سامي عبد الحميد: الفارس يغادر الجبل

892

أكرم القيسي /

رحل عنا قبل أيام عميد المسرحيين ومعلِّم الأجيال وشيخ المجرّبين والأب وملك الإلقاء والمربّي والأستاذ (جامعي مدرس) في كلية الفنون الجميلة (الدراسات العليا) الفنان (سامي عبد الحميد) عن عمر ناهز الـ91 عاماً (مواليد السماوة 1928).. قامة كبيرة من قامات المسرح العراقي والعربي لم يشيّعه إلا القليل من محبّيه وتلامذته وطلابه، ولم يحضر أي مسؤول في الدولة مراسم التشييع التي كان من المفترض أن يتصدرها وزير الثقافة.
(الله وياك سامينا معلمنا أبونا مربينا).. سيلتقيك الكبار الذين سبقوك، عمالقة المسرح العراقي: حقي الشبلي, عبد الواحد طه, أسعد عبد الرزاق، خليل شوقي, يوسف العاني, مرسل الزيدي, فاضل خليل, بدري حسون فريد وقاسم محمد وعوني كردي .. قناديل المسرح العراقي الكبير.
خسارة كبيرة
يعد الراحل الفنان (سامي عبد الحميد) ذاكرة المسرح العراقي وكل من تتلمذ ودرس على يده فهو محظوظ لانه معلّم فذ جرب كل أدوار العلم.. فهو مؤلف ومعد ومترجم وناقد ومخرج وصانع سينوغرافيا، ورحيله يعد خسارة كبيرة للفن العراقي والعربي.. دخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية بكونه أكبر ممثل تخطى الـ٨٠ عاماً ومازال مستمراً في العمل المسرحي.
كتب وترجم العديد من الكتب والبحوث التي تخص الفن المسرحي وفن الإلقاء الذي كان مميزاً فيه لصوته القوي الرخيم الجهوري.
العهد الملكي
عاصر الراحل سامي عبد الحميد المراحل السياسية في العراق منذ العهد الملكي لغاية يومنا هذا، بدأ عمله في المسرح منذ بداية الخمسينات واعتقل مرتين: المرة الأولى بسبب اشتراكه في التظاهرات ضد حلف بغداد والثانية للاشتباه بكونه ينتمي إلى أحد الأحزاب الشيوعية المحظورة في إيران. أنهى الفنان سامي عبد الحميد دراسته الأكاديمية في بغداد ثم نال شهادة الحقوق وعاد ليحصل على شهادة عليا من جامعة اوريغون في أميركا.
وهو بروفيسور مسرح وعالم في الجمال والإخراج. نال شهادة الدكتوراه في المسرح من جامعة بغداد كلية الفنون الجميلة.
أعماله المسرحية
مثّل في مسرحيات كثيرة منها مسرحية ( النخلة والجيران) للمخرج قاسم محمد،
(بغداد الأزل ببن الجد والهزل) أيضاً للمخرج الراحل قاسم محمد،
(الإنسان الطيب) للمخرج الراحل عوني كرومي،
(غربة) للمخرج كريم خنجر،
(قمر من دم) للمخرج الراحل فاضل خليل،
(الملك لير) للمخرج صلاح القصب،
(نديمكم هذا المساء) لمؤلفها عادل كاظم ومخرجها إبراهيم جلال،
(رحلة في الصحون الطائرة) لمخرجها الراحل إبراهيم جلال ومسرحية (أغنية التم) لتشيخوف (عمل مونودراما).
أما في السينما فقد مثل في أفلام سينمائية عدة منها:
(من المسؤول) عام ١٩٥٦, (نبوخذ نصر) ١٩٦٢, (المنعطف)1975, (الأسوار)١٩٧٩, (المسألة الكبرى) ١٩٨٢, (الفارس والجبل) عام ١٩٨٧, وآخرها فيلم (كرنتينا) للمخرج الشاب عدي رشيد وأخرج للمسرح أعمالاً كثيرة منها: ثورة الزنج / ملحمة كلكامش / بيت برناردا ألبا / أيام الجنون والعسل / أنتيغونا / في انتظار غودو / المفتاح / الزيارة / إلى إشعار آخر/ هاملت عربياً / القرد الكثيف الشعر/ عطيل في المطبخ/ الزنوج/ وجزيرة الماعز.
مهرجانات مسرحية
شارك الفنان سامي عبد الحميد في أغلب المهرجانات المسرحية في الوطن العربي وأهمها:
مهرجان ربيع المسرح في المغرب, مهرجان أيام الشارقة المسرحية في الإمارات, مهرجان المسرح الأردني في الأردن, وكرِّم في مهرجان قرطاج المسرحي في تونس كواحد من أبرز الرواد في المسرح العربي وحصل على وسام الثقافة التونسية من رئيس جمهورية تونس، وحصل على جائزة الإبداع من وزارة الثقافة العراقية، كما نال جائزة أفضل ممثل عن دوره في مسرحية (الملك لير) التي أخرجها د. صلاح القصب في مهرجان بغداد المسرحي الأول.
عطيل في المطبخ
في أحد أيام الصيف في التسعينات سرَت همسات بين الممثلين ومحبّي المسرح بأن الراحل سامي عبد الحميد قد نضب وأن ليس لديه شيء جديد، فقدّم حينها عرضاً مسرحياً اسمه (عطيل في المطبخ)، وكان عرضاً مسرحياً كبيراً قدمه في كافتيريا مؤسسة السينما والمسرح وأبدع في عمله.. حقاً كانت تجربة (عطيل في المطبخ) تجربة مثيرة رائعة.
عاصفة صلاح القصب!
في مسرح الرشيد في تسعينات القرن الماضي عرض د. صلاح القصب مسرحيته (العاصفة) لوليم شكسبير، والمعروف عن صلاح القصب أنه لايلتزم بالنص فيغير ويضيف ويقدم مشاهد ويؤخر حسب رؤيته، عكس الدكتور سامي عبد الحميد الذي يلتزم بالنص ويكون أميناً له، وبعد انتهاء العرض المسرحي خرج الأستاذ سامي من المسرح غاضباً فلحق به د. القصب سائلاً إياه: أستاذي أستاذي ما رأيك بالمسرحية؟ فأجابه الأستاذ سامي عبد الحميد بعصبية (وهو يضرب يده بالجريدة التي كان يحملها في يده): وهل تعتقد أن هذه المسرحية لشكسبير؟ إنها ليست عاصفة شكسبير بل عاصفة صلاح القصب!!!!
نور الشريف
الله يرحمك دكتور سامي عبد الحميد، كان هناك خلاف كبير بينه وبين الدكتور صلاح القصب، ومع ذلك فقد امتثل لأوامر المخرج صلاح القصب حين أسند له دور (الملك لير) لشكسبير وعرضت في مهرجان بغداد المسرحي الأول وقدم فيها الراحل سامي عبد الحميد أداءً مذهلاً أعجب الكثير من الفنانين العرب ومنهم الفنان الراحل نور الشريف الذي قفز الى خشبة المسرح ليحتضن سامي ويهنئه بحرارة على هذا الأداء الرائع الجميل، وفعلاً فاز الممثل سامي عبد الحميد في مهرجان بغداد المسرحي الأول بجائزة أفضل ممثل مسرحي عن دوره في مسرحية ( الملك لير) نص لشكسبير من إخراج صلاح القصب..
حياة مشوّشة
في آخر لقاء تلفزيوني له سأله مقدم البرنامج: مارأيك أستاذ سامي في الحياة الاجتماعية والاوضاع العامة التي نعيشها؟ فأجابه بأنها (حياة مشوّشه).. أدعو طلبتي وكل الفنانين المسرحيين لمشاهدة مسرحية (غربة)، ففيها معانٍ كثيرة وأمنيتي الكبيرة أن يعود العراق إلى الصدارة في المسرح العربي… رحمك الله سيدي ومعلمي أبا أسيل.