رعد خلف لـ”الشبكة”: استنطقنا الحضارات في أعمالنا الموسيقية
سوزان المحمود /
شهد “قصر العظم” الأثري في دمشق القديمة عرضاً سمعياً بصرياً جديداً لـ “أوركسترا ماري” بعنوان (روح الفرح) قدمت فيه متتاليات للأوكسترا السيمفوني، من تأليف مؤسس وقائد “أوركسترا ماري” رعد خلف، الأستاذ ورئيس قسم الآلات الوترية في المعهد العالي للموسيقا بدمشق والمؤلف الموسيقي المعروف لعدد كبير من الأعمال التلفزيونية والسينمائية والمسرحية، ومؤسس أوركسترا ماري في عام 2006.
الشكل والمضمون
* قمت بعزف صولو منفرد على آلة الكمان، كيف تقيّم تجربتك كمؤسس وقائد لأوركسترا ماري بعد مرور 12 عاماً على تأسيسها؟ ولماذا ماري مؤلفة من العازفات فقط؟
– عندما فكرت بمشروع تأسيس أوركسترا ماري كان الهدف أن أصل بهذه الأوركسترا إلى السويّة التي هي عليها اليوم، وأن نقدم شكلاً ومضموناً خاصاً لهذا النمط الموسيقي الذي ستقدمه هذه الأوركسترا المؤلفة من الفتيات فقط، لكننا استطعنا خلال 12 عاماً أن نصل إلى هذا المستوى المشهود له من الجمهور ومن المتابعين، بعد أن قدمنا مجموعة من البرامج الموسيقية الناجحة تحت عناوين ومواضيع مختلفة ومتنوعة لاقت إعجاباً وتقديراً جيداً من الجمهور الموسيقي. وأوركسترا ماري تعتبر شيئاً نادراً على صعيد المنطقة حتى تكاد تكون نادرة على الصعيد العالمي، ولماذا هي مؤلفة من فتيات فقط، لأنني كنت أود أن أدافع عن هذا الموضوع وأن أدافع عن حضارتنا وثقافتنا وأدافع عن المجتمع. في ذلك الوقت في 2005 و2006 لم يكن أحد قد فكر بكل ما سيحدث بالمنطقة لاحقاً، لكن في الحقيقة كانت الفكرة منذ البداية هي الدفاع عن مجتمعنا، فتأسيس أوركسترا بسبعين فتاة اليوم باختصاصات عالية في الفن الموسيقي أمر له دلالة كبيرة على تطور المجتمع الاقتصادي، والاجتماعي، والفكري، والثقافي، والسياسي. طبعاً هي تجربة مهمة، وقد أثرت كثيراً سنوات الأزمة والانقطاع على تطور هذه الاوركسترا فكثير من العازفات سافرن مثل معظم النخب من الاختصاصات الأخرى في البلاد، لكننا استطعنا في الأعوام الأخيرة 2015 و2016 و2017 و2018 أن نعيد إحياء هذه الأوركسترا واستطعتُ أن أجمع السيدات مرة ثانية رغم الظروف القاسية التي كانت تمر بها دمشق، ولكن كان هناك نضال كبير من قبل الفتيات لاستمرارية الفرقة وإيجاد حلول لتقديم حفلاتها في أكثر من مكان.
* كيف وجدت تجاوب الجمهور مع تجربتكم التقنية السمعية والبصرية في قصر العظم؟
– في كل حفل أحاول أن اقدم شيئاً جديداً، ليس على الصعيد الموسيقي فقط لكن أيضاً على الصعيد التقني بهدف مواكبة تطورات العروض الموسيقية في العالم، قدمنا في هذا الحفل مادة موسيقية مسجلة مع العزف الحي المباشر وقمنا بهذا المزج بين الموسيقا الإلكترونية والموسيقا الحيّة لتقديم حالة ثقافية جديدة.
ماري
* لماذا ارتأيت اسم “ماري” لتسمية الأوركسترا التي قمت بتأسيسها عام 2006؟
– اولاً لأن اسم ماري اسم صبية، ولتداعيات هذا الاسم كاسم مريم وتردداته، وهو مناسب لأوركسترا جميع عازفيها من الفتيات، ثانياً وهو الأهم حضارة ماري السورية تحديداً التي اشتهرت فيها الموسيقا والعازفات ويقال إنه كان هناك أكثر من 400 عازف وعازفة موجودين في هذه المدينة، وكان هناك موسيقيون جوالون يتجولون في المدينة ويقومون بالحفلات الإفرادية والجماعية، من هنا أتت تسمية ماري لسورية الأوركسترا ولكل هذه الاسباب.
* قدمت مع أوركسترا ماري عدة برامج موسيقية على مدار سنوات، لكن في 2016 قدمت مشروعاً حول موسيقا الحضارات القديمة، كيف ترى علاقة الموسيقا بالزمن؟ وهل هناك جانب توثيقي في عملك هذا؟
– نعم، لأنه كان لدي هاجس حول كيف كانت الموسيقا في الماضي، فلقد وجدنا رسومات على الجدران وآثاراً من حضاراتنا القديمة، تأثر بها التشكيليون لأن الصورة كانت صريحة وواضحة وبالتالي استنطاق هذا الموضوع كان ممكناً أيضا وكانت هناك أيضاً التماثيل والمنحوتات والبناء والهندسة المعمارية، وأنا اتتبع الاستكشافات كلها لمعرفة طبيعة هذه الحضارة، إلا المادة السمعية فنحن لا نعرف عنها إلا القليل، وجدنا فقط بعض المعلومات وبعض الصور المرسومة على الجدران التي تمثل عازفي القيثارة وصور بعض الأدوات الموسيقية، أما ماذا كانوا يغنون؟ وكيف كانوا يغنون؟ وما هو الأسلوب الذي كانوا يغنون به؟ فلم نتمكن من معرفة ذلك أو معرفة النمط الايقاعي، فأنا كنت أبحث في كل هذه المجالات بدءاً من الصورة إلى متابعة البحوث المنشورة في مناطقنا والبحوث التي أجراها الأوروبيون على حضارتنا وأبدأ بالرجوع تباعاً حتى استطيع استنطاق حالة سمعية كان من الممكن أن تكون موجودة في ذلك الوقت، أتخيلها وأشرك الجمهور معي في هذه الحالة الحسية لعلنا نجد صيغة ما معينة للطبيعة الموسيقية التي كانت موجودة في ذلك الوقت إن كان على الصعيد الإيقاعي أو على الصعيد اللحني والنمط الموسيقي وطبعاً نطورها على الشكل الأوركسترالي بهدف تقديمها للمشاهدين.
* قمت بتأليف عدد كبير من المقطوعات الموسيقية التصويرية للتلفزيون والسينما والمسرح، بماذا يختلف التأليف الموسيقي للمسرح عن الأنواع الأخرى، خاصة أننا اليوم نادراً ما نجد عرضاً مسرحياً يستعين بمقطوعة موسيقية مؤلفة خصيصاُ له؟
– تبقى الموسيقا في عالم المسرح هي العنصر الأهم على الرغم من عدم الاهتمام الكبير بها في المهرجانات المسرحية، أتحدث عن المسرح الدرامي هنا وليس عن المسرح الموسيقي. الموسيقا ليست مهمة فقط بسبب ملامستها للعرض الدرامي الحي بل يجب أن تكون مكوناً أساسياً من مكونات العرض المسرحي، وهي هنا مختلفة تماماً عن ما يقدم في العروض المجهزة المسبقة الصنع التي نراها مراراً وتكراراً في الأعمال التلفزيونية والأعمال السينمائية، هنا الحيثيات تختلف قليلاً يجب أن تكون مدروسة من قبل المؤلف الموسيقي لأنها يجب أن تصل الى المتلقي الذي يستمع ويتفاعل معها مباشرة على مدار أيام العرض المسرحي، فكما يحضر المشاهد الدراما على المسرح حيّة يجب أن تكون الموسيقا أيضاً حيّة، البحث في خاصيات العروض المسرحية موضوع صعب جداً.
الموسيقى التصويرية
* حول الموسيقا التصويرية للشاشة هناك أفلام عالمية مشهورة أصبحت الموسيقا التصويرية المؤلفة لها مع الزمن أكثر شهرة منها وتقدم كمقطوعات مستقلة، أيضاً مع عدد من المسلسلات العربية حدث الأمر نفسه، هل حدث هذا الأمر مع المقطوعات الموسيقية التي قمت بتأليفها للسينما وللتلفزيون؟ وكيف ترى المشهد الموسيقي في سوريا والعالم العربي اليوم؟
– فيما يتعلق بالمشهد الموسيقي اذا أردنا أن نتحدث عن الموسيقا التصويرية والحفلات منذ بداية ما يعرف بالخريف العربي، كل البلدان تراجعت دون استثناء، أية تجربة نراها هي تجارب فردية شخصية، كل شيء تراجع: الحفلات الموسيقية، العروض، الأفلام، التلفزيون كله تراجع إلى مستويات الحضيض، أية دولة عانت من الخريف العربي عندها تحاول الآن أن تستعيد نشاطها قليلاً، الوضع سيئ، لا يوجد انتاج رغم وجود تجارب كثيرة، برز أشخاص منهم السيئ جداً ومنهم المميز جداً في الساحة في سوريا، وفي لبنان، في العراق، لكنها تبقى تجارب فردية شخصية لا تؤثر كثيراً في سياق تطور الدراما بشكل عام، نأمل أن ترتاح بلداننا قليلا حتى يتطور هذا المشهد لأنه تراجع كثيرا.
* هل قمت بتأليف الموسيقى لأغانٍ مستقلة؟
– أنا مقل بها لكن كانت لي تجارب عديدة إن كان في مقدمة شارة مسلسلات واحياناً كنت أؤلف موسيقا أغنية بنهاية المسلسل يعني بالعكس، عملت على الكثير من الأغاني بهذه الطريقة ومنها مع المغنية المعروفة بيدر البصري، اشتغلنا مجموعة من الأغاني العراقية وصدرت على سيدي وانتشرت بشكل جيد، ولكنني مقل لأنني افضل الموسيقا التصويرية خارج هذا السياق، أحاول أن أقدم الموسيقا الخالصة وأن تقوم الموسيقا بإعطاء التأثير اللازم وليس المغني او المغنية او طبيعة الكلمات.
* قمت بتوقيع عقد الشراكة مع مؤسسة (بوما ستيمرا) العالمية لحماية الملكية الفكرية لجميع أعمالك الموسيقية في المسرح والتلفزيون والسينما، كيف ترى حال الملكية الفكرية للأعمال الإبداعية في بلداننا اليوم؟
-طبعا لا توجد أية حقوق ملكية فكرية، في بلداننا العربية يستطيع أي أحد أن يسرق تعب حياتك بكل بساطة، ليست الفكرة فقط سرقة المادة الفكرية بعينها، قد يؤلف شيء قريب منها، ربما من هنا أتت فكرة توقيع هذا العقد مع مؤسسة “بوما سنترا” لحفظ كامل الحقوق في مناطقنا وفي العالم وفي أوروبا، وأيضاً هو أمر مهم من أجل الأرشفة وليس لحفظ هذه الملكية فقط.
تلوث سمعي
* هناك كم هائل من التلوث السمعي اليوم، بوصفك مؤلفاً وباحثاً وعازفاً ومؤسساً لعدة فرق موسيقية، ما الذي تقترحه لمواجهة هذا التلوث؟
– الإشكالية أنّنا قلّة من ندافع عن الموسيقا الجيدة، والمثقف يدعى في مجتمعاتنا بالنخبوي، والموسيقا الملوثة يدعمها الإعلام الرسمي والخاص بالكامل، كل الإعلام العربي يدعم التلوث السمعي، القطاع الخاص مستعد ليضع عشرات الملايين على حفلة لمطرب معين لكنه غير مستعد ليضع فرنكاً واحداً على حفل موسيقي حقيقي يحترم الإنسان والمجتمع، كل بلداننا العربية ولا استثني اي بلد تدعم التلوث السمعي أكثر مما تدعم الثقافة، لا أعرف هل هو الطبع، هل هي عادة أم هي مجرد تجارة لجني الأموال من هذا النمط من الأغاني حتى لم تعد هناك برامج ثقافية حقيقية، أصبحنا، النخبة، قلائل وعلى مدار السنوات القادمة أخاف من الانقراض على كل الصعد.