رسوم الكاركتير العراقية مطلوب العودة لتاريخ العلاقة بين الفنان وقضايا الشعب

960

ياسين النصير/

سار فن الكاركتير العراقي من الرسوم الساخرة للشخصيات، إلى الرسوم الساخرة للأوضاع والحالات السياسية، والفرق كبير جدا، إذا ما أخذنا بالاعتبار أن الرسوم الكاريكتيرية للشخصيات السياسية أبلغ تأثيرا من الرسوم الكاريكتيرية للأوضاع السياسية.

لأن الأولى تسبطن السخرية والمواقف النقدية المتعلقة بالشخصية السياسية، بينما رسوم الكاركتير العامة للأوضاع السياسية لا تؤدي غرضها النقدي لأنها رسوم غير شخصية وتتوجه إلى موضوع عام، يمكن ان يختلف أثنان في تقييمه، في حين لا يختلف أحد في تقييم الكاركتير الشخصي، إذ تعالج الرسوم الكاركتيرية للشخصيات السياسية موضوعين أو حقلين مهمين: تصرفات وسلوك الشخصية السياسية عندما لا تؤدي وظائفها، وأفكار ومواقف الشخصيات من الناس كما يفترض أن تكون مواقفها وأعمالها وعلاقاتها بالناس غايتها القصوى.

مرحلتان مهمتان

مرَّ الكاركتير العراقي بمرحلتين مهمتين وكبيرتين: مرحلة الرسوم الساخرة للشخصيات السياسية، ابتداءً من سخريات (حبزبوز) الذي رافقها الشعر الهزلي والغناء النقدي، ثم تعمقت برسوم (غازي) للشخصية الشعبية، والمفارقات الكلامية، وتوقفت في السبعينات، عندما هيمنت الشخصية السياسية على مقاليد الثقافة والنشر والصحافة، ولما حدث التغيير المرتبك في الحياة الاجتماعية والسياسية العراقية بعد عام 2003، ظهر الكاركتير قويا من جديد، ولكن بموضوعات عامة وغير شخصية، وبالتالي فقد الكاركتير روح السخرية التي تفرضها الشخصيات المسؤولة، وركز اهتمامه على الموضوعات المربكة، ولذلك نجد صحافتنا تعج بالرسوم الكاركتيرية، ولكنها الرسوم التي تحاكي مشاعر ومواقف الشارع من الأوضاع، وتبتعد عن الشخصيات والأحزاب المسؤولة عمّا يمر العراق به، معتبرة ان الشخصيات هذه هي نتيجة الأوضاع السياسية وليس العكس كما يفترض بالوعي النقدي الساخر من تشخيصه والتركيز عليه. ويذكر التاريخ الثقافي للكاركتير، عندما انتشرت في الاربعينات الدعوة لحزب قومي بثقافة هتلرية فاشية، انضم إليه بعضهم، لكن جريدة حبزبوز نشرت كاركتيرا يقول أن هذا الحزب الفاشي هو حزب فاشوشين وشهد اليوم الثاني جملة انسحابات من الحزب.

منهج لفن اشمل

الكاريكتيرية ليست فنا خاصا بالرسوم الساخرة فقط، إنما الكاركتيرية منهج لفن اشمل من الرسوم، ففي الشعر ثمة شعر ساخر كاريكتيري، (اشعار ملا عبود الكرخي وبعض الاشعار الأخوانية الساخرة مثالا)، والسخرية الكاريكتيرية في الرواية، وتعد رواية دون كيخوته لسرفانتس أول نص روائي في العالم يعتمد فن السخرية، والسخرية في المسرح، حيث عدت الملهاة الساخرة خاصة الموضوعات الأسرية كاركتيرية الفن والعرض، وهكذا فالكاريكتيرية العراقية التي اقتصرت على الرسوم الساخرة عرضة لأن تتغير أهدافها بتغيير موضوعاتها، في حين كانت الواجهة الشعبية للسخرية من أعمال الحكومات وممثليها المرتبطين بعلاقة يومية مع الشعب.

المطلوب العودة لتاريخ العلاقة بين فنان الكاركتير وقضايا الشعب والابتعاد عن الموضوعات التي لايصنعها الأشخاص، لأن فن الكاركتير فن شخصي يستنبط ويظهر عبر السخرية مواقف الشخصيات، لا مواقف الأفكار ولا الأوضاع العامة.