سعدون قاسم: الأغنية العراقية ترقد في غرفة الإنعاش

1٬827

كاظم غيلان  /

لم يدر في خلَد الصبي الذي تناهى لأسماعه ذلك الشعر الذي تقوله جدته (حدهن) بكامل عفويتها أن يكون واحداً من أبرز شعراء الأغنية العراقية، إذ بات من الصعب عليه وضع رقم لأعدادها، فقد صدحت بكلماته حناجر خيرة مطربي العراق ( سعدون جابر، رياض أحمد، حسين نعمة، كريم منصور، سعدي الحلي، قحطان العطار، صباح الخياط، صلاح عبد الغفور… وإلخ).
وبقدر ما تجد ملامحه طافحة بالبشر والابتسامة الدائمة، إلا أن دواخله مسكونة دوماً بفواجع غياب أحبته من إخوته وأصدقائه.
إنه سعدون قاسم.. الشاعر الذي جاور الماء دهراً وبحث في أسراره وأدمن محاكاته وهو يتأمل مخيلة حروف سومر الأولى الراكسة في قعر ذلك النهر الملاصق لبيتهم.. لنتعرف عليه أكثر عبر هذا الحوار:
غياب مستمر
*(بس تعالو، أنا والليل، تعتب علي، فيما لله.. الخ) كأنك مولع بالغياب، فما له من نهاية..
– عندما تحكم الأقدار ويطاوعها الزمن ويجور بالذين ذهبوا ولم يعودوا، حينها يكون الحلم البعيد قد تحقق، تكون للغياب أسماء غنائية أحزنك غيابها عن الحياة كان لك تعاون معها: صلاح عبد الغفور أحبه كثيراً غنى لي (أنا احتاجيتكم) من لحن جعفر الخفاف، و(تمنيتك) التي أعاد غناءها قحطان العطار وشباب آخرون، وكنت منهمكاً في كتابة أغنية طلبها شقيقه نجاح أثناء انهماكي بها حين فجعني سعدون جابر هاتفياً بخبر رحيله فسارعت بتمزيق النص وأجهشت بالبكاء.
شراكة المجد
* الأغنية (صنعة) فنية يعتبرها البعض تشترك فيها أطراف ثلاثة (مؤلف- ملحن- مؤدٍّ) فأين حصتك من مجدها؟
– أعترض على كلمة (صنعة).. أنا أراها مجموعة من المشاعر والأحاسيس الإنسانية النبيلة التي تثير فيّ الحماس والجمال وتساقط الدموع، حينها أقول أن النص معافى. أما حصتي من مجد الأغنية فهي الأولى لأنني المحّفز للملحن ومن ثم المؤدي وبلا شك فهما شريكان.
* هناك من يطلق مصطلح (الشاعر الغنائي).. ألا ترى في ذلك انتقاصاً من موهبة الشاعر؟
– بدأت شاعراً أكتب القصيدة، ولظروف معينة ذاتية اتجهت لكتابة الأغنية فوجدتها أعذب وأرق وأكثر أحساساً وجمالاً، إضافة الى أنها أحد روافد الشعر والعديد من شعراء القصيدة غنيت قصائدهم، ولعل مظفرنا النواب خير مثال على ذلك، ولكنها مهمة قام بها ملحنون كبار.. أينهم الآن؟ كاظم فندي يجيد تلحين القصيدة بنجاح لكونه شاعراً أولاً.

الموروث ثروة بيئوية
*(حدهن) التي ذكرتها في حوار برنامج السجادة الحمراء، هل كانت ينبوعك الأول.. أومصدر إلهام مبكر لك؟
– إنها جدتي لأبي، كانت تحكي لي قصصاً بعفوية كاملة تنتهي بشعر جميل يلخص قضية القصة، فكانت وتري الأول الذي عزف على سلّم الشعر وأثار فيّ هاجس وخيال الشعر، وباختصار كانت هي اللبنة الأولى في سفري الشعري.
*الموروث الذي توظفه في نصوصك.. من أين جاء وكيف تتعامل معه؟
– أنا من بيئة ميسانية جميلة تثيرني فيها أنهارها وأهوارها وبساتينها، طيورها، أسماكها.. هذا الجمال اللامتناهي الأخّاذ كان محفزاً لأن أستلهم جماله قدر المستطاع، كنت أبحث وأقرأ وأسمع وأسأل فوجدت بين طيّات صفحات التراث مايستحق أن يؤخذ منه ويبنى عليه مثلما وظفته في (بيني وبينك، لوه ولوه، بويه محمد، المعيبر.. الخ).
*ارتبط اسمك بسميّك (سعدون جابر) هل استمر هذا الارتباط؟
– لم يزل مستمراً، وقبل أيام اتصل بي من لندن وكلفني، وكتبت له ما أراد وعذراً لعدم ذكر التفاصيل.
غرفة الإنعاش
* كريم منصور.. أين تضعه الآن؟
– إنه حلقة الوصل في ديمومة الأغنية السبعينية، فهو يمتلك صوتاً جميلاً وله شهرته الواسعة، وبرغم قلة نتاجه فهو يسير بالاتجاه الصحيح.
*ولكن كيف يقاوم كريم بل وحتى أنت موجات الغناء الهابط المبتذل السائدة اليوم برعاية الإعلام المرتزق الرخيص؟
_ الأغنية العراقية اليوم مريضة وترقد في غرفة الإنعاش، تشكو هزالها وإسفافها، وبلا أدنى شك هي مؤامرة مقصودة لتخريب متعمد يستهدف ذائقة الناس ولا توجد في الساحة الغنائية الا ما ندر من الجودة، أما المعالجة فهي صعبة جداً لأنها متشعبة بين رداءة النص وركاكة اللحن وهزالة الأصوات برغم جودة بعضها إلا أنها سيئة الاختيار.