زياد جسام.. أيقونة الكتاب الذي تغصّن

567

حسن جوان /

تتعاضد لدى الفنان زياد جسّام انتباهته الثقافية المقدّمة بوعي فني لافت، مع قدرته على توظيف التقانات التي تؤشّر مهاراته في استثمار ومعالجة خامات يومية ومهملة، أو تطويع ما هو صلب ومفاجئ.
زياد جسام
– مواليد 1974
– بكالوريوس فنون جميلة فرع الرسم / بغداد العام 2000 -2001
معرض (أربعة في حوار) على قاعة حوار/ بغداد 2012
– معرض (لحظة حب) قاعة لوسكريب لارماتان/ باريس 2015
– معرض (إعادة تدوير) قاعة برج بابل/ 2016
– معرض ( قصة حلم) على قاعة محترفه الشخصي في بغداد 2021.
شارك في أغلب المعارض التي أقامتها جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين ووزارة الثقافة والقاعات الأهلية في العراق منذ 1995. حاز جوائز وشهادات تقديرية عن مشاركات بملتقيات دولية، في المغرب، ولبنان، ومصر، وتركيا، واليونان.
– صدر عن تجربته في الرسم كتاب باللغة الفرنسية للكاتبة “جوزفين لورنس” بعنوان “لحظة حب” 2015.
ويأتي إسهام زياد جسام اليوم في تخليق مجسّمات متقنة للكتاب عبر إضافة دلالة تأريخية وبعدٍ زمني لهذا المعطى الثقافي، مضيفاً من خزينه الرائي أبعاداً أخرى أكثر تواشجاً، تحيل بظلالها تلقاء تاريخ بغداد وعلاقة هذه المدينة بدورة حياة الكتاب ولادة وصناعة وغرقاً وحرقاً. لكنّ كتاب زياد جسام المخضوضر طحلباً وأغصاناً هو كتابٌ مورق ومنبعث، ويحمل بين طيّاته توقاً بولادات قادمة. إنّه نوع من أمل صلبٍ وحيّ، وتجسيدٌ فني بارع مسوّر بحدس فنان تخامر روحه الرؤى، كما تستشرف نظرته الواعية أكثر من حياة واحدة للكتاب.
انبعاث وأغصان مورقة
اليد التي انتشلت هذا الكتاب الغريق المطحلب، هي ذاتها اليد التي مسحت على جرحه الغائر، وعلى تاريخه الذي يشبه تاريخ عاصمة الكتاب بغداد. تاريخ مشحون بالخلق والعناية والإنتاج الذي اقترنت فيه حيازة الكتاب وصناعته بالمعرفة والمكانة بين سائر الأمم. لكنه تاريخ مفعم بالحرائق والغرائق والحبر الذي لوّن دجلة بأكثر من نزيف من قبل غزاة وعتاة وجدوا أن طعن قلب المدينة المعطاء لا ينتهي الا بإلقاء عقل المدينة وروحها في قعر لا قرارة له من النسيان. لعل كتاب زياد جسام المستخرج اليوم من سبات غرقه هو استلهام لتلك الصحف والقراطيس الرطبة النائمة في موج الزمن الذي حل ببغداد غير مرة. هو ينبعث اليوم ويتغصّن ويورق حياة جديدة تذكّر بحياته الأولى وحبره الذي استحال عاطفة خضراء تستوقف المارّة من كل طيف.
المفاهيمية والمجسمات
اختيار الفنان التشكيلي زياد جسام أسلوباً فنياً معاصراً يعتمد فلسفة مفاهيمية في تنفيذ عمله لا يخلو اليوم من قصدية لها دلالاتها في توظيف حمولات ثقيلة الوزن، رغبة منه في مزيد من الكلام المعبر عنه في مجسمات ضخمة تريد أن تناقش وتخلق لغة بصرية حوارية تستوقف المتلقي وتثير دهشته، دون أن تهمل استثارة فضوله ومغازلة مجساته الجمالية. على أن ارتباط المفاهيمية كأسلوب تعبير يعتمد بساطة الخامة الموظفة في تقانات التنفيذ وعمق الفكرة الفلسفية، هو نوع التحدي لإعادة ترتيب الحوار بين المتلقي والصانع، وتقليل الفجوة السابقة بين الفن والرسالة، وهو تجاوز في الأخير للمادة التقليدية للرسام والنحات عبر استخدام أبسط الخامات الحياتية غير ذات الطبيعة المكرسة فنياً كما هو متداول في التصور الشعبي والمتخصص.
هاجس الكتاب
لم يكن تجسيد الكتاب في أعمال جسام مفاجئاً سوى في طريقة التناول والتوظيف في مواكبة حدث ثقافي بعينه هذه المرة، لأن الكتاب على ما يتضح هو ثيمة تسكن روح الفنان وتفكيره منذ أعوام، إذ تجلّت في عمل فني سابق لافت، حاز كثيراً من الاهتمام وهو عمل الكرسي المعشوشب أو الأريكة المكونة من بضع مئات من الكتب المتنوعة المرصوفة بعناية في هيئة كرسي فخم. وقد أثار عمل الكرسي المفعم بالكتب وقتذاك كثيراً من التساؤلات حول اقتران الكتاب بصناعة الكرسي (اختير للاقتناء في متحف الفن المعاصر- وزارة الثقافة) كما أعاد السؤال ذاته في هذا العرض اليوم عن مرونة هذه الخامة الأساسية للمعرفة واستجابتها لتكوينات وإنشاءات تحمل في طياتها معانيَ مبتكرة تقول بشكلها الثابت والصلد أكثر من معنى وعاطفة في آن واحد.
ايقونة المعرض
اختيار معرض بغداد الدولي للكتاب في دورته الأخيرة مناسبة مواتية لعرض كتاب زياد جسام المتغصن هو اقتران غاية في التوفيق. في الوقت الذي استعادت فيه بغداد عافية الكتاب وغابت عنها أيام محنته وخبا رماد محارقه السابقة، وصارت بغداد المركز الأكثر غزارة في إنتاج الكتاب وصناعته وقراءته وتقام فيها مهرجانات للقراءة ومؤسسات وأندية للتحريض على المعرفة وإحياء الإنسان لصداقته القديمة بخير جليس له عبر العصور، تأتي هذه المناسبة لاحتضان عمل تشكيلي كان كما أطلق عليه كثير من الكتاب ورواد المعرض بأنه “أيقونة المعرض”.