سماح أنور: ما زلت أحلم

342

إيمان حواش /

بعد غياب طويل، بسبب تعرضها لحادث سير كادت أن تفقد فيه حياتها، تعود الفنانة القديرة سماح أنور إلى خشبة المسرح بعمل كبير للمخرج سمير العصفوري: “في انتظار بابا”، بعد أن قدمت العديد من المسلسلات والأفلام السينمائية والمسرحيات في فترة التسعينيات، حققت فيها نجاحات مشهودة مع الجماهير، فأعمال مثل “رحلة المليون”, و”رأفت الهجان” “وذئاب الجبل” و مسرحية “راقصة قطاع عام” مازالت عالقة في اذهان الجمهور العربي.
ولدت سماح أنور في 22 نيسان 1965 بالقاهرة، وتربت في أسرة فنية منذ نعومة أظفارها، فهي ابنة الأديب أنور عبد الله، ووالدتها هي الفنانة سعاد حسين، درست اللغة الفرنسية في جامعة القاهرة، لكنها اتجهت للتمثيل في بداية حياتها وعرفت بأدوار “الفتاة المسترجلة” وأدوار الحركة.
“الشبكة” التقت الفنانة سماح أنور ودار معها هذا الحوار …
*بعد غياب دام أكثر من 20 سنة.. عودة مرة أخرى إلى المسرح –وبقوة- مع المخرج الكبير سمير العصفورى.. هل من لمحة عن هذا الدور الذى أعاد سماح أنور إلى المسرح الآن؟
– في العادة أنا لا أتكلم عن أدواري أبداً في أية لقاءات صحفية حتى لا أحرقها، بل أتركها مفاجأة للجمهور، لكن فكرة هذا العمل هي فكرة حياتية, فهي تدور حول الميراث والمشكلات التي يتسبب فيها، وكيف أن البشر يتحولون إلى وحوش فى هذا الوقت، مهما كانت علاقاتهم قريبة -أو بعيدة- في سبيل الاستحواذ على المال فيكون كل شيء مباحاً.
ومن خلال وجهة نظر المخرج الكبير سمير العصفوري، نطرح مشكلة: هل يكون القتال للاستحواذ على المال أو الثروة سبباً في كره الذات والآخرين والسيطرة والتسيّد حتى داخل البيوت؟ كما نتحدث في هذا العمل عن هذا الصراع: هل أنه قدّمنا إلى الأمام أم أعادنا إلى الخلف؟ وهل إعادتنا للخلف تتماشى مع سُنة الحياة؟ إذ أن سُنة ربنا في الكون هي التقدم والتمدد والتوسع, إن الرجوع إلى الخلف ماهو إلا مؤامرة من العقل على صاحبه.. وهذا ما تناقشه الرواية.
الفن مؤثر وخطير
* من وجهة نظر سماح أنور.. هل المسرح المصري يؤثر بشكل -أو بآخر- في تنمية وجدان الشعوب العربية، ولاسيما بعد العولمة التي جعلت الشعوب العربية كلها شعباً واحداً؟
– بالطبع، فإن دور المسرح كبير جداً، وخطير جداً، ولاسيما بعد التسطيح الفني الذي أصاب العالم كله ومحاصرة الشعوب العربية وجعلها لا تحصل على أي نوع من الثقافة مثل مقولة “علم لا ينفع وجهل لا يضر”, فمثلاً قد تقابل شخصاً يقول لك نكتة مضحكة فتضحك عليها، وعندما تحاول أن تتذكرها مرة أخرى فلا تستطيع, إذ أنها في الحقيقة لم تؤثر في وجدانك, فالشيء الذي يؤثر في الوجدان هو الذي يعيش, لهذا فإن الفن خطير جداً، وليس الفن فقط، بل الميديا بشكل عالم الصحافة والفن والثقافة، في منتهى الخطورة، إذ أنها من الممكن أن تبني ومن الممكن أن تهدم, وأنا أعتقد أنه -مع الأسف- المسرح انحسر دوره في كل البلاد العربية، لأن البعض ربما يرى أن هناك خطراً على الشعوب من أن تتثقف كما كانت في الماضي.
* هل تقلص دور السينما في تنمية الوعي الوطني مقارنة بالسينما في الأعوام السابقة؟
– الوعي الوطني موجود لدى كل شخص ونابع منه, والسينما من الممكن أن تشارك في هذا، وهو موجود بالفعل في أعمال كثيرة ظهرت مؤخراً منها “الممر”، و”حرب كرموز”، وغيرها, ففي الأعوام الأخيرة ظهرت مجموعة من الأعمال العظيمة على مستوى الوعي الوطني, لكن السنيما بمفردها غير كافية, لأن الإنتاج السنيمائي -بشكل عام- أصبح غير وافر كما في الماضي, فأن تكون هناك أيضاً مساحة للأعمال الوطنية التي تنشر هذا الوعي لدى الفئة الشرائية لتذكرة السنيما، وهم الشباب، فهذا شيء رائع، لأن هذا الجيل كان يفتقد هذه النوعية من الأفلام، إذ كانت هناك محاولات لنشر هذا الوعي، لكنها محاولات فردية وليست حملات ضخمة أو منظمة, ولم يكن إنتاجها بشكل جيد، وذلك خلال فترة زمنية كبيرة شكلت فجوة عميقة منذ أفلام أكتوبر 1973 وحتى عام 2016, تلك الفترة هي التي حاولت فصل الإنسان عن الانتماء الوطني, أما الآن فقد عادت تلك الأعمال إلى الظهور مرة أخرى.
أتحرك بقلبي
* الشدائد تصنع النجوم.. هل مامرت به سماح أنور جعلها تعيد ترتيب أوراقها؟
– بصراحة ليست لدي أوراق لأرتبها, فأنا أتحرك بقلبي وأتبع خيالي، لأنه متصل بربنا الذي خلقني, ويأتي لي فى صورة رسائل كثيرة عبارة عن أفكار ومشروعات وأحلام وغيرها وهذه هي حياتي, فالفن هو أنا، ليس هواية أو مهنة أو موهبة, وأي مسمى آخر لا يمثل كينونتي, فسواء أكنت أمارس الفن أم لا, موجودة على الساحة الفنية أو غير موجودة، فهذه هي حياتي وأسلوب معيشتي, والحمد لله أنني كنت محظوظة، فقد تربيت على يد من علمونى أن للفنان كينونة، لا ينفع أن يكون موظفاً, لا ينتظر العمل بل يخلقه, فأنا بالنسبة للجمهور ممثلة، لكني -في الحقيقة- أقوم بعمل العديد من الأشياء الأخرى، وأمتهن مهناً عديدة، وكلها أعمال فيها ابتكارات، مثل مدربة تنمية بشرية، أو مدربة مهارات حياتية, وفي مجال الفن أعمل كمخرجة وجرافيك وميكب وتصوير، وغير ذلك الكثير والكثير، فأنا أتعلم طوال الوقت، أحلم وأنفذ أحلامي لأن عندي وقت فراغ طويلاً ، وهذا ما يجعلنى أعيش أحلى بكثير وأتقدم أكثر بكثير, وعندما يطلبوني أكون جاهزة.
بابل حبيبتي
* هل من كلمة توجهينها لشعب العراق الذى يتابع هذا الحوار في مجلة “الشبكة العراقية”؟
– الشعب العراقي شعب صامد وأخ شقيق، وأنا من محبي العراق جداً, فنحن شعب واحد، وأعلم جيداً أن العراق سينهض ويقف شامخاً مرة ثانية ويصبح أقوى بكثير، بشعبه. أنا أؤمن أنه أياً كانت مقدرات البشر ومشيئتهم، فإن مشيئة الله هى الأجدى والأجمل والأصلح والأنسب.
أذكر أنني في التسعينيات شاركت مع الفنان يحيى الفخراني والفنانة الجميلة هند كامل والفنان أحمد عبد العزيز في فيلم اسمه “بابل حبيبتي”، من إخراج الأستاذ فيصل الياسري, وقد كانت تجربة جميلة جداً قضينا فيها 45 يوماً بالتصوير في بغداد أيام مهرجان بابل، وكانت الحرب دائرة والصواريخ تقع على المدينة، وقد سقط أحدها خلف الفندق, وكانت النساء العراقيات العاملات في الفندق يبكين بسبب سقوط الصاروخ، لكن على الرغم من ذلك كانت لديهن القوة الصلابة الرائعة والصمود، إذ زاولن أعمالهن واشتغلن وهن باكيات.
هذه دروس عظيمة في الإصرار والعزيمة والصمود وعدم الانكسار، لأن الدنيا لا تتقدم إلى الأمام إلا بهذا الإصرار, فالانكسار في الدنيا لا يغيرها، بل يغيرنا نحن, لكن ربنا خلقنا أقوى منها, لهذا انا أؤمن في أن الشعب العراقي صامد وموجود الى الأبد إن شاء الله.