رياض احمد في باريس لم يغن كان ينزف!
طه رشيد/
وصف النقاد صوت رياض احمد بأنه يصدح في الوقت الذي يتسامى فيه بموالات لا نهاية لها،فهو على استعداد ان يغني كلاما منثورا او معلقات “قصائد طويلة” وهو ما فعله مع قصائد مظفر النواب المشاكسة! فتوزعت جرأته بين محورين اولهما اختياره لقصائد ملغومة وثانيهما ان هذه القصائد تعود لشاعر ممنوع من التداول!.. ولك ان تنصت الى ماتشاء لمطولات رياض من دون ان تشعر بالملل من الاغنية.
ربطتني ورياض صداقة منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي، أي قبل ان يصبح نجما في عالم الغناء، سرعان ما انفرط عقدها بسبب هجرتي من العراق نتيجة للهجمة الشرسة التي شنها النظام السابق ضد القوى الوطنية في نهاية السبعينيات،ولم نلتق الا بعد عشرين عاما حين زار رياض احمد مدينة باريس وكان لقاؤنا مفاجئة لي وله على حد سواء.
اخبرني بوجوده الصديق الحميم للاغنية العراقية وللعراق طبيب الاسنان كاظم الحمداني ودعاني لبيته الجميل الواقع على نهر السين، في احدى قرى الضواحي الباريسية البعيدة.
وصلت مبكرا، واستجاب الحمداني الى طلبي بان لا يخبر رياض بوجودي كي تكتمل المفاجئة.
وصل رياض بمعية الاعلامي سعد المسعودي ورجل اخر لا اتذكر اسمه،وحين تصافحنا بشكل رسمي فضح المسعودي وجودي حين ناداني باسمي الصريح فاكتشف رياض المفاجأة وانهالت الذكريات ممزوجة بدموع ساخنة ما زلت اتحسسها على وجنتي!
لم ينبس رياض في ذلك المساء ببنت شفة عن واقع العراق ( الزيارة كانت في ربيع 1995على ما اذكر) وكأني به قد اصابه خرس! غنى في تلك الليلة وبكى وابكانا.
في اليوم التالي كان اللقاء في بيتنا وسط باريس. اتصلت بزوجتي ( وهو يعرفها مذ كنا مخطوبين في بغداد) لكي تشتري بعض لوازم الامسية،حين وصلنا لم تكن قد عادت الى البيت الذي يقع في الطابق الرابع،وتدلينا انا ورياض من الشباك بانتظار المؤونة!
ظهرت ام سلام وسط الشارع وقلت له: ها هي ذي، فاطلق صوته الاخاذ مغنيا : يا خوي انا خوك لو جار الوكت صاحبك.
شعرت حينها وكأن اركان العمارة تمايلت مع صوته الذي تلاشى مع خيوط شمس باريس الخجولة التي كانت تأذن بالرحيل.
ليلتها دعوت، على شرفه، بعض اصدقائي المنفيين ،غنى وطرب واطربنا واطمئن للحضور فكشف عن تخوفه من العودة للعراق. في تلك الايام قام ابن الدكتاتور، عدي، باطلاق النار على عمه وطبان فاصابه في ساقه،تحدث رياض عن مخاوفه من العودة للعراق بعد ذلك الحادث، لان وطبان كان يشكل مظلة واقية لرياض وجدار صد يحتمي به،فكان المغني الوحيد الذي لم يتعرض لاهانة من عدي مثل اغلب المغنين! كان في حيرة من امره بين ان يعود ويتحمل ما نمت عليه مخاوفه، وبين ان يبقى في الخارج وعينه على عائلته الرهينة في بغداد!
لقد بكى وغنى بمرارة في تلك الليلة.
في الليالي الاخرى كان رياض يغني في احد المطاعم الباريسية. كان يتصل بي مدير المطعم كل يوم لان رياض لا يجيب على التلفون في اكثر الاحيان. لقد كان مسرفا في الشرب وينام بقية النهارليعوض سهره الطويل . ولكنه حين يبدأ فقرته الغنائية ، كان الحضور يتلبسهم الفرح والاماني كي لا تنتهي فقرته الفنية!
وحين اطريت مرة على ادائه قال لي : طه لم اكن اغني .. كنت انزفْ!