دراما رمضان: مشاهد عالية الدّسم

840

فرات إبراهيم /

أعمال درامية متنوعة ومختلفة ميّزت شاشات الفضائيات العراقية في رمضان هذا العام بعد تسيّد عروض الكوميديا لسنوات طوال. هذا التنوع سجلته شاشتان: الشرقية وعراق mbc أكثر من غيرهما، مع غلبة واضحة للأولى، ليس فقط في عدد الأعمال المعروضة بل في نوعيتها أيضاً، وإن تؤخذ عليها الجرعة الزائدة في تناول الموضوعات الأخلاقية والمشاهد العالية الدّسم!! وغير المبررة في هذا الشهر الفضيل، فيما انفردت قناة العراقية باحترامها لذائقة المشاهد وحرمة شهر رمضان ويحسب لها ابتعادها عن التفاهات والتابوهات المحرّمة.
ومع وداع الشهر الفضيل، نتوقف عند بعض الملامح الفنية لما تابعناه من الأعمال:
باكو بغداد
عمل اجتماعي اعتمد على الكوميديا السوداء في تناول جوانب سياسية واجتماعية وظواهر سلبية، ولم يركز العمل على شخصيتي السياسيَّين (بطلي العمل) فقط، إنما أظهر الشخصيات الطفيلية التي تحيط بالسياسيين وتصبح مؤثرة رغم تفاهتها وافتقارها الى الذوق و السلوك في سياق تهكمي ساخر يعتمد المبالغة. في حديث متلفز لجواد الشكرجي، أحد بطلي العمل، قال إنه يرى “الوطن محتلاً و خارج الزمن” حتى هذا الوقت! وأضاف أننا “نستطيع عن طريق الثقافة والفن أن نغير من سلوك السياسي الفاسد وأن نعيد بلدنا إلى ما كان عليه سابقا!” وأتساءل عما يعنيه الشكرجي بـ (سابقاً)، هل هو زمن الحروب أم زمن الحصار؟ قدم الشكرجي ومحسن العلي، المعروفان على الصعيدين النخبوي والجماهيري أردأ شخصيتين تحت غطاء الكوميديا، والحقيقة أن بعض من نصفهم بممثلي المسرح التجاري كانوا أكثر تأثيراً بتشخيص الواقع من هاتين الشخصيتين الممسوختين. المسلسل من تأليف وتمثيل محمد خماس وإخراج علي عباس، وشهد عودة الفنان محسن العلي بعد غياب ١٥ سنة عن الشاشة، وشاركت في التمثيل الفنانة كوديا حنا في أول عمل لها مع باقي الفنانين: نادية العراقية وناهي مهدي و رضا طارش وعامر العمري وصبا الشكرجي وآخرين.
الفندق
فندق قديم وسط بغداد، يمثل ساكنوه شرائح اجتماعية مختلفة، يقعون جميعاً أسرى الشك من جريمة حصلت في المشاهد الأولى من العمل لتقودنا خيوط التحقيق الى عوالم وخفايا مجتمع متناقض وغريب، مجتمع يراه غالبية المشاهدين للمرة الأولى حيث البغايا والمخدرات والملاهي وصالات المساج وعصابات التسول والاتجار بالبشر، و تعرّض منذ أولى حلقاته الى انتقاد شديد ليرد كاتب العمل حامد المالكي بأنه لم يقدم سوى 20 % مما يحدث في دهاليز الغرف المظلمة وأنه “بصدد كتابة عمل آخر يفضح ما تبقى.”
قدم السينارست حامد المالكي والمخرج حسن حسني لنا أعمالاً في غاية الرُّقي أغنت مكتبة الدراما، منها: السيدة، وأبو طبر، وحالة حب، والدهانة، وغيرها. وقد يختلف “الفندق” في طبيعته عن كل الأعمال التي قدمت، خاصة في المبالغة بمشاهد الرقص والحوارات الجريئة، التي وجدها المؤلف من ضروريات العمل للوصول الى الحبكة الدرامية المبتغاة، والتي تسببت بتوجيه انتقادات شديدة إليه باعتبارها لا تناسب العائلة العراقية لما تتضمنه من “إيحاءات ومشاهدة خدش الحياء لا تناسب رمضان وتتعارض مع مبادئ الأسرة العراقية”، على حد تعبير المتابعين. أنا أراهن على حامد المالكي الذي َسرَّنا في أعمال سابقة ولا يخشى عليه من المتاهة لأنه نسّاج محترف وخيوط الدمى بيده، ومن يتهمه باستعراض عضلاته في الثقافة على لسان ممثليه فهذا ما يفعله خيرة الكتاب في العالم حينما يتكلم الممثلون بلسان المؤلف لا بلسانهم.
هوى بغداد
سجل الكثيرون إعجابهم بالعمل المتفرد والرائع لطاقم المسلسل، الذي أظهر بغداد وكأنها مدينة أخرى. كان المخرج ناجحاً في التعامل مع (سحر) التصوير، وكان متميزاً في اختيار أماكن التصوير وتفرد بعمل خارج السائد والمألوف، مترع بالزهو والجمال الأخاذ. “هوى بغداد” عمل جديد على الشاشات العراقية، مبتكر في روحيته الشفافة، بدءاً من مقدمته الغنائية الجميلة التي تصور العاصمة العراقية بطريقة أنيقة باذخة. المخرج مهند أبو خمرة تمكن من صوغ حكايات حب بغداد تقدم المدينة وأهلها بطريقة جميلة بدت غريبة عليها حين عانت الحروب والقسوة والفساد.
أيام الإجازة
لم أجد أية ضرورة لاختيار اسم “أيام الإجازة” ووصفه بالجزء الثاني ليقع في مقارنة غير عادلة مع الجزء الأول المنتج في 1985، تأليف عبد الباري العبودي وإخراج عماد عبد الهادي وبطولة محمد حسين عبدالرحيم وهناء محمد، فلا الأحداث متعلقة بأحداث الجزء الأول ولا الشخصيات مرتبطة درامياً بشخصياته. تدور أحداث المسلسل في بغداد حول شخصية أبو نادر “محمد حسين عبد الرحيم”، موظف يحصل على إجازة لمدة شهر، مايحسب للعمل في الجزء الثاني أنه ابتعد عن النمطية والتكرار والأسماء الغريبة للشخصيات كما في أعمال أخرى، الشخصيات جميلة يقودها المبدع محمد حسين عبد الرحيم الذي يقدم كوميديا حلوة أينما اشترك، لكنه في هذا المسلسل يأخذ مجالاً أوسع ويقدم كوميديا بإطار أفضل يختلف عنه في “العرضحالجي”، والسبب في رأيي تعامله مع مخرج شاب (علي فاضل) الذي يقود البرنامج الكوميدي (ولاية بطيخ) و أضاف شيئاً من فكاهته على أحداث هذا العمل معتمداً على كوميديا الموقف، مبتعداً عن الأسلوب الوعظي الذي يغلب على كل أعمالنا الدرامية وكأن المشاهد العراقي يعيش في جزر خارج التغطية. هذا العمل يحسب للعراقية، والذي تسيّد قائمة المشاهدة ما بعد الفطور لاحترامه الذائقة الجمالية للمشاهد.
العرضحالجي
“العرضحالجي”، مسلسل يكرر نفسة بكل شخوصة وبكل أحداثه، ولا أريد أن استعرض لكم طبيعة شخصية الملّاك في كل الأعمال التي قدمها بعد السقوط، حيث بقي أسير المخرج جمال عبد جاسم من الدراجة الهوائية الى الأقزام وزوجته المتوفاة، بل حتى الشخصيات المرافقة تمارس ذات الدور، من محمد هاشم الى صديقه العرضحالجي الذي هو في كل المسلسلات يكون هارباً من البيت ولديه مشكله عشائرية. حقيقة لا أعرف لماذا لا يذكّر المقربون من الفنانين قاسم الملاك وجمال عبد جاسم بأعمالهما السابقة.
سل نفسك… أيقونة العراقية
جهد واضح وكبير ومضنٍ قدمه المخرج أنور عبد عباده من خلال برنامجة المميز (سل نفسك) على قناة العراقية، ويمكنني القول إنه العلامة البارزة والأقوى في كل برامج العراقية المنوعة منها والسياسية لما يحمله من هدف جميل لإسعاد العائلة العراقية وتثقيفها، كان أسلوب الإخراج جديداً والاختيار موفقاً لمقاطع الأغاني، فضلاً عن جهد المونتاج والتصوير.
دراما النصر
إذا ما استثنينا برنامج “أم قصي” على العراقية كبرنامج حواري تعبوي يتناول الأحداث الأخيرة التي شهدتها البلاد، من سيطرة تنظيم “داعش” حتى إعلان التحرير، فهنالك غياب شبه تام لهذه الأحداث عن الأعمال في رمضان. إن مشكلة الدراما العراقية تتمثل بإخفاقها في عكس الواقع العراقي بطريقة فنية حقيقية، رغم ثراء هذا الواقع بالمادة الخام، فضلاً عن لعب سياسات إدارات القنوات الفضائية دوراً في ذلك، بتقديم ما يناسب مموليها وأهدافها.