رائد محسن: مهمة المثقف والفنان أن يمنحا بارقة أمل..
حوار : محسن إبراهيم – تصوير: علي الغرباوي /
هو آخر السعاة، يحمل في حقيبته رسالة ممهورة من قبل مسرح ورجال مسرح طالما كان لهم تاريخ موغل في الإبداع, في نقل رسالة من جيل إلى جيل، فهو حلقة وصل بين الجيلين. في جعبته أكثر من 40 عرضاً مسرحياً داخل العراق وخارجه, كما اشترك في أكثر من 60 مسلسلاً تلفزيونياً وإذاعياً، فضلاً عن شغله لمناصب عدة، منها رئاسة الشعبة المسرحية في نقابة الفنانين، ومدير المسارح في دائرة السينما والمسرح، وعضو لجنة صندوق دعم الدراما، ورئاسة اللجنة الفنية في دائرة السينما والمسرح، وعضو لجنة قراءة النصوص.
*بدايتك كانت غير تقليدية، إذ أنك بدأت مع عمالقة المسرح العراقي، حينما كنت ماتزال طالباً.. كيف انعكس هذا الأمر على مسيرتك الفنية؟
-أن تعمل مع أسماء كبيرة في المسرح، فذلك له تأثير مهم في صقل وتجويد أدواتك بشكل ممتاز، لأنهم دروس تطبيقية في المسرح وفي الحياة، ولأنهم كبار فإنهم يحتضنون الشباب ويحاولون مساعدتهم وتعليمهم بشكل كبير, وحين تكون خطوتك الأولى في الفن مع فنانين كبار، حينها سيكون هناك شعور بالزهو والرعب الحاضرين في آن واحد حتماً. فإنك حينما تعمل مع أسماء كبيرة، مثل يوسف العاني وجعفر السعدي وسامي عبد الحميد وعوني كرومي وخليل شوقي، وغيرهم ممن لهم باع طويل في المسرح، وأنت مازلت طالباً، فإنها حتماً ستكون بداية غير تقليدية، مؤطرة بمشاعر الزهو, إذ أن هذه الأسماء كان لها تأثير كبير في مسيرتي الفنية، فقد تعلمت منهم الكثير.
*هل يمكنك أن تحدثنا عن إحساسك لحظة وقوفك الأول على المسرح؟
-التجارب الأولى صعبة جداً في مواجهة الجمهور, الجمهور مرعب، ومواجهته تحتاج الكثير من الخبرة والتدريب للوصول إلى حالة الاسترخاء التي يحتاجها الممثل دائماً، ولاسيما في المسرح، لأنه في التلفزيون والسينما من الممكن إعادة المشهد، لكن الخطأ في المسرح مرفوض. هذا ماحصل معي في مسرحية (الإنسان الطيب)، التي أعدّها فاروق محمد عن برشت، وأخرجها عوني كرومي، كان الإحساس حينها مزيجاً من الخوف والفخر, وكان السؤال حاضراً: ماذا يمكن أن أقدم أمام الجمهور وأمام أسماء كبيرة ومهمة في المسرح العراقي؟
*في عملك المسرحي، هل تسعى جاهداً لإشراك المشاهد وجعله جزءاً من العرض؟
– نحن نشتغل العروض المسرحية لنقدمها الى المشاهد ، بالتالي فإني أركز دائماً على النص الذي يجب أن يكون مؤثراً كي يتفاعل معه الجمهور، وتقديم قضايا مشتركة بيني وبين المتلقي، أما جعله جزءاً من العرض فإن هناك عروضاً محدده تستطيع إشراك المشاهد فيها، لكن ليس جميعها. في الاشتغال أعمل على التواصل مع المشاهد، أولاً وأخيراً النص المكتوب هو الذي يتحدث عن قضية ما تهم الجمهور.
*ما تصورك عن المسرح، وهل يحق للبعض القول إن هناك مسرحاً جاداً وآخر غير جاد؟
-المسرح الجاد هو الذي يطرح قضية المواطن ويدافع عنها، كما يحاول نشر الذائقة الجمالية وتوعية المشاهد، نستطيع أن نسميه مسرح الأفكار، في حين تقف في الجانب الآخر عروض هزيلة تسيء إلى الذوق العام، هذا الجانب لا يستحق أن نطلق عليه اسم مسرح.
*هل مازال للمسرح دور اجتماعي ودور خطير؟
-هناك مقولة قديمة تقول: إذا أردت أن تعرف ثقافة مجتمع، فاذهب إلى متحفه ومكتبته العامة ومسرحه.
*يقال إن المسرح حالياً لا يقدم شيئاً للمجتمع، إنما هو عبارة عن مجاميع صغيرة منعزلة يحاكي بعضها بعضاً ؟
-المسرح الذي لا يقدم شيئاً للمجتمع يحكم على نفسه بالتدهور والموت، أعتقد أن هناك جمهوراً مسرحياً ممتازاً، لكن الخلل يكمن في التخطيط والاستمرارية في تقديم العروض طيلة السنة, الجمهور موجود، لكن العروض قليلة جداً، والدليل عند إقامة أي مهرجان مسرحي في العراق ترى المشاهد العراقي حاضراً وبقوة في كل العروض، واحدة من رسائل المسرح ووظيفته بث الثقافة والجمال والذوق العام في المجتمع.
*الدراما التلفزيونية طغت على السينما والمسرح، فألقتهما في الظل.. ما رأيك؟
-الدراما التلفزيونية موجودة في بيت المشاهد، لكن في المسرح والسينما، عليك أن تذهب إليهما لمشاهدة عروضهما، لهذا السبب فإن هناك فارقاً كبيراً بين مشاهدي التلفزيون ومشاهدي المسرح والسينما.
*بين (آخر السعاة) ورائد محسن.. لابد من أن يكون هناك عامل مشترك لتنال جائزة أفضل ممثل..
-لكي يتقن الممثل عمله ويؤثر في المتلقي، يجب عليه أن يجد عوامل مشتركه بينه وبين الشخصيات التي يقوم بتمثيلها، وأن يتبنى الأفكار التي يطرحها ليكون صادقاً ومقنعاً، فما يخرج من القلب يدخل إلى القلب، فلم (آخر السعاة) يتحدث عن شريحة كبيرة موجودة في كل المجتمعات، ألا وهي الشريحة المظلومة المسحوقة المسلوبة حقوقها، هي ليست بالمهمة السهلة أن تحكي عما يحدث من خراب اجتماعي وما يعانيه المواطن البسيط المسحوق في كل زمن.
*أنت بعيد عن الدراما التلفزيونية.. هل هو احتجاج أم انتظار لنص يستفزك للعمل؟
-لا الشخصيات المقدمة لي ولا الأجر المدفوع يستحقان العناء للمشاركة في عمل تلفزيوني، ربما لو جاءتني شخصية مثيرة وتحقق حضوراً فاعلاً عند المشاهد سوف أشترك في عمل درامي.
*بين يديك الآن ميزانية ضخمة.. فماذا ستنتج: عملاً مسرحياً أم تلفزيونياً أم سينمائياً؟
-السينما هي لغة العالم، وأسهل وأوسع مشاهده يمكنك أن تحصل عليها في الداخل والخارج من خلال الفلم السينمائي، ولأن السينما صناعه، فهي التي تحتاج إلى ميزانية ضخمه لإنجازها.
*في زحمة الأحلام المؤجلة.. هل مازلت تحلم بمسرحية سعيدة؟
-رغم المآسي الكبيرة التي مر بها مجتمعنا، من حروب إلى حصار الى قتل بوسائل مختلفة، التي انعكست على غالبية عروضنا، لكن تبقى مهمة المثقف والفنان أن يمنحا بارقة أمل وبعض التفاؤل في نفوس المشاهدين، لأنه ليس من المنطقي أن يأتي المتلقي لمشاهدة العرض ونقوم بجلده ونخرجه محمّلاً بطاقة سلبية، لقد حدد أرسطو -منذ القدم- مواصفات العرض الذي يتوزع بين ثلاث أساسيات وهي: ممتع، وجميل، ومؤثر.