دار الأزياء العراقية..سفيرة الجمال المكبلة بالقيود!

1٬812

زياد جسام/

خلف بنايتها العريقة المدهشة، ثمة أيادي تصنع الجمال. فمنذ تأسيس دار الأزياء العراقية عام 1970 في بغداد، وهي تشكل نقطة ضوء مهمة في تاريخ العراق، إذ تهتم بجماليات حضارة وادي الرافدين وأهم ما تمتاز به من الأزياء التي كانت تستعمل في ذلك الزمان والمكان، مثل الأزياء الأكدية والسومرية والآشورية، ومبكراً عملت على تقديم عروض للأزياء العراقية خارج العراق وداخله، فكانت سفيراً فوق العادة للجمال العراقي الأصيل في المهرجانات والنشاطات الفنية العربية والعالمية.
ودار الأزياء العراقية ليست كباقي دور الأزياء العالمية، فهي مؤسسة غير ربحية، تهدف الى إظهار القيم الجمالية والفنية في حضارة وتراث العراق، وتجسيدهما في تصاميم وأزياء وأقمشة وإقامة معارض وعروض الأزياء، وإنشاء المشاغل الخاصة بإنتاج تصاميم الأزياء الشعبية والتراثية والمعاصرة.
تناوب على إدارة دار الأزياء العراقية -منذ تأسيسها والى الآن- أحد عشر مديراً، أولهم مؤسستها فريال كاظم عبد الحسين الكليدار 1970 – 2005، حين كانت الدار في أوج نشاطاتها، حيث عُرفت هذه المؤسسة على مستوى العالم وقامت بالعديد من الأنشطة داخل وخارج العراق.
محاولات إنقاذ
وأنيطت مهمة إدارتها –مؤخراً- الى وكيل وزير الثقافة والسياحة والآثار د. عماد جاسم، الذي مازال مستمراً في إدارتها حتى الآن. وقد عمل جاسم على إعادة الأهمية الى دار الازياء على المستويين المحلي والدولي، بعد أن نالها الإهمال والركود، فقد عاشت الدار تجربة مريرة بعد عام 2003 عندما تعرضت، كغيرها من المؤسسات، إلى أحداث السلب والتخريب، وحاولت العودة مجدداً بعد هذا التاريخ، لكن لم يحالفها الحظ بسبب سوء عمل الإدارات التي تعاقبت عليها، وذلك لقلة خبرتهم او نتيجة للتقشف وقلة مواردها المالية.
وقد أسهم في عودتها مؤخراً، وعبر محاولة إنقاذ جادة، مديرها د. عماد جاسم، إذ ركز على جانب مهم فيها، هو أن هذه المؤسسة تجمع بين الثقافة والفن، كما أخذ على عاتقه الاهتمام بهذه المؤسسة العريقة، ابتداء من بنايتها الجميلة التي كانت تعد رمزاً من رموز العمارة في بغداد، وطفق يبحث عن الطرق الممكنة التي يعيد بها الروح الى هذه البناية او المؤسسة بصورة عامة، وقد توصل في الفترة الأخيرة -وبجهود فردية- الى حلول وسطية، منها إعادة ترميم جزئي لبنايتها التي تهالكت عبر التخريب او نتيجة لتأثيرات الزمن، وذلك عن طريق رابطة المصارف العراقية، إذ تكفلت الأخيرة بإعادة ترميم جزئي لهذا المعلم المهم.
أزياء وموسيقى
ناهيك عن أنشطتها التي اتسعت بشكل لافت في هذه الفترة، يقول د. عماد جاسم: “عملنا على المزاوجة بين الأزياء والموسيقى العراقية الأصيلة، مثل المقام العراقي، والجالغي البغدادي، وغيرهما، عن طريق عروض مشتركة، سواء على إحدى صالات الدار، او على مسارح وأماكن اخرى خارجها، في العراق او خارجه. كما عملنا على تنشيط قاعة معارض الفن التشكيلي في الدار ذاتها، حيث أقيمت فيها معارض شخصية عديدة لفنانين تشكيليين محترفين، وهنا بدأت العائلات العراقية تهتم بما تعلن عنه الدار عبر موقعها الإلكتروني، وتحرص على الحضور للاستمتاع بأماسيها الفنية الجميلة.”
خط إنتاجي
لدى الدار خط إنتاجي حديث، الى جانب الخطين التاريخي والفلكلوري، يواكب الموضة والجمال، لينافس المنتج الأجنبي، إذ تتفرد الدار بأزياء حديثة، ولكن ببصمة الدار التراثية، وهذه صفة مهمة ليست بالسهلة، بل تحتاج الى الاحترافية العالية والتقنية والخبرة لكي تنافس دور الأزياء العالمية.
يذكر أن دار الازياء العراقية تضم أقساماً عدة، وهي: قسم العروض والمعارض، وقسم الانتاج الفني، وقسم الشؤون الإدارية والمالية، وقسم الصيانة. هذا التقسيم الإداري بدأ مع بداية العام2021.. إذ كان عدد الأقسام اثني عشر قسماً، اختزل الى أربعة أقسام.
بالإضافة الى الأقسام المذكورة، يوجد متحف دائم لعرض الأزياء التاريخية بحقبها المختلفة، كذلك قاعة الواسطي للفن التشكيلي لتشجيع ودعم الفنانين الشباب والرواد لعرض منتجاتهم بين أروقتها.
كما أن هناك وحدة، أو قسماً مستحدثاً، يعنى بتصميم الأكسسوارات والمشغولات اليدوية وتدريب الراغبين في العمل على هذه الأفكار، عبر دورات يعلن عنها بين حين وآخر للطاقات الشابة، لتصبح مشاريع مصممين واعدين.
تحديات المؤسسة
لكننا عند تجولنا في أروقة دار الأزياء العراقية، التي أطلقنا عليها سلفاً “سفيرة الجمال العراقي”، وجدناها وكأنها سفيرة مقيدة الأيدي، لكونها تعاني فعلاً من قيود تكاد توقف عجلتها ومسيرتها اللتين تصبان في مصلحة العراق عموماً، فهي تعاني من قلة التخصيص المالي، بالإضافة الى قلة الكوادر الفنية المتخصصة في مجال الأزياء: “مصممون، خياطون, طرازون، وكذلك العارضات والعارضون”، إذ لا يوجد أي تعويض للكوادر التي أحيلت الى التقاعد لوصولها السن القانونية، لعدم وجود تعيينات، أما الكوادر التي جرى تعيينها في نهاية العام 2019، فهي كوادر إدارية بعيدة كل البعد عن التخصصات الفنية المذكورة آنفاً، وبرغم كل هذه المعوقات، تحرص الدار، وما تبقى من منتسبين فيها، على إظهار الصورة المشرقة لتاريخ العراق وفولكلوره وتراثه.
ومن أهم النشاطات التي قامت بها الدار خلال هذا العام، إقامة جلسة للتصوير في الأماكن الأثرية لمدينة سامراء، وعروض للأزياء في وزارة الخارجية بمناسبة عيد المرأة العالمي، كذلك عرض للأزياء في جامعة الموصل مع جلسات للتصوير في الأماكن الأثرية للمدينة القديمة.