مباشرة في لاوعيهم.

(حياة الماعز) هو أحد الأفلام الذي يستند إلى قصة واقعية، أثار جدلاً كبيراً في الأوساط السينمائية والشعبية. وليس بالضرورة أن تنقل السينما الواقع بحذافيره، إذ لابد أن تكون هناك ضرورة درامية لتغيير بعض الأحداث أو الأماكن أو الأشخاص. والقصة الحقيقية لـ (نجيب) بطل الفيلم تحتوي اختلافات كثيرة لم يتطرق إليها الفيلم.
رمال الصحراء
(حياة الماعز) هي قصة نجيب الحقيقية كما وردت في رواية الكاتب بنيامين (أيام الماعز)، التي تصدرت سوق المبيعات في العالم عام 2008. وهنا يكمن سؤال: كيف تعرّف كاتب القصة على بطلها؟ ربما كانت الصدفة حاضرة في عملية التعارف، حين تعرف الكاتب إلى أحد أصدقاء نجيب فسرد له القصة كاملة. تتمحور القصة حول الهندي نجيب، الذي كان يحلم بحياة أفضل وتأمين حياة سعيدة لعائلته، فيقرر السفر إلى الخليج للبحث عن فرصة عمل تؤمن له ما يحلم به. يسافر نجيب تاركاً أسرته وزوجته الحامل، محملاً بأحلام وأمنيات قد تنتشله من واقعه المر، وهو لا يعلم أن أحلامه سوف توأد في رمال الصحراء وسط وضع مزرٍ.
محنة جهنمية
ترك نجيب أسرته وزوجته الحامل في شهرها الثامن في وطنه، ليتوجه إلى الشرق الأوسط في العام 1993. ولم يكن يعلم أن أحلامه ستتبخر في رمال الصحراء، وتتحول إلى محنة جهنمية. يذكر نجيب لوسائل الإعلام أن “رب العمل لم يكن يشعر بالندم حتى عندما يرى حالتي تسوء من يوم إلى آخر، كان طعامي عبارة عن كسرة خبز يابسة اضطر الى تبليلها بحليب الماعز، وفي أحيان أخرى كان الأخ الأكبر لرب العمل يزور المنطقة، وكلاهما كان يمارس معي أشد أنواع العذاب.” مضيفاً: “بعد مشاهدتي الفيلم انتابتني موجة هستيرية من البكاء لأن المشاهد كانت مؤلمة حقاً.”
إثارة الجدل
الفيلم أثار جدلاً كبيراً بين النقاد، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي في السعودية وعدد من الدول العربية، النقاش الدائر حول الفيلم أبرز فريقين، الأول احتفى بالعمل باعتباره عملاً فنياً نجح في تسليط الضوء على مشكلات حقيقية تستدعي الإصلاح، بعيداً عن الأمور السياسية، وأن السينما هي مرآة الواقع، ولابد من تسليط الضوء على ذلك الواقع لمعالجته. الفريق الثاني رأى أن الفيلم تقصّد الإساءة لدول المنطقة، وأنه سقط في فخ التعميم والتحيز، وأن هناك هجمة ممنهجة تقودها بعض الجهات للنيل من دول المنطقة.
الفنان العماني طالب البلوشي، الذي جسّد دور (الكفيل)، خرج عن صمته للرد على الاتهامات الموجهة إليه وإلى فريق العمل، مؤكداً أن “الفيلم لم يكن يهدف إلى إثارة الجدل أو الإساءة لأية فئة من المجتمع، بل إلى تسليط الضوء على قضايا اجتماعية مهمة بأسلوب فني يعكس الواقع بشكل صريح ومباشر.” وأوضح أن “العمل الدرامي يجب أن يكون مرآة للمجتمع بكل تناقضاته وتعقيداته، كما أن النقد البناء هو جزء من العملية الإبداعية التي يسعى دائماً لتحسينها.”