رسامو الكاريكاتير في العراق: السخر ية علاجاً لقضايا المجتمع

411

آية منصور /

ليس على الفن الكاريكاتيري أن يحمل الكثير من العبارات والكلمات من أجل إيصال القصة، فرسمة واحدة كافية لتخبرك بحقيقة ما حدث، أو ربما، بمجموعة خطوط أخاذة تدهشك بما كنت تشعر أنك تريد قوله على طارف لسانك فيخرج بهيئة رسوم كاريكاتيرية لاذعة بالحقيقة. إنه فن الكاريكاتير، الذي ينقل لنا الحياة من وجهة نظر رساميه.
في الستينيات كانت في العراق مجلتان هزليتان، إحداهما (الفكاهة) التي كان يرسمها من الغلاف الى الغلاف الفنان حميد المحل الذي هو نفسه صاحب الامتياز، إما الأخرى فهي (المتفرج) التي استوعبت عدداً محدوداً من الرسامين العراقيين لأنها لم تكن قادرة على تحمل التكلفة، رغم ضآلتها حينذاك. أما الصحف والمجلات التي ظهرت في نهاية الستينيات وحتى نهاية القرن الماضي فقد كانت محدودة أيضاً وهي قطعاً لا تستطيع استيعاب رسامين كثر.
يوضح الرسام وفنان الكاريكاتير عبد الرحيم ياسر أن “أعداد الرسامين يتأثر بعوامل كثيرة، منها وجود الصحافة والحافزين المادي والمعنوي. عندما أقمنا معرضاً لرسامي الكاريكاتير في مصر نهاية التسعينيات كان هناك من استغرب أن يكون لدينا كل هذا العدد من الرسامين قياساً الى قلة المطبوعات والصحف حينذاك، أما بعد عام 2003 ورغم كثرة المطبوعات، فإن عدداً محدوداً منها كان يستعين بالرسامين، ولأسباب كثيرة، ومع ذلك فما هو موجود الآن أكبر بكثير مما تستوعبه الصحف والمجلات”.
سلطة الرقيب
وبالرغم من وجود التابوهات في معظم الأحيان، لكن يوجد لدينا العديد من الأسماء المهمة والمؤثرة، ذلك أنها استطاعت –بذكاء- أن تحتال على سلطة الرقيب، ولاسيما في المواضيع السياسية والحساسة، وذلك بالإشارة الى عموم الظاهرة دون التخصيص، بحيث يمكن إسقاط أفكارهم المرسومة على أي زمان أو مكان. يبين ذلك في حديثه الفنان عبد الرحيم ويضيف قائلاً:
“طالما كان رسام الكاريكاتير محكوماً بسلسلة من المراقبين ابتداءً بالرسام نفسه وليس انتهاءً برئيس التحرير الموظف الطموح في إرضاء المؤسسة التي عينته، التي هي بدورها تخضع للضغوط من داخل الحكومة ومن خارجها أيضاً”.
الأمل موجود دائماً لكن، كما يوضح، فإن “فنان الكاريكاتير لن يستطيع أن يفعل الكثير دون وجود قوانين ضامنة لحرية الاعتقاد والضمير والتعبير بما لا يؤسس للعنف، وأن تكون الحكومة قادرة على حماية القانون الذي يجب أن يكون هو صاحب النفوذ الوحيد في هذا البلد.”
رؤية جديدة
“ليس الرسم الكاريكاتيري لوحده، بل المنهج النقدي بكل مفرداته، (رسم، كتابة، ستاند أب كوميدي، وغيرها) يمكن أن تسهم في إنقاذ البيئة، من خلال التنبيه والتحفيز وخلق رأي عام بالاتجاه المطلوب.” هكذا تحدث لمجلة “الشبكة العراقية” رسام الكاريكاتير الفنان خضير الحميري، مؤكداً أن وفرة منصات التعبير وسرعة انتشار المحتوى الانتقادي، ساهما بخلق رؤية جديدة.
“من المفروض أن لا يتجنب فن الكاريكاتير شيئاً، فكل الفعاليات الحياتية، سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية، قابلة للتناول كاريكاتيرياً مادامت تؤثر فعلياً في حياة المواطن، أو هكذا فهمنا معنى حرية التعبير الديمقراطي، إلا أن أحكام الواقع العراقي تحديداً، تجبر الرسام على (تقريم) طروحاته والقفز فوق بعض الخطوط حفاظاً على سلامته وسلامة المطبوع الذي يعمل فيه، ولاسيما أن الانتقاد ورسم الكاريكاتير بالذات مازال يعتبر لدى البعض أقرب الى الشتيمة منه الى الفن.”
ويضيف الحميري في حديثه أن “رسالة رسام الكاريكاتير سريعة الوصول إن أجاد صياغتها بصرياً من دون فذلكة، فاللغة البصرية تُلتقط بسرعة مضاعفة مقارنة باللغة المكتوبة، ومن المفترض دائماً أن تكون لحساب الرسام وليست على حسابه.” ويكمل قائلاً لـ “الشبكة:”
“على فنان الكاريكاتير أن يكون مستقلاً عن التبعيات الآيديولوجية مهما كان لونها، لأنها تحصر رسومه في حدودها الضيقة، وتربط نجاحه بنجاحها واضمحلاله باضمحلالها”.
تتجاوز المخاطر
ويؤكد الفنان خضير الحميري أن جمهور هذا الفن العريق لم يعد اليوم بحجم جمهور العقود الماضية بالتأكيد، لكنه موجود، وإن تحول من جمهور الصحافة الورقية التقليدية المحدود بحكم محدوديتها الى جمهور الصحافة الإلكترونية الواسع والمتجدد، مبيناً أنه شخصياً يرصد الكثير من المتابعة وردود الفعل الإيجابية على ما يرسم وينشر إلكترونياً، كما أن المخاطر بحق رسام الكاريكاتير موجودة مادام الفهم الحقيقي لطبيعة هذا الفن غير موجود، ومازالت حالة التحسس من النقد والتلذذ بالمدائح هي السائدة، “إنني ومن خلال الخبرة والمران بدأت في تجاوز الكثير من هذه المخاطر من خلال تجنب التشخيص -على ضرورته- لرسام الكاريكاتير، مكتفياً بالتلميح أو الإشارة غير المباشرة للشخصية التي أنتقدها من أجل التخلص من فخ المساءلات القانونية (غير القانونية).”
فن الشعوب
من جهته، يبين فنان الكاريكاتير علاء كاظم أن الكاريكاتير هو “فن الشعب ووليد معاناته من خلال وضع يده على المشاكل والهموم التي يواجهها وطرحها بشكل ساخر، فهو يلامس مشاعر المجتمع بكافة شرائحه ويقوم بتحويلها الى منجز نقدي مرئي يدفع نحو تغيير أحوالهم اجتماعياً وسياسياً.”
ويسترسل في حديثه لمجلة “الشبكة” بالقول:
“المجتمعات التي تكون فيها قوى الدولة والقانون هي الحلقة الأضعف، فإن شجاعة فنان الكاريكاتير تدفعه نحو السير في حقل واسع من الألغام الحمر والصفر، عشائرياً، وحزبياً، وطائفياً، ودينياً، فهو يكافح للوصول الى غايته دون الاحتكاك بهذه الخطوط وتبعات المساس بها”.
وبالإشارة الى ما سبق فإن فنان الكاريكاتير يدفع ثمن التفسير الخاطئ، وخير مثال على ذلك ما حصل لفنان الكاريكاتير الراحل أحمد الربيعي من خلال دفعه للرحيل عن بغداد الى إقليم كردستان وذلك بسبب التفسير الخاطئ لأحد رسوماته التي جرى تفسيرها بعيداً عن فكرة وغاية اللوحة، يستذكره الرسام علاء ليوضح أن “فنان الكاريكاتير كالطائر الحر لا يمكن حبسه في قفص بإرادته ولو كان القفص من الذهب الخالص، لكنه يحط حيثما يشاء وحيث يشعر بالأمان والألفة.”
“يتطلب الكثير من الوعي الثقافي والسياسي وحتى المجتمعي، متقبلاً لنقد فن الكاريكاتير ويمنحه المساحة الأكبر، وعلى فنان الكاريكاتير أن يجسد الفكرة بشكل لا يقبل التأويل لتجنيبه الاحتكاك بالمحظورات، شخصياً أحاول قدر المستطاع الابتعاد عن التفسير الخاطئ من خلال تسليط الضوء على المشاكل الاجتماعية والسياسية كحالة عامة وتجنب الاحتكاك بالشخوص.”
ويوضح أن “قوة الكاريكاتير، التي تحدث (خضّة) للمعنيين، محلياً، هي شبه معدومة، لكن دولياً ممكن، وذلك بسبب أن الوعي العالمي قطع شوطاً طويلاً في مفهوم الحريات واستيعاب الكاريكاتير كجزء مهم من أدوات التغيير الاجتماعية والدفع نحو أنظمة وحكومات تتوافق مع ارادة الشعوب”.
السخرية علاجاً
فنانة الكاريكاتير هالة زياد، توضح لمجلة “الشبكة”، أنه “وبرغم السخرية التي يحملها الكاريكاتير في طياته إلا أن له تأثيراً كبيراً في طرح الأفكار وإيصال رسائل فعالة، إذ أنه له القدرة على الوصول الى كل طبقات المجتمع المختلفة وفئاته العمرية المتعددة.”
“إثارة الجدل نحو الفكرة المطروحة التي من الممكن أن تثير غضب المتلقي وانعكاس الأمر سلباً على الرسالة الفنية، هي ما يجب على الرسام أن يبتعد عنه، مع هذا فنحن في البلدان الشرق الأوسطية عموماً والعراق خصوصاً هناك الكثير من التابوهات محرم الخوض فيها، فهذا غير ممكن من الناحية الأمنية او من ناحية التقاليد المجتمعية.”
” رسام الكاريكاتير الحقيقي لايمكن ان يصور رسائل لايؤمن بها، وإلا فيجب اعتباره رساماً مأجوراً.” هكذا تبين هالة في حديثها، مؤكدة أن “التاريخ يشهد كيف كان تأثير هذا الفن على عظميات الدول. وبصراحة -توضح هالة زياد- فإن الرسام العراقي يقع تحت محاذير عديدة، منها الشخصنة السياسية او الاجتماعية، وهذه –كما تؤكد- قيود كافية لأي رسام ورسالة بأن ينتقي بحذر ما يطرحه، وهذا يشكل تحدياً للفنان بإظهار براعته في تسليط الضوء على الأفكار بدلاً من الأشخاص، لأن فن الكاريكاتير هو انتقاد الأفكار المغلوطة وتصحيحها، وذلك أفضل من انتقاد الأشخاص، إذ رغم التطور الحاصل في وسائل الإعلام وانتقالها من المقروء والمطبوع الى المرئي -حيث ساحات السوشيال ميديا- فإن فن الكاريكاتير مازال مؤثراً وقوياً ومتابَعاً من قبل فئة كبيرة جداً ومن أجيال مختلفة، لسهولته في الوصول الى عقل المتلقي.”
وتوضح زياد أن “جميع رسامي الكاريكاتير معرضون لتلقي رسائل التهديد والوعيد، وخطابات الكراهية، وكلمات مسيئة طاعنة، وهذا متوقع إذ لا يمكن للكثير تقبل أفكار مختلفة بين ليلة وضحاها، لذلك يسعى رسام الكاريكاتير دوماً لإيضاح أنه مجرد أداة ناقدة وساخرة، ليست موجهة نحو شخص ما أو فئة معينة من باب طائفي أو عنصري، أو أنها موجهة للانتقاص والتنمر”.